شكلت قضية إقليم الصحراء محددا رئيسيا لوجه العلاقات المغربية الفنزويلية، فعلى مدى عقد من الزمان اتسمت بدخولها “النفق المسدود”، إذ أغلقت الرباط سفارتها في كاراكاس عام 2009، بسبب موقف هذه الأخيرة، الداعم لجبهة “البوليساريو” في قضية الصحراء المغربية. غير أن الأزمة الأخيرة في فنزويلا أنعشت آمال إحياء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، بعدما رجحت الرباط كفة زعيم المعارضة “خوان غوايدو”، الذي أعلن نفسه “رئيسا مؤقتا” للبلاد، بسبب تصريحه الداعم للمغرب في قضية الصحراء. ومنذ 23 يناير الماضي، تشهد فنزويلا توترا متصاعدا بعد إعلان “غوايدو”، وسرعان ما اعترف الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، ب”غوايدو”، رئيسا انتقاليا لفنزويلا، تبعته كندا، ودول من أمريكا اللاتينية، وأوربا. وعلى إثر ذلك، أعلن الرئيس الحالي “نيكلاس مادورو”، قطع العلاقات الدبلوماسية مع واشنطن، متهما إياها بتدبير محاولة انقلاب ضده. وفي 29 من الشهر نفسه، أعلن المغرب دعمه “لكل التدابير المتخذة من أجل الاستجابة للتطلعات الشرعية للشعب الفنزويلي للديمقراطية والتغيير”، خلال اتصال هاتفي بين ناصر بوريطة وزير الخارجية المغربي، و”غوايدو”، الذي يسعى إلى حشد الدعم الدولي لصالحه. وأعرب غوايدو” عن رغبته في إعادة العلاقات بين كراكاس، والرباط، التي أغلقت، في عام 2009 سفارتها في فنزويلا، بسبب ما أسمته “العداء المتزايد للسلطات الفنزويلية من الوحدة الترابية للمملكة، ودعمها البوليساريو”. وبعد الاتصال، الذي جمع “غوايدو” و”بوريطة”، أعلنت الحكومة المغربية، على لسان الناطق باسمها مصطفى الخلفي، أن موقفها من الأزمة السياسية الحالية في فنزويلا، يحدده الموقف من قضية إقليم الصحراء المتنازع عليه بين الرباط وجبهة “البوليساريو”. وفي 21 فبراير الماضي، أعرب “كالوس سكول”، الممثل الدبلوماسي في بيرو، لزعيم المعارضة، عن شكر الشعب الفنزويلي لدعم المغرب، باعتباره أول بلد عربي، وإفريقي يقدم دعمه لغوايدو، وذلك حين استقبل “يوسف بلا”، سفير المغرب في مقر سفارة المملكة في العاصمة البيروفية ليما، “كالوس سكول”. ويعتبر هذا اللقاء الدبلوماسي الأول من نوعه، منذ المحادثة الهاتفية، بين “غوايدو”، وبوريطة. وشدد الدبلوماسي الفنزويلي على “استعداد الحكومة المؤقتة للعمل من أجل إحياء علاقات الصداقة التقليدية مع المغرب، التي تأثرت سلباً بتدخل نظام مادورو في قضية الوحدة الترابية للمملكة”. ** لحظة ترقب ويرى سعيد الصديقي، الخبير في العلاقات الدولية، والمحلل السياسي المغربي، أن علاقات بلاده مع كاراكاس تعيش “حالة من الانتظار نظرا إلى الغموض، الذي يكتنف الوضع السياسي داخل فنزويلا”. وأكد الصديقي أن “التوتر كان السمة الغالبة على هذه العلاقات في عهد الرئيس الراحل “هوغو تشافيز”، وخلفه نيكولاس مادورو، بلغت حد القطيعة، والعداء”. ولفت الصديقي الانتباه إلى أن الدبلوماسية الفنزويلية “لم تكتف بإعلان مواقف معادية لمغربية الصحراء، بل أيضا كانت دائما ضده في منتديات، ومنظمات دولية، مثل ما حدث، خلال 2015 و2016، عندما كانت فنزويلا عضوا غير دائم في مجلس الأمن الدولي”. وأضاف أستاذ العلاقات الدولية في جامعة محمد بن عبد الله في فاس: “نحن في مرحلة انتظار لما ستسفر عنه حركة التغيير السياسي بقيادة خوان غوايدو”. واعتبر الصديقي أن أي “تغيير سياسي داخل فنزويلا سينظر إليه المغرب بنظرة تفاؤل”، من منظور مغربي. وحسب المتحدث نفسه، فإنه “في جميع الأحوال سيكون المغرب من المستفيدين من هذا التغيير نظرا إلى الاختلاف الكبير، الذي كان بين البلدين في مرحلة تشافيز ومادورو”. واستدرك الصديقي، وقال: “لكن الدبلوماسية المغربية كانت دائما واقعية، فهي لن تنتظر فنزويلا حتى يحدث فيها تغيير سياسي كبير، وهي لا تنتظر أن تغير موقفها جذريا من قضية الصحراء”. ** تحييد فنزويلا من ملف الصحراء وقال الصديقي إن بلاده تطمح إلى “تحييد فنزويلا من ملف الصحراء، وجعل موقفها محايدا، ومساندا لمسار الحل السلمي، الذي تقوده منظمة الأمم المتحدة”. وأوضح أن “هذا الهدف هو ما كان يقوم به المغرب تجاه الدول، التي كانت تعترف بالبوليساريو”. وشدد الصديقي على أن المغرب كان يسعى، في البداية، إلى تحديد الدول المساندة لجبهة البوليساريو، و”إقناعها بسحب الاعتراف، ودعم الحل السلمي، حتى وإن لم يصل الأمر إلى الاعتراف بمغربية الصحراء”. وأبرز المتحدث نفسه أن ما يلوح في الأفق حول إمكانية أن تتوطد العلاقات بين البلدين، إذا ما استطاع “غوايدو” الانتصار في هذه المعركة السياسية، يبقى غير مضمون. وأشار الصديقي إلى أن المغرب لم يقم بأي عمل يمكن أن يفهم منه أنه مبادر في مساندة “غوايدو”، وأن الاتصال، الذي جرى بين زعيم المعارضة، ووزير الخارجية المغربي جاء بمبادرة من “غوايدو”. واعتبر الصديقي أن الموقف، الذي عبرت عنه الرباط إزاء القضية الفنزويلية يؤكد أن المغرب “في حالة انتظار لما ستسفر عنه حركة التغيير السياسي وما هي مواقف القوى، التي ستكون بجانب غوايدو”. من جهته، أكد محمد العمراني بوخبزة، المحلل السياسي، والأستاذ في جامعة عبد الملك السعدي في طنجة، أن “البراغماتية، والمصالح هي التي تتحكم في المواقف، والعلاقات الدولية”. وأفاد بوخبزة أن موقف فنزويلا من قضية الصحراء “لم يكن مقبولا، وغير مبني على مواقف تراعي مصالح كاراكاس”، موضحا أن “المغرب يتعامل بنوع من الاستمرارية في الموقف ووضع الخطوط الحمراء في العلاقات والسياسات الخارجية على رأسها قضية الوحدة الترابية”. وأضاف بوخبزة “عندما يتم المساس بهذا الملف يكون من الطبيعي، والعادي أن ينتفض المغرب، ويتخذ موقفا من الأنظمة، وليس من الدول، ومع تشافيز كان هناك عداء معلن للوحدة الترابية للمغرب”. وتابع بوحبزة أنه “على الرغم من الأزمة، التي تعيشها فنزويلا، تبقى الأمور غير واضحة، والمغرب لم يتسرع بالاعتراف بغوايدو رئيسا، عكس ما فعلت بعض الدول، التي أعلنت اعترافها مباشرة به”. وقرر المغرب، خلال يناير 2009، إغلاق السفارة المغربية في فنزويلا، بسبب ما أسمته الرباط “العداء المتزايد للسلطات الفنزويلية من الوحدة الترابية للمملكة، ودعمها البوليساريو”. وبدأت قضية “الصحراء”، عام 1975، بعد إنهاء الاحتلال الإسباني وجوده في المنطقة، ليتحول النزاع بين المغرب، و”البوليساريو” إلى نزاع مسلح، استمر حتى عام 1991، وتوقف بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار. وتصر الرباط على أحقيتها في إقليم الصحراء، وتقترح كحل حكمًا ذاتيًا موسعًا تحت سيادته، بينما تطالب “البوليساريو” بتنظيم استفتاء لتقرير مصير الإقليم، وهو طرح تدعمه الجزائر، التي تؤوي النازحين الفارين من الإقليم بعد استعادة المغرب له؛ إثر انتهاء الاحتلال الإسباني.