عكست قضية حجاب آمنة ماء العينين، القيادية في حزب العدالة والتنمية، حرجا كبيرا داخل هذا الحزب ذي المرجعية الإسلامية، منذ أن انتشرت الصور المنسوبة إليها، وهي دون حجاب في العاصمة الفرنسية باريس. وعدا الإدانة الجماعية لهذه الطريقة في ملاحقة السياسيين وتتبع أوضاعهم الشخصية، فإن «البيجيدي» ساده انقسام حاد حول شكل معالجة هذه المسألة. في هذا الحوار، يُعطي بلال التليدي، عضو المجلس الوطني للحزب رأيه في مسألة الحجاب. كيف قرأت موقف حزب العدالة والتنمية من قضية الصور المنسوبة إلى آمنة ماء العينين؟ من الناحية الرسمية لم أطلع على أي بلاغ أو بيان يمكن أن نعتبره موقفا للحزب من قضية الأستاذة ماء العينين. لكن كل ما ورد في الموضوع، هو تصريح الأمين العام للحزب في المجلس الوطني، والذي لم يتحدث في الموضوع بشكل مباشر، لكن فُهم منه أنها هي المقصودة بالعبارة، وإذا كانت تلك العبارة موجهة بالفعل للرد على آمنة ماء العينين، فمعنى ذلك أن الأمين العام يعتبر أن نزع الحجاب هو مخالف للمرجعية، ومن قام بذلك عليه أن يبحث عن حزب آخر. وفي هذا الصدد، يمكن اعتبار هذا الموقف قد خالف كل الاجتهادات التي طورها الحزب بخصوص المرجعية، وكل التدقيقات التي أدخلت على الهوية السياسية للحزب، وعلاقة الدعوي بالسياسي، وأنه حزب سياسي وليس حزبا دينيا. الذي أعلمه من تفاصيل من خلال وثائق الحزب، أن قضية “الزي” لا يمكن أن تنسب إلى قضية المرجعية، لأن الحزب هو حزب سياسي وليس حزبا دينيا، وقضية الحجاب لا تدخل في مشمول هذه المرجعية. أما فيما يخص مرجعية حزب العدالة والتنمية، فقد نصت على الاستقامة بمفهومها السياسي وليس الاستقامة بمفهومها الديني. أما ما هو ديني وتعبدي وله ارتباط بجانب اللباس والدين يدخل في مرجعية حركة التوحيد والإصلاح، لأن الحجاب لديها مرتبط بالعفة. أما بخصوص حزب العدالة والتنمية، فإن قضية اللباس لا يمكن أن تصبح لها علاقة بالمرجعية وإلا سيصبح الحزب حزبا مغلقا، لا يمكن أن تدخل فيه عضوات غير محجبات. من خلال جوابك، هل يمكن القول إنك توافق عبدالإله بنكيران في موقفه من قضية ماء العينين؟ ما طرحه الأستاذ بنكيران هو جزء من التطور الفكري الذي حدث له في هذا الشأن، وهو من صميم التطور في الفضاء الخاص. وبنكيران يعتبر أن حزب المصباح ليس حزبا خاصا بالمحجبات، وهو كان قد بحث عن مرشحات غير محجبات حتى لا يعتبر الحزب طائفيا. ومن خلال تصريح العثماني يمكن استنتاج أن الأمين العام يحاول إرضاء حركة التوحيد والإصلاح لمخالفته للتطور في تقديم مفهوم المرجعية. انطلاقا من حادثة آمنة ماء العينين، هل يمكن اعتبار أن الإسلاميين في المغرب يذهبون في اتجاه الإقرار بالحريات الفردية والانفتاح أكثر عليها؟ أعتقد أن حزب العدالة والتنمية هو حزب مفتوح وتتضمن تركيبته السوسيولوجية عددا من المكونات. هناك مكونات جاءت من حركة التوحيد والإصلاح ولازالت منتمية إلى هذه الحركة. وهذا المكون سيبقى دائما لا يكن أي اعتبار لما يدخل في مجال الحرية الفردية، باعتبار أن سلوك الفرد يجب أن يحترم المرجعية الدينية. ومن ثمة، فأي انزياح عن هذه المرجعية هو مرفوض، سواء أكان داخل حزب سياسي أو جمعية مدنية. وهناك مكونات أخرى لم تخرج من جلباب الحركة. وهذه المكونات تعتبر أن انتماءها للحزب يفرض عليها قدرا من الانضباط لمرجعيته السياسية، ويقصد هنا بالمرجعية الاستقامة السياسية، لكنها تستحضر تاريخه وانتسابه إلى الحركة الإسلامية وتحاول أن تحتاط في هذه القضية. لكن، دعيني أقول لك إن التطور بخصوص موضوع الحرية بالنسبة إلى حزب العدالة والتنمية سيكون دائما مشوبا بالاحتياط والحذر، لأن الارتقاء التنظيمي والسياسي داخل هذا الحزب لازال خاضعا للمكونات التي لا تفصل بين التصرف الفردي في الفضاء العام أو الخاص، وبالتالي، يعتبر الجميع أن ما يمكن أن يمارسه الفرد كالحرية الفردية يمكن أن يعتبر في تجمعاته الانتخابية موجبا للجرح والإسقاط وسيمنع من الارتقاء التنظيمي والانتخابي. لذلك سيبقى هناك التباس كبير في موضوع الحريات الفردية، ومرده التداخل بين الديني والسياسي لتحديد المرجعية. بخصوص هذا الموضوع، هناك من يقول إن الحزب يعيش ازدواجية وأنه يسير بوجهين، وجه محافظ ووجه حداثي. ما رأيك؟ الحديث عن الوجه الحداثي داخل حزب المصباح أمر واضح وبيّن ومتسارع. أحيانا نتحدث عن الحداثة وعن الديمقراطية الداخلية واستعمال التكنولوجيا داخل التنظيم، وعن السلاسة في الارتقاء…. هم يتحدثون عن التحديث في الأفكار.. هذا جزء من الحداثة لأن التطور الذي حصل من الموقف من الديمقراطية وحسم القرارات بالديمقراطية، هذا كله مرتبط بالمنظومة الحداثية التي تبناها الحزب بشكل كبير، وبالإضافة إلى محاولته الفصل بين الديني والسياسي وتمكين المرأة من المواقع. أما قضية المحافظة، فترتبط بقضية الأسرة والعلاقة بين الجنسين والموقف من بين القضايا التي لها علاقة بالنصوص الدينية، والتي يتشبث الحزب فيها بالنص الشرعي. لكن هناك طرحا آخر هو الذي يحدد، هل هو حزب محافظ أم حداثي. فهو موضوع التقليد في مفهومه السلطوي، لأن التقليد ليس فقط، في العلاقة بين النصوص والموروث والتراث، لكن له علاقة بالسلطة التي تضبطه. يعني هل يتماهى مع التقليد أو يحاول تفكيك بنيته السلطوية. وهنا حزب العدالة والتنمية اختار التعايش مع الملكية التنفيذية وقضية الديمقراطية ومحاربة الفساد، لكن هذا دائما يشير إلى اتجاه الحزب للمحافظة والتشبث بالتقليد. في نازلة آمنة ماء العينين، هناك عدد من الأعضاء الذين دافعوا عنها من داخل الحزب واعتبروا أن المنسوب إليها يدخل ضمن الحرية الفردية، في المقابل هناك أشخاص هاجموها.. هل يمكن الحديث عن انقسام في التصورات داخل الحزب؟ الأمر يتعلق بالتركيبة السوسيولوجية للحزب. فالذين ينتمون إلى حركة التوحيد والإصلاح لا يقيمون أي تميز بين الحزب والحركة. فهم يتصورون بأن الحزب هو ذلك الذي أسسته حركة التوحيد والإصلاح ولايزال تحت رعايتها، فهؤلاء من الطبيعي أن يعتبروا أن أي انزياح ربت عليه الحركة أبناءها سيكون موقفهم سلبيا. هل هذه الفئة هي الأغلبية في الحزب اليوم؟ لا أستطيع التحدث بلغة الأرقام لأن الذين أبدوا امتعاضهم هم أفراد، والذين أبدوا تعاطفهم هم أفراد أيضا. الذين اعتبروا أن موقف ماء العينين خاص، فهؤلاء لهم موقف من الشكل السلطوي الذي يقاوم به الأشخاص والمناضلون، فهؤلاء يطرحون تساؤلا بأي حق يلاحق هذا المناضل وذاك، وتنشر صوره الخاصة لكي يصفوا الحساب معه، هؤلاء هذا هو الجانب الذي التفتوا إليه، أما الآخرون فيقولون إن هناك حالة انتشار سلطوي واستعمال لأساليب قذرة، لكن نحن كأبناء حركة إسلامية لا يجب أن نضع أنفسنا في تلك المواقف، ومن وضع نفسه في ذلك الموقف، فليتحمل مسؤوليته. يجمع عدد من الفاعلين على أن الهدف من حملة التشهير بماء العينين هو ضرب الحزب واستهداف لشخصها بسبب مواقفها. هل توافق على هذا الطرح؟ سبق وأن قلت إن هناك حملة ضد حزب العدالة والتنمية. هذه الحملة للأسف، تحاول قص أطرافه من خلال ضرب سمعة بعض رموزه، وهذا يرجع بالأساس إلى أن النسق السياسي في المغرب يعيش فرغا قاتلا لا وجود لنخب منافسة ولا لأحزاب سياسية قوية يعول عليها للتطلع لوجود سياسي معقول. اليوم، حزب العدالة والتنمية ورغم الضربة التي تلقاها بعزل الأستاذ عبدالإله بنكيران، ورغم كل الحنق الشعبي الذي استهدف تجربته من خلال أخطاء قيادته، لكن يمكن القول إن كل هذه الأمور لن تكون كافية لإزاحته من موقع الريادة. اليوم، لم يعد هناك من خيار إلا تزوير الانتخابات لإبعاد حزب المصباح. وبالرغم من أن المؤشرات تقول إن نسبة المشاركة في الانتخابات ستنخفض بنسبة كبيرة وبشكل مخيف، لكن مع ذلك سيبقى حزب المصباح هو المتصدر للانتخابات، لأنه ليس هناك أي حزب قام بعمل يمكن أن يأخذ به الريادة من هذا الحزب. ومن جهة أخرى، فهذا الحزب وضع طهارته كشرط فوق طهارة الأفراد ويمكنه التخلي عن رموزه من أجل مبادئ الحزب، لذلك فمن الصعب ضربه بهذا الشكل. هناك اليوم، لبس في الحياة الخاصة للفاعلين في الشأن العام، هل ترى أن الفاعل في الشأن العام لديه الحق في عيش حياته الخاصة؟ القضية يصعب قراءتها في هذا البعد التصنيفي التجريدي، لأن الإشكال مركب ومعقد، فإذا كنا نفترض أن كل شخص له فضاؤه الخاص فيجب أن تُحمى هذه المسافة وألا يتم استعمالها لضربه، فهناك من يقول مادام ذلك المسؤول خرج للفضاء العام لممارسة حياته الخاصة، فحياته الخاصة جزء من الحياة العامة. لكن الجانب المثير في هذه القضية، هي القضايا المتعلقة بحزب العدالة والتنمية، فالمعروف أن هذا الحزب جاء من المرجعية الإسلامية وإلى وقت قريب كان يتبناها، فهذا ما يزيد من حرجه وجعله مادة دسمة للذين يريدون الاشتغال على الازدواجية والنفاق المجتمعي أو على التمايز بين الانضباط للمرجعية والانزياح عنها ويريدون خلق جدل داخل التنظيم يقيس إلى أي حد تنسجم أقوال المناضلين فيه مع أفعالهم، كأن هناك جهات ما تريد منه أن يغير جلدته بخصوص الحرية الفردية ويتجه بشكل متسارع نحو هذا الاتجاه.