صك اتهام ثقيل وجّهه قاضي التحقيق بغرفة جرائم الأموال باستئنافية مراكش، مؤخرا، لخمسة مشتبه بهم في سرقة أكثر من 260 هاتفا ذكيا من شعبة المحجوزات بابتدائية ابن جرير، فقد قرّر متابعة ثلاثة موظفين رسميين بالابتدائية نفسها، في حالة سراح، بتهمتي “اختلاس منقولات موضوعة تحت يد موظف عمومي بمقتضى وظيفته، وتبديد منقولات أؤتمن عليها بصفته موظفا عموميا، وذلك بسوء نية وبقصد الإضرار”، المنصوص عليهما وعلى عقوبتهما في المادتين 241 و242 من القانوني الجنائي، ومتابعة حارسي أمن خاص، في حالة اعتقال، بتهمتي “إخفاء أشياء متحصلة من جناية”، المنصوص عليها وعلى عقوبتها في الفصلين 571 و572 من القانون الجنائي، محيلا إيّاهم على المحاكمة أمام غرفة الجنايات الابتدائية باستئنافية مراكش. إصدار قاضي التحقيق، يوسف الزيتوني، للأمر بالإحالة على المحاكمة جاء إثر انتهائه من التحقيق الإعدادي، الذي أجراه بناءً على ملتمس من الوكيل العام، الذي كان طعن أمام الغرفة الجنحية بالاستئنافية نفسها في قرار قاضي التحقيق، بإخلاء سبيل الموظفين الرسميين والاكتفاء بمتابعتهم في حالة سراح، خاصة بالنسبة لأحد الموظفين الثلاثة، الذين تعاقبوا على مسؤولية الإشراف على قسم المحجوزات، خلال السنوات الثلاث الأخيرة. واستنادا إلى مصدر مطلع، فقد تفجرت القضية على إثر طلب تقدم به شخص لدى ابتدائية ابن جرير، من أجل تنفيذ حكم قضائي يقضي باسترجاعه لهاتفه الذكي، من نوع “آيفون إس بلوس”، الذي كان محجوزا منه في إطار ملف قضائي، قبل حوالي ثلاث سنوات، غير أنه شعَر بأن طلبه ظل يُواجه بالتسويف، رغم أنه ذيّله بموافقة النيابة العامة، وأدلى بما يفيد بأن الحكم نهائي، قبل أن يفاجأ بأن هاتفه “اختفى” في ظروف غامضة من قسم المحجوزات، وتتحول المماطلة إلى محاولة استرضائه، واقتراح اقتناء “سمارتفون” آخر له بنفس نوعية هاتفه “المفقود”. لم يقبل الشخص المذكور بالعرض المقترح عليه، وكاد يفقد صبره من شدة الضغط عليه، قبل أن يكشف للموظف المسؤول عن قسم المحجوزات بأن السرّ الكامن وراء رفضه، ليس راجعا للقيمة المالية للهاتف النقال، وإنما لشعوره بأن سنوات من تحصيله الجامعي باتت مهددة بأن تذهب سُدًى، موضحا له بأن ذاكرة هاتفه المحجوز كانت تحوي بحثه في سلك الماجستير، ليجد موظف المحجوزات نفسه مضطرا إلى توجيه كتابٍ إلى رئيس كتابة الضبط بالمحكمة نفسها، باعتباره رئيسه المباشر، وبحكم أن المصلحة المذكورة هي الجهة التي تُترك المحجوزات في عهدتها، غير أن الكتاب لم يقتصر فقط على الطلب الذي استعصى تنفيذه، بل حمل مفاجأة من عيار ثقيل، مفادها بأن لائحة الهواتف “المفقودة” تشمل 261 هاتفا ذكيا إضافيا، لم يعد يظهر لها أثر في مكتب المحجوزات بالطابق تحت الأرضي للمحكمة. لم ينتظر رئيس كتابة الضبط طويلا، فقد أشّر على الرسالة الواردة عليه وأحالها على وكيل الملك بابن جرير، الذي أحالها، من جهته، على الوكيل العام بمراكش، باعتباره ممثلا للنيابة العامة القضائية المختصة نوعيا. أياما قليلة بعد ذلك، سيعهد الوكيل العام بإنجاز البحث التمهيدي للفرقة الجهوية للشرطة القضائية بمراكش، التي حلّ ضباطها بعاصمة الرحامنة مستهلين تحرياتهم الأمنية بالاستماع إلى الطالب المشتكي، ولثلاثة موظفين تعاقبوا على الإشراف على قسم المحجوزات، ولرئيس كتابة الضبط، قبل أن يتقرّر إجراء خبرة تقنية بمختبر الشرطة العلمية بالدار البيضاء، لتحديد أماكن الهواتف المسروقة، بالاعتماد على أرقامها ونوعيتها المشار إليها في محاضر الحجز. كما قامت الضابطة القضائية بمعاينة قسم المحجوزات، لتقف على ما وصفه مصدرنا ب “اختلالات تشوب تدبيره”، إذ ينعدم فيه أي فصل بين المحجوزات على أساس التمييز بين “العادية” و”الثمينة” منها، وفق ما تنص عليه المقتضيات القانونية، التي تحدد ثلاث طرق للتصرف في هذه المحجوزات، إما بإتلافها، كالخمور والمخدرات، أو إرجاعها لأصحابها بناءً على أحكام قضائية، أو مصادرتها لفائدة الأملاك المخزنية. وتستمر المفاجآت في هذا الملف، فبعد أن حددت الخبرة أماكن تواجد بعض الأشخاص الذين يحوزون الهواتف، تم الاستماع إليهم ليصرّح بعضهم بأنهم اقتنوها من ثلاث حراس للأمن خاص يعملون بالمحكمة نفسها، أحدهم لازال في حالة فرار، فيما وضع الأمن الاثنين الآخرين تحت الحراسة النظرية، وتمّ تقديمهما، في حالة اعتقال، أمام النيابة العامة، التي أحالتهما على قاضي التحقيق، الذي أبقى عليهما رهن الاعتقال الاحتياطي، بسجن “الأوداية”، على ذمة التحقيق الإعدادي. كما أوقف الأمن موظفا متقاعدا كان يشغل، في وقت سابق، مهمة الإشراف على المحجوزات، بعد أن صرّح أحد الأشخاص الذين ضبط بحوزته هاتف مسروق بأنه اقتناه من لدن ابن الموظف، الذي أجريت له بدوره مسطرة التقديم، في حالة اعتقال، قبل أن يُخلي قاضي التحقيق سبيله إلى حين مثوله أمامه مجددا لاستنطاقه تفصيليا، فيما أُجري التقديم، في حالة سراح، لموظفين اثنين، توليا المهمة نفسها، خلال أوقات مختلفة، أحدهما اتهمه أحد الحارسين الموقوفين بأنه هو من كان يسلمه مفتاح مكتب المحجوزات ويطلب منه بيعها واقتسام المبالغ بينهما، كما أثير، خلال البحث التمهيدي، اسم موظف رابع أشرف بدوره على المكتب عينه، وهو الموظف المعتقل حاليا في ملف آخر يتابع فيه ب”تزوير أحكام قضائية”.