الديناميات التي تعتمل في المجتمع المغربي، والتي تحاول الدولة احتواءها، وفق الظروف المحلية والإقليمية والدولية، منذ سنة 2011 مع حركة 20 فبراير، مرورا بحراك الريف واحتجاجات زاكورة وجرادة والأطلس وسوس وغيرها من المناطق، لا يبدو أنها آيلة إلى الزوال خلال هذه السنة، في ظل غياب فرص الشغل وتفاقم المشكلات الاجتماعية. والأخطر من كل هذا هو أن هذه الاضطرابات التي يعرفها المغرب تسهم في فقدان الثقة في النظام. هذا ما حذر منه التقرير السنوي للمعهد الملكي الإسباني للدراسات الدولية والاستراتيجية (إلكانو) تحت عنوان: “إسبانيا في العالم 2019: آفاق وتحديات”، في علاقتها بالمغرب وشمال إفريقيا والشرق الأوسط. صافرات الإنذار التقرير الذي تتوفر “أخبار اليوم” على النسخة الكاملة منه أوضح أن “غياب الفرص في المغرب والمشكلات الاجتماعية وعدم الثقة في النظام؛ كلها عوامل تغذي المظاهرات والانتفاضات الصغيرة محليا”، وأردف أن هذا الاستياء الاجتماعي أدى إلى الدعوة إلى “حملة المقاطعة ضد المصالح الاقتصادية لقطاعات مرتبطة بالسلطة”، قبل أن يؤكد أنه:”لا يبدو أن هذه الديناميات ستخمد سنة 2019”. ويشرح التقرير أن “المغرب بلد مفتاح بالنسبة إلى إسبانيا لعدة أسباب: (الهجرة ومكافحة الإرهاب وتزايد أهمية العلاقات الاقتصادية). في هذه الظرفية تربط البلدان علاقة تعاون جيدة، على الرغم من وجود قضايا شائكة، مثل ارتفاع عدد المهاجرين غير النظاميين الموجودين بإسبانيا، فضلا عن الإغلاق الأحادي من قبل المغرب للمعبر الجمركي البري التجاري بني أنصار بمليلية”. وعرج التقرير على أهمية ومركزية شخص الملك في الحفاظ على الاستقرار والتوازن في المملكة في منطقة مضطربة، ومع الإشاعات التي يروج لها بخصوص صحة الملك، وفي هذا يقول: “إن إحدى النقاط التي أثير حولها الكثير من القيل والقال في الآونة الأخيرة، هي الحالة الصحية للملك محمد السادس وغيابه الطويل عن البلاد؛ إنه شيء يعبر عنه المغاربة أنفسهم في كل مرة، ولا يخلو ذلك من بعض القلق، لأن الملك هو الشخصية المركزية للنظام السياسي”. قضية الهجرة السرية انطلاقا من السواحل المغربية صوب نظيراتها الإسبانية اكتست أهمية قصوى في التقرير، إذ أرجع تفاقمها منذ يناير 2018 إلى جملة من العوامل، من بينها انسداد الآفاق في المملكة، واندلاع حراك الريف وإعادة العمل بنظام التجنيد الإجباري. في هذا يقول التقرير: “على عكس ما يمكن التفكير فيه، ارتفاع تدفقات الهجرة إلى إسبانيا ليس نتيجة لإغلاق الطريق الوسطى للبحر الأبيض المتوسط بين ليبيا وإيطاليا: جنسيات الواصلين متعددة، وفي الحالة الإسبانية يتحدرون من المغرب العربي، ومن المغرب على وجه الخصوص”، مبرز أن “هذا الارتفاع في أعداد المهاجرين يرجع إلى أسباب عدة: إمكانية عودة التجنيد الإجباري، الجفاف الشديد في سنة 2017، وقمع الاحتجاجات في منطقة الريف وانسداد الآفاق في وجه الشباب بالمنطقة”. تحديات ومخاطر حقيقية وأضاف التقرير أن “الارتفاع الكبير من تدفقات الهجرة السرية خلقت الحدث خلال سنة 2018، حيث كانت لها آثر مهمة على الرأي العام والسياسة الداخلية”، كاشفا أن “المسماة الطريق الغربية للمتوسط، التي تؤدي إلى إسبانيا، تحول إلى البوابة الرئيسة لدخول المهاجرين السريين إلى الاتحاد الأوروبي”. وتابع أن “دخول 56 ألف مهاجرا سريا بحرا و6000 برا عبر سبتة ومليلة إلى إسبانيا سنة 2018 يعتبر أكبر رقم يسجل في التاريخ المعاصر الإسباني، إذ فاق الرقم القياسي المسجل خلال ما يسمى أزمة الزوارق سنتي 2005 و2006 بين جزر الكناري ومليلية وسبتة”. غير أن التقرير عاد ليوضح أن هذه الأرقام المسجلة، في غالبيتها، بين المغرب وإسبانيا، تبقى محدودة وضعيفة إذا ما قورنت بعدد الواصلين إلى أوروبا في السنوات الماضية. “من زاوية أوروبية يبقى رقم 62000 مهاجر سري صغيرا عندما يقارن بتدفقات الهجرة السرية إلى اليونان وإيطاليا في السنوات الماضية (ما بين 2015 و2017)، لكن كل هذا لا يخفي الاستنفار الذي يجسده هذا الارتفاع في إسبانيا والاتحاد الأوروبي على حد سواء”، يستدرك التقرير. ويرى التقرير أن إسبانيا يمكنها تدبير تدفقات المهاجرين المغاربة والجزائريين في إطار الاتفاقيات الثنائية الموقعة بين البلدين المغاربيين، لكن الإشكال المطروح هو القادمون من إفريقيا جنوب الصحراء؛ إذ يعلل ذلك بالقول: “أن يأتي جزء كبير من المهاجرين السريين من المغرب والجزائر إلى إسبانيا، فذلك يسهل عملية تدبيرها بفضل اتفاقيات إرجاع المهاجرين الموقعة مع البلدين، مع الاعتراف أن الأمور لا تسير دوما بشكل جيد في هذا الجانب”. في المقابل، يطرح المهاجرون الآتون من إفريقيا جنوب الصحراء مشكلا قانونيا وحقوقيا، بحيث لا يمكن ترحيلهم، نظرا لغياب اتفاقيات ثنائية مع بلدانهم الأصلية والتي تقضي بترحيلهم من إسبانيا. وطرح التقرير، كذلك، إشكال آلاف القاصرين المغاربة غير المصحوبين في مراكز الإيواء بإسبانيا والمتسكعين في شوارعها، والمعرضين للعديد من المخاطر؛ كالسقوط في أحضان الجريمة والانحراف أو شبكات الاتجار في المخدرات والدعارة والجماعات الجهادية. إذ يبرز أن “إسبانيا تحتضن 11000 مهاجر قاصر إلى حدود أواخر السنة المنصرمة؛ 70 في المائة منهم مغاربة”، موضحا أن إيواء كل هؤلاء القاصرين أدى إلى “اكتظاظ مراكز الاستقبال وتسبب في مشكلات التدبير السياسي لها من قبل مختلف الإدارات المحلية والجهوية والمركزية”. من جهة ثانية، حذر التقرير من تزايد المخاطر والتهديدات الإرهابية في منطقة البحر الأبيض المتوسط والمغرب العربي والساحل، نظرا إلى توسع بؤر النشاطات الجهادية لتنضاف إلى تلك الموجودة مسبقا في شرق إفريقيا وجنوب آسيا. لهذا ألح التقرير على “أن واقع أغلب الجهاديين في إسبانيا هم مغاربة أو من أصول مغربية يفرض الحفاظ على تعاون مميز وإعطائه الأولوية في مجال مكافحة الإرهاب بين السلطات القضائية والأمنية بين المغرب وإسبانيا”، فضلا عن التعاون مع فرنسا وأمريكا. المغرب العربي والشرق الأوسط في هذا الصدد، يشير التقرير إلى أنه عكس التوقعات بأن سنة 2019 التي كانت تعتقد أن المغرب العربي والشرق الأوسط سيعيش على إيقاع “استمرارية” الأمور على ما كانت عليه، يتضح أن “هناك تنامي حالة اللايقين في مجمل الجيران الجنوبيين للاتحاد الأوروبي، علاوة على الشكوك التي تحوم حول التطور الداخلي والاستقرار في العديد من هذه البلدان”. وشرح التقرير أن “السمة البارزة خلال سنة 2018 كانت هي تصاعد الاستبداد في المنطقة برمتها. في الوقت نفسه، تأكد أن الأنظمة – بدرجات متفاوتة – غير قادرة على تلبية الاحتياجات المتزايدة للشباب. كما لم تنجح الأنظمة في خلق نماذج تنموية جديدة قادرة على خلق المزيد من الفرص والتوزيع الأكثر عدلاً للثروة”. وأورد، كذلك، أنه على الرغم من المشاريع الكبيرة و”الرؤى” التي حددت بها عدة بلدان مُهل مؤقتة لإصلاح اقتصاداتها – بما في ذلك الوعود بالقطع مع النظام الريعي والاعتماد على الهيدروكربونات – إلا أن النتائج المستمدة من سياساتها لاتزال بعيدة كل البعد عن إحداث تغيير حقيقي في مسارها”. وبخصوص المغرب حذر التقرير من غياب الفرص والمشكلات الاجتماعية وعدم الثقة في النظام، وهي كلها عوامل تغذي المظاهرات والانتفاضات الصغيرة محليا”، مبينا أن هذا الاحتقان الاجتماعي أدى إلى الدعوة إلى “حملة المقاطعة ضد المصالح الاقتصادية لقطاعات مرتبطة بالسلطة”، قبل أن يؤكد أن قائلا: “لا يبدو أن هذه الديناميكيات ستخمد سنة 2019”. كما يرى أن انسداد الآفاق في وجه الشباب وقمع حراك الريف وإعادة العمل بنظام التجنيد الإجباري، كلها عناصر تدفع الشاب إلى الهجرة السرية. الجزائر وأقر التقرير بأن سنة 2019 ستكون حاسمة للغاية في الجزائر مع الانتخابات الرئاسية في أبريل المقبل. وأضاف أن الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة المرشح لولاية خامسة، يغيب عن الحياة العامة منذ 2013، كما أنه “غير قادر على قيادة الحملة الانتخابية، ورغم ذلك طلبت منه العديد من الشخصيات النظامية الاستمرار في منصبه”. هذا الاصطفاف حول بوتفليقة يرجعه التقرير إلى كون “هذا الوضع غير العادي يعكس، أيضا، عدم قدرة مختلف مراكز الحكم على التوافق حول مرشحين لشغل منصب رئيس البلد”. تونس أما تونس، فيرى التقرير أن نظامها الديمقراطي الشاب يواجه اختبارا حقيقيا سنة 2019 مع تنظيم الانتخابات الرئاسية والتشريعية في نهاية السنة. وأضاف أن البلد يوجد في أزمة بسبب عدم الوفاء بالوعود الاقتصادية التي تم الإعلان عنها بعد الثورة ضد الرئيس المخلوع زين العابدين بنعلي، وبسبب الخلل في النظام السياسي الذي يرأسه القايد الباجي السبسي، وبسبب تنامي الفساد وتزايد التدخل الخارجي من الجهات الفاعلة الإقليمية مثل مصر وتركيا وبعض دول الخليج العربي. كما دعا الاتحاد الأوروبي إلى الاهتمام بتونس ودعمها لتجنب الخروج عن السكة لأنها التجربة الديمقراطية الوحيدة التي خرجت من رحم اليقظة العربية سنة 2011.
ليبيا يعتقد التقرير أن استمرار النزاع المسلح بين الأشقاء لا يترك هامشا للحلول السياسة، إذ إن المليشيات المسلحة تعرقل أي أجندة تفاوضية، كما أن اقتصاد الحرب ولد دوائر من الصعب كسرها، فضلا عن التنافس بين الفاعلين الدوليين، بما في ذلك الأوروبيين، لإيجاد موطئ نفوذ في ليبيا مما يعرقل جهود الأممالمتحدة لإيجاد حل يرضي جميع أطراف النزاع. الشرق الأوسط وفي ما يتعلق بالشرق الأوسط، يرجح التقرير أن “يستمر التقارب بين إسرائيل وبعض ملكيات البيترودولار العربية”. ومن المتوقع، كذلك، “أن يبقى مجلس التعاون الخليجي مشلولا بسبب الحصار المفروض على قطر من قبل ثلاثة من جيرانه (المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين)، على الرغم من التكلفة التي يتكبدها الجميع، فضلاً عن انعدام الثقة لدى بعض من أعضائه (عمان والكويت) تجاه خطط الهيمنة السعودية. في المقابل، يعتقد الثلاثون باحثا الذين ساهموا في التقرير أن الحرب على اليمن، والتي تسببت في أكبر أزمة إنسانية في العالم في السنوات الأخيرة، يمكن أن تضع أوزارها سنة 2019، إذا نجحت الضغوط الدولية في وقف القصف وإنجاح مفاوضات السلام.