تسبب ظهور القيادية في حزب العدالة والتنمية، آمنة ماء العينين بدون حجاب، في اندلاع نقاش فقهي حول شرعية الحجاب، هل هو فرض شرعي أم حرية فردية؟ نقاش قفز إلى واجهة الأحداث بين قيادات إسلامية ودعوية وأخرى علمية تتنازع فيما بينها آراء ورؤى مختلفة حول حكم وشرعية غطاء الرأس في الإسلام، وتتساءل هل كان لأمينة ماء العينين الحق في نزع حجابها ثم ارتدائه من جديد، أم ليس لها الحق في ذلك من منظور شرعي وليس قانوني، فالكثير اعترضوا عليها نزع حجابها كامحمد الهلالي عضو المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح، الذي يشدد على أن اللباس الشرعي “الحجاب” شعيرة من شعائر الله والالتزام به قربى إليه سبحانه يثاب ويؤجر على الالتزام به بإرادة وحرية ويؤثم على تركه جحودا وعصيانا. وكونه فريضة يشهد عليه قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا”. بالنظر إلى هذا النقاش الفقهي والعلمي الذي أثير عن فرضية الحجاب من عدمها فهو ليس نقاشا فقهيا وليد اليوم، بل هو نقاش ممتد لقرون في المجتمع الإسلامي، أثير بين من يعتقد بأنه عادة أو بين من يراه فيه فريضة شرعية. “أخبار اليوم” تحاول أن تميط اللثام عن خفايا هذا النقاش الفقهي، لتجيب عن السؤال، هل الحجاب فرض من الله أم اختيار من الإنسان. الحجاب ليس حكما مستحبا بالنسبة إلى عبد الوهاب رفيقي أبو حفص، الباحث في العلوم الإسلامية، فإن الطرح التقليدي يرى بأن الحجاب فريضة، انطلاقا من الآيات التي وردت في هذا الباب، وهو الطرح الذي تبنته الحركات الإسلامية في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، لكن بعض الكتابات الحديثة حاولت أن تنقض هذا الطرح من خلال الحديث عن الأسباب والعلة التي من أجلها وردت فرضية الحجاب، ومنه أن الحكم الشرعي الذي أثير حول الحجاب إنما فرض من أجل التفريق بين الحرة والأمة، ويستدلون على ذلك بأن الفقهاء متفقون بأن عورة الأمة هي من السرة إلى الركبة، وأن الحجاب لو كان فريضة كالصلاة، لكان مفروضا على الجميع دون استثناء، ودون تمييز بين الحرائر والإماء. في مقابل هذا الرأي، يرفض الشيخ حسن الكتاني، أن تكون أحكام الله الشرعية التي أمر فيها المرأة بالحجاب أحكاما مستحبة، لأن آيات وسورا قرآنية كثيرة من كتاب الله عزو جل، كما في ورد في سورتي الأحزاب والنور، أكد الحق سبحانه وتعالى على وجوب أن تحتجب المرأة من الرجال وألا تظهر زينتها إليهم، وأمر الله عز وجل نبيه بأن يأمر نساءه ونساء المؤمنين أن يذنين عليهم من جلابيبهن ذلك أدنى ألا يعرفن فلا يؤذين، والنصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم في فرضية الحجاب كثيرة أيضا، يؤكد الكتاني، ومن تم فإن الحجاب من الأمور التي استقر عليها رأي المسلمين جيلا بعد جيل، إلى أن احتلت بلاد المسلمين من طرف الأوربيين، وبدأ المسلمون يقلدونهم في ما يلبسونه وفي طريقة عيشهم. وفقا لهذا الطرح، فعضو رابطة علماء المغرب العربي، يرى بأن المجتمعات الإسلامية ليست إسلامية محضة، كما أنها ليست مجتمعات غربية محضة، بمعنى أن قوانينها وتشريعاتها لا تلزم أحدا، إلا أن الوازع الديني هو المحدد، فإذا كانت المرأة مقرة بنزعها للحجاب فهي عاصية فقط، ولا يمكن تكفيرها بسبب خلع الحجاب، وهي بهذا الفعل ارتكبت كبيرة من الكبائر، وهذا ليس خاصا بمن نزعت الحجاب، فالأمر يتعلق بكل من بلغت ووجب عليها الحجاب ولم تحتجب، فالمرأة المسلمة وجب عليها الحجاب ابتداء منذ بلوغها.
لا يمكن إرغام المرأة على ارتداء الحجاب أبو حفص رفض الخوض في المرتكزات الفقهية للحكم الشرعي الذي فرض على أساسه الحجاب، فمسألة الحجاب يؤطرها الحكم التقليدي الذي دأب عليه الفقهاء، وروجت له الحركات الإسلامية، وهو معروف وكتبت فيه كتب ومؤلفات، لكن في العقود المتأخرة ظهر النقاش حول هذا الحكم، وبالموازاة معه ظهرت كتابات في العقود الأخيرة تنقض هذا الطرح، وحتى من مشايخ ينتمون إلى مؤسسات دينية كبرى كانت لهم آراء مخالفة للرأي الذي ساد لقرون طويلة حول الحجاب، مما يعني، يؤكد أبو حفص، أن قضية الحجاب في محل البحث ومن أراد أن يكون له رأي في الموضوع فعليه أن يعود إلى الكتابات التي كتبت في هذا الموضوع، بين من يرى أن الحجاب فرض وضرورة شرعية، وبين من يرى أنه عادة مرتبطة بالأعراف التي كانت في ذلك الوقت، أو أنه فقط شرع من أجل التمييز بين الحرائر والإماء، وهذا بحث فقهي يرجع له في مضانه وفي مختلف الكتابات التي كتبت في هذا الموضوع. لكن رفيقي أبو حفص، يشدد على أن الحجاب حرية فردية سواء كان فرضا مشروعا أو لم يكن، وحتى على القول إنه فرض لازم، وبأن المرأة المسلمة يجب عليها الامتثال لفريضة الحجاب، فهذا لا يتناقض مع كونه حرية فردية، لأن الدين بجملته هو حرية فردية والناس أحرار في أن يؤمنوا أو يكفروا، في أن يعتنقوا الدين الذي يشاؤون، ولا إكراه في الدين، مصداقا لقوله تعالى “آنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين”، فإذا كان الدين لا إكراه فيه ومبني على الاقتناع والاختيار الشخصي فكيف بجزئية من جزئياته التي هي الحجاب. فكون أن الحجاب يقول أبو حفص حرية فردية، فهذا أمر ينبغي أن يكون محسوما فيه، ولا يمكننا أن نسمح لأي جهة ما سواء كانت أفرادا أو مجتمعا أو دولة، إرغام المرأة على اتخاذ لباس معين أو ارتداء أو الالتزام بلباس معين، ما لم يكن ذلك عن اختيار وعن اقتناع منها، فالحجاب حرية فردية بغض النظر عن الحكم الشرعي. بالنسبة للشيخ محمد الفيزازي، فموقفه على العكس من هذا، فنزع الحجاب أو اعتباره حرية فردية قول صادر من شخص ليست له معرفة بالقرآن ولا بالسنة النبوية أو تاريخ المسلمين على مدى القرون، فالقرآن الكريم حسم الحكم الشرعي عندما قال الله عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم ” قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلالبيبهن، ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما”، فالحجاب فريضة شرعية وضرورة اجتماعية، والقول إن المرأة المسلمة حرة لها أن تنزع الحجاب ولها أن ترتديه وتلبسه بالشكل الذي تريد وفي الشكل الذي تريد وأن تخلعه متى تشاء، فهذا كلام العلمانيين وليس كلام أهل القرآن، لكن هذا لا يعني عند الفيزازي بأن المتبرجة أو السافرة، امرأة كافرة أو منافقة، أو امرأة لا دين لها، لا بالعكس، نحن نقول إن هذه المرأة أخلت بواجب من واجبات الدين وبحكم من أحكام الشريعة، وبأمر من أوامر الله ورسوله، وهذا الإخلال لا يخرجها من دائرة الإسلام، بمعنى أن المرأة غير المحجبة إذا ماتت تغسل وتكفن ويصلى عليها وتدفن في مقابر المسلمين ويستغفر لها وهي ليست كافرة، بل هي مخلة بحكم شرعي أنزله الله وألح عليه النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث متعددة.
المرجعية والحجاب يعترض الشيخ الفيزازي على قول بعض الإسلاميين بأن الحجاب حرية شخصية، فوفق المنظور العلماني والحداثي والقانوني هو حرية شخصية بكل تأكيد. فالذين يتحدثون عن الحرية الشخصية، يتحدثون عنها بمرجعية غير إسلامية، يقول الفيزازي “نحن لسنا أحرارا بين يدي الله ألا نصلي، لا حرية في ترك الصلاة والإيمان به، أما بين يدي الإنسان من الممكن أن نكون أحرارا مصداقا لقول الله تعالى “قل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”، إلا أن الله تعالى قال أيضا و”لا يرضى لعباده الكفر”. الحديث عن المرجعية الإسلامية يستدعي فهم معانيها التي تقول إنها هي المبادئ والعلم والتشريع الذي يرجع إليه ليهتدي به الناس في حياتهم، إذا اختلطت عليهم الأمور، يرجعون إلى القرآن والسنة وتاريخ الأمة لينهلوا منه التعاليم التي يسيرون بها في طريقهم، فلا يكفي يقول الفيزازي: “الإدعاء بأن مرجعيتي إسلامية وعندما أتحدث فإنني أتحدث بلسان علماني قح”، فنزع الحجاب بالنسبة إليه مخالفة شرعية لأنه يتعلق بأمر معلوم من الدين بالضرورة، و”نحن لا نتحدث في أمر اجتهادي، اختلف فيه الفقهاء أو العلماء، إن ارتداء الحجاب طاعة ونزعه معصية”.