أثارالمعاش الاستثنائي، الذي منحه الملك محمد السادس إلى رئيس الحكومة السابق وزعيم حزب العدالة والتنمية، عبدالإله بنكيران، الجدل مجددا حول المعاشات التي يحصل عليها الوزراء والسياسيون والشخصيات العمومية، بين من ينظر إليها باعتبارها “ثمنا ضروريا” لتحصين الشخصيات العمومية وصون كرامتها، وبين من يرى فيها “ريعا” تستعمله السلطة في شراء النخب وتدجينها. بنكيران، الذي سبق وأن وصف “الريع” بأنه أسلوب في الحكم، كشف بنفسه عن حصوله على معاش استثنائي، تبين لاحقا أنه حصل عليه بقرار ملكي، وفي الوقت الذي سكت بنكيران عن قيمة هذا المعاش، علمت “أخبار اليوم” من مصادر مطلعة أن قيمة المعاش تبلغ 7 ملايين سنتيم شهريا، وهو المبلغ نفسه، الذي منحه الملك لوزراء أولين سابقين، خصوصا عبدالرحمان اليوسفي ثم عباس الفاسي، بينما سبق وأن حصل إدريس جطو على قطعة أرضية بمراكش، هبة من الملك بعد انتهاء ولايته على رأس الحكومة (2002-2007). وكان بنكيران قد صرّح أكثر من مرة للإعلام، عقب إعفائه من رئاسة الحكومة، بأنه يعيش على تعويض نهاية الخدمة، ولم يحصل على أي معاش وزاري ولن يتقدم لطلبه. إلى أن فاجأ الرأي الوطني قبل أيام في خروج إعلامي عقب دورة المجلس الوطني لحزبه، بأنه حصل على معاش استثنائي دون ذكر أي تفاصيل، موجها الشكر لمن كان سببا في ذلك، وقال إنه حصل عليه “بعدما توقفت العجلة” لديه، في إشارة إلى أنه لا يملك مصدر دخل قار للعيش. ويعتبر المعاش الاستثنائي ثاني منحة ملكية يحصل عليها بنكيران منذ إعفائه، إذ سبق وأن أهدى له الملك سيارة “ميرسديس” التي يستعملها حتى الآن في تحركاته، كما لازال بيته في حي الليمون وسط الرباط محروسا من قبل عناصر الشرطة والقوات المساعدة. مصدر مطلع في وزارة المالية قال ل”أخبار اليوم” إنه ينبغي التمييز في هذا الصدد بين المعاش الاستثنائي ومعاش الوزراء؛ وأوضح أن “المعاش الاستثنائي اختصاص حصري للملك، يمنحه لمن يشاء، وقت يشاء، بناء على التقديرات الخاصة به، وبالتالي، فهو لا يخضع لأي مسطرة قانونية”، مؤكدا أن “قيمة المعاشات الاستثنائية يُصادق عليها سنويا في قانون المالية أمام البرلمان في باب التحملات المشتركة”. وأكد المصدر أن “الملك هو من يقدر قيمة المبلغ المالي، الذي قد يمنحه لشخصيات سياسية أو فنية أو رياضية، وقد يمنحه لأرامل وأيتام هذه الشخصيات”. واعتبر المصدر أن “منطق الدولة يقتضي وجود معاشات استثنائية للشخصيات التي أسدت خدمات معينة للدولة، لذلك، فهو معمول به في أكثر من بلد”. ومن الشخصيات التي حصلت على معاشات استثنائية بقرار ملكي، فنانون مثل أعضاء مجموعة “ناس الغيوان”، ورياضيون، وأرامل وزراء مثل أرملة الأمين العام السابق للحكومة عبدالصادق ربيع، ورؤساء أحزاب سياسية مثل المحجوبي أحرضان، ووزراء سابقون مثل وزير الخارجية السابق، محمد بنعيسى، وأرملتا وزير الدولة السابق، عبدالله بها، علاوة على شخصيات عسكرية وأمنية غير معروفة العدد. أما معاش الوزراء الذين أنهوا مهامهم الوزارية والذين أحيلوا على التقاعد، يقول المصدر، فهو منظم بالقانون، ولا يُمنح للوزير إلا إذا طلبه شخصيا، ويقوم على أساس استكمال دخل شهري للوزير لكي يصل إلى حدود 39 ألف درهم. وللحصول عليه، يقدم الوزير المعني جميع الوثائق التي تؤكد دخله الشهري إلى إدارة الضرائب، وبعد تقييم تجريه هذه الإدارة لمجموع المداخيل السنوية يتم إصدار القرار باستحقاق الوزير للمعاش من عدمه، وفي حالة كان القرار إيجابيا يتم استكمال المبلغ الناقص عن 39 ألف درهم. وأكد المصدر أن هناك وزراء طلبوا فعلا الحصول على معاش، أي استكمال ما ينقصهم شهريا لبلوغ 39 ألف درهم، وبالتالي هناك من الوزراء من مارسوا التعليم الجامعي مثلا، حصلوا على تقاعد الأستاذ الجامعي (قد يكون 30 ألف درهم مثلا)، ثم تقدموا للحصول على معاش الوزير، بحيث حصلوا على الفارق وهو 9 آلاف درهم على سبيل المثال. هذا، وكانت معاشات البرلمانيين بدورها قد أثارت جدلا وسط الرأي العام، بمناسبة وصول صندوق التقاعد الخاص بهم إلى حافة الإفلاس. ويكشف الموضوع برمته عن حساسية لدى الرأي العام من حصول السياسيين على معاشات لها علاقة بدورهم السياسي، إذ يعتبرها نوعا من “الريع” و”الزبونية” التي تستعملها السلطة في شراء النخب وتدجينها. ويبدو أن تلك الحساسية نفسها من تبرر الجدل حول المعاش الاستثنائي الذي منحه الملك لبنكيران.