كشفت وسائل إعلام أسترالية عن فحوى البيان المطول الذي نشره مواطنها “برينتون تارانت” منفذ الهجوم الإرهابي على مسجدين بمدينة كرايست تشيرش النيوزيلندية، والذي تسبب في إسقاط 49 قتيلاً حتى الآن، مع إصابة أكثر من 50 آخرين بينهم نساء وأطفال. ويشير البيان الذي ترجمته “عربي بوست” مضامينه والذي نشره المنفذ على الأنترنيت إلى دوافع هذا الأخير حيث يقدم نفسه بأنه “مجرد رجل أبيض عادي” كما يكشف كيف “ألهمته” زيارته إلى فرنسا بارتكاب هذه المجزرة. وذكر القاتل في بيانه المكون من 73 صفحة، أنَّه يبلغ من العمر 28 عاماً، ووُلد في أسرة “من الطبقة العاملة ذات دخلٍ منخفض”، وأنَّه “قرر أن يتخذ موقفاً ليضمن مستقبلاً لقومه”. وقال الرجل إنَّه نفذ الهجوم كي “يقلل مباشرة معدلات الهجرة إلى الأراضي الأوروبية”. وفي الوقت ذاته، تُجري شرطة مكافحة الإرهاب في ولاية نيوساوث ويلز الأسترالية تحقيقاً حول الخلفية التي أتى منها، بعد أن أشارت تقارير إلى أنه قادم من مدينة غرافتون التابعة للولاية. وقد وصف تارانت الأسباب التي دفعته لتنفيذ الهجوم المروع بأنَّها طريقة كي يُظهر “للغزاة أن بلادنا لن تكون بلادهم أبداً، وأن أوطاننا ملكنا، وأنَّه مادام هناك رجل أبيض لا يزال حياً، فلن يحتلوا أرضنا أبداً ولن يقيموا مكان شعوبنا”. يخطط للهجوم منذ عامين كشف تارانت عن أنَّه كان يخطط للهجوم منذ عامين، مشيراً إلى أنَّه قرر تنفيذه في مدينة كرايست تشيرش منذ ثلاث أشهر. وقال إنَّ نيوزيلندا لم تكن “خياره الأصلي لتنفيذ الهجوم”، لكنَّه وصفها ب”بيئة غنية بالأهداف مثل أي مكانٍ آخر في الغرب”. وأضاف: “سوف يلفت وقوع هجوم في نيوزيلندا الانتباه إلى الحقيقة التي تشير إلى الاعتداء على حضارتنا، وأنَّه ليس هناك مكان آمن في العالم، وأنَّ الغزاة موجودون في جميع أراضينا، وحتى في أبعد مناطق العالم، وأنه لم يعد هناك أي مكانٍ آمن وخال من الهجرة الجماعية”. وادعى القاتل أنَّه يمثل “الملايين من الأوروبيين والشعوب القومية الأخرى”، مضيفاً: “يجب أن نضمن وجود شعوبنا، ومستقبل أطفالنا البيض”. أراد “الانتقام من الغزاة” وصف تارانت الهجوم بأنَّه عمل “انتقامي من الغزاة من أجل مئات آلاف الوفيات التي تسبب فيها الغزاة الأجانب في الأراضي الأوروبية على مر التاريخ.. ومن أجل استعباد ملايين الأوروبيين الذين أُخذوا من أراضيهم عن طريق النخاسين الإسلاميين.. وآلاف الأرواح الأوروبية التي فُقدت بسبب الإرهاب المنتشر في الأراضي الأوروبية”. وقال أيضاً إنه ثأر من أجل إبا أكرلوند، الطفلة التي كانت تبلغ من العمر 11 عاماً عندما قُتلت في هجومٍ إرهابي وقع في ستوكهولم عام 2017. Grande tristesse ! La haine tue d'où qu'elle vienne. Combattons le mal sans relâche et surtout restons solidaire.#Christchurch #NouvelleZelande #NewZealand pic.twitter.com/dVQflFyK5O — Yasin Gundogdu (@YasinGund) March 15, 2019 ووصف تارانت أيضاً في البيان هجوم ستوكهولم بأنَّه “الحدث الأول” الذي ألهمه لتنفيذ الهجوم، ولا سيما مقتل الفتاة البالغة من العمر 11 عاماً: “وفاة إبا على يد الغزاة، والمهانة المشهودة في موتها العنيف، وعجزي عن منع الأمر، طغت على استخفافي السقيم بالمسألة كما لو أنَّها مطرقة ثقيلة. ولم أعد قادراً على تجاهل الهجمات”. فيما يظهر في صورة الغلاف بحساب تارانت على موقع تويتر ضحية من الهجوم الإرهابي الذي وقع في يوم الاحتفال بالعيد الوطني لفرنسا عام 2016 في نيس، التي قُتل فيها 84 شخصاً حين دهست شاحنة حشود المحتفلين. رحلة إلى فرنسا ألهمته فكرة الجريمة قال الرجل إنَّ رحلة إلى فرنسا عام 2017 ألهمته أيضاً لتنفيذ الهجوم: “كنت أقرأ منذ سنوات عديدة عن غزو فرنسا عن طريق غير البيض، واعتقدت أنَّ كثيراً من هذه القصص والشائعات مبالغ فيها، وأنَّها اختُلقت لطرح رواية سياسية (محددة). لكن عندما وصلت إلى فرنسا، لم أجد القصص حقيقية وحسب، بل إنَّها أقل من الواقع بكثير. ففي كل مدينة فرنسية، وفي كل بلدة فرنسية، كان الغزاة موجودين”. وتحدث القاتل عن وجوده في فرنسا قائلاً: “عندما كنت داخل موقف السيارات أجلس في سيارتي المؤجرة، شاهدت سيلاً من الغزاة يدخلون من البوابة الأمامية للمركز التجاري. ومقابل كل رجل فرنسي أو امرأة فرنسية، كان هناك ضعف هذا العدد من الغزاة. لقد رأيتُ ما يكفي، وغادرت المكان من الغضب، ورفضتُ البقاء أكثر من ذلك في هذا المكان الملعون وتوجهت إلى البلدة المجاورة”. لا يشعر بالندم ولن يقر بالذنب وفي جزءٍ سابق من البيان، وصف تارانت طفولته ب”العادية” وأنَّها كانت “بدون أي أمور كبرى”، مشيراً إلى أنَّه لم يكن مهتماً كثيراً بتعليمه، وكان “بالكاد يحقق درجات اجتياز الامتحانات” في المدرسة. وقال إنَّه ربح أموالاً من الاستثمار في عملات Bitconnect، وهي عملة رقمية مشفرة مفتوحة المصدر. وأضاف تارانت أنَّه لا يشعر بأي ندم على ارتكاب الهجوم. وقال: “أتمنى فقط لو كنتُ قادراً على قتل عددٍ أكبر من الغزاة، وكثيرٍ من الخونة أيضاً”. وأوضح أيضاً أنَّ هناك “عاملاً عرقياً في الهجوم”، ووصفه بأنَّه “مناهض للهجرة”، وأنَّه “هجوم باسم التنوع”. وقال أيضاً إنَّه لن يقر بالذنب إذا نجا وخضع للمحاكمة. وعد بتنفيذ الهجوم وبثه مباشرة على فيسبوك كان البيان قد نُشر على منتدى 8chan عن طريق مستخدم عرَّف نفسه باسم تارانت، وأعلن أنَّه سوف ينفذ هجوماً. وكتب تارانت: “سوف أنفذ هجوماً ضد الغزاة، بل وسوف أنقل بثاً مباشراً للهجوم عبر فيسبوك”، وأضاف إلى منشوره رابطاً لصفحته على فيسبوك. وأضاف: “إن لم أنجُ بعد الهجوم، فوداعاً وليبارك الله، وسوف أراكم في فالهالا!”، مشيراً إلى الآخرة حسب الأساطير الإسكندنافية. ورد كثير من المستخدمين على منشوره بامتداح تنفيذ الهجوم، مع تعليقاتٍ على شاكلة: “بالتوفيق”، و”ذلك الفيديو رائع للغاية”. The killer in New Zealand Written on the nozzle of his machine gun (Charles Martel) Commander of the Crusaders in the Battle of the Martyrs' Court 732 CE against the Caliphate Army in Andalusia under the leadership of Abdulrahman Al-Gafaki. #NewZealandShooting#NewZealand pic.twitter.com/ztlf1Vp2XK — فلاح القحيصان (@F_AlQuhaisan) March 15, 2019 نشر صور الأسلحة قبل أيام من الحادث، وهؤلاء من اقتدى بهم لتنفيذ الحادث ونشر تارانت خلال الأيام التي سبقت الهجوم صوراً على حسابه في موقع تويتر (أوقف حسابه الآن) تبدو أنَّها لأسلحة نارية وذخيرة، وسترات شبه عسكرية. وكتب على الأسلحة إشاراتٍ إلى معارك قديمة وهجمات حديثة ضد المسلمين. وكتب على سلاح يبدو كبندقية رسالةً تقول: “إليكم ميثاق الهجرة الخاص بكم”. فيما كتب في واحدةٍ من الصور: “من أجل روثرهام، وألكسندر بيسونيت، ولوكا ترايني”. وقد حُكم على بيسونيت بالسجن 40 عاماً لقتل ستة أشخاص بالرصاص في 2017، بعد أن أطلق النار على مسجدٍ في مقاطعة كيبك. فيما يقضي ترايني عقوبة السجن ل12 عاماً لإطلاق النار على 6 مهاجرين أفارقة في هجومٍ ذي دوافع عنصرية وقع في أكتوبرمن العام الماضي. ذكر اسم المسجد الذي يخطط للهجوم عليه أوضح القاتل أنَّ الهدف الأصلي كان المسجد الكائن في مدينة دنيدن النيوزلندية، لكنَّه غير رأيه بعد زيارة مساجد في كرايست تشيرش ولينوود. وقال أيضاً إنَّه يتحرك وحده، وأنَّه ليس نازياً أو معادياً للسامية، وأنَّه اعتنق معتقداته عن طريق الإنترنت، مضيفاً: “لن تعثروا على الحقيقة في مكان آخر”. وأشار إلى “تواصلٍ قصير” أجراه مع أندرس بهرنغ بريفيك، وهو إرهابي يميني متطرف قتل 77 شخصاً في النرويج عام 2011. وأكد أيضاً على عدم تأثره بالعائلة أو الأصدقاء، الذين وصفهم بكونهم “أستراليين تقليديين، غير مبالين، وأغلبهم غير مهتمين بالسياسة. ولا يهتمون حقاً إلا بالأمور المتعلقة بحقوق الحيوانات، وحماية البيئة، وفرض الضرائب”. وبعد أن زعم أمله في النجاة بعد الحادث، أكد كاتب البيان على أنَّ “الموت مؤكد”. وأعلن في البيان أنَّ “قيمة حياتك” تُقاس ب”أفعالك خلاله”. ونصح المتابعين ب”تقبل الخزي.. حتى يتحقق النصر”. اكتشف التغريدة صحفي أمريكي وكانت تغريدة الصحفي الأمريكي ماثيو كيز ضمن أولى التغريدات التي تحدثت عن نشر البيان. وقال كيز في تغريدته التي نشرها صباح اليوم: “عاجل: رجل عرَّف نفسه بأنه برينتون تارانت نشر بياناً مطولاً قبل إطلاق النار في هجومٍ نفذه بمدينة كرايس تشيرش في نيوزيلندا”. #BREAKING: Police in New Zealand reviewing online posts purportedly written by Christchurch shooting suspect before massacre. In video streamed to Facebook, suspect encourages viewers to subscribe to "PewDiePie," a popular YouTube personality. pic.twitter.com/Pisc4X1UH1 — Matthew Keys (@MatthewKeysLive) March 15, 2019 يذكر أن الشرطة اعتقلت أربعة أشخاص بعد إطلاق النار على المصلين الذين تجمعوا لأداء صلاة الجمعة. وانتشر رجال الشرطة المسلحون حول مسجد النور حيث وقع الهجوم في الواحدة وأربعين دقيقة بتوقيت نيوزيلندا، مع إغلاق مدارس ومستشفيات المدينة. وبعدها بقليل شُنَّ هجومٌ آخر على مسجد في جادة لينوود.