متى تعرفت على توفيق بوعشرين؟ تعرفت على توفيق بوعشرين خلال العديد من المناسبات التي جمعتني به، وكانت في الغالب لقاءات عابرة. خالد الجامعي كان بمثابة نقطة وصل بيننا، ولازلت أذكر أنني زرت يوما، بمعية أحد الأساتذة العراقيين المستقرين في المغرب، مقر جريدة “المساء”، حيث كان توفيق يشتغل بها حينها، إلى جانب علي أنوزلا ورشيد نيني. الأستاذ العراقي كانت له مؤلفات وكان يرغب في نشرها، وحينها صادفت هنالك توفيق بوعشرين، وكان أيضا مجرد لقاء عابر. اللقاء الحقيقي بيني وبينه تم خلال تم تقديم العرض الأولي لفيلم “أيادي خشنة” لمخرجه محمد العسلي في سينما “ميغراما” بالبيضاء. بعد انتهاء العرض كان القطار قد فاتني فعرض علي بوعشرين مرافقته من البيضاء إلى غاية محطة سلا تبريكت. وحينها تبادلنا الحديث بشكل مطول. ما الذي دار بينكما في هذه الرحلة؟ أثناء تبادلنا الحديث تبين لي أن توفيق من مدينة مكناس، فكانت هذه نقطة التقاء بيننا كوني أيضا قضيت جزءا مهما من طفولتي في هذه المدينة، كما كنا نشترك في معرفة عدد من العائلات والشخصيات المقربة فوقع نوع من التقارب بيننا. خلال الطريق كنت أحكي له بعض القصص ونصحني بضرورة توثيقها وكتابتها. بعد هذا اللقاء اتصل بي ذات يوم عبر الهاتف وطلب لقائي وحينها أطلعته على مجموعتي القصصية “محنة الفراغ”. أعجب كثيرا بها وعرض عليّ تخصيص كتابة عمودي في جريدته “أخبار اليوم”، لكن في ذلك الوقت كنت أتعاون مع يومية “المساء” في ترجمة المقالات، وهو ما حال حينها دون ذلك، فقد استحييت من ترك العمل في “المساء” والانتقال إلى أخرى. آخر لقاء جمعني ببوعشرين كان في أحد المقاهي بوسط الرباط، حيث كنت رفقة الصديق عبدالإله منصوري، منتج برنامج المشاء الذي تبثه على الجزيرة. كيف تنظر إلى الحكم الابتدائي الصادر في حقه؟ يكفي الاطلاع على ما قالته المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية حول الموضوع لمعرفة ما جرى. التقارير الحقوقية أكدت أنه تم التعامل بقسوة كبيرة جدا مع بوعشرين. وهناك صورة عامة إذا تمعن فيها الشخص سيصل إلى خلاصة. جريدة “المساء” مثلا، كان يشتغل فيها من كنت أسميهم الفرسان الثلاثة، توفيق بوعشرين وعلي أنوزلا ورشيد نيني، هؤلاء كانوا أقلاما رفيعة المستوى قبل أن يقع ما وقع لرشيد نيني حينما جرى اعتقاله، ثم ما وقع لعلي أنوزلا بغرض إخراسه، والآن توفيق بوعشرين الذي يعتبر قلما جميلا سيالا ومبدعا، وبكل صدق افتتاحياته لم تكن تقرأ وطنيا فحسب، بل عربيا. وكلما تقدم به الزمن كلما كان ينضج أكثر، الشيء الذي سلط عليه الأضواء من كل حدب وصوب، والويل لمن أشارت له الأصابع. لقد أصبح توفيق بوعشرين صوتا مزعجا، فكان ينبغي إخراسه بأي وسيلة. ما حصل لبوعشرين، وقبله لحميد المهدوي، دليل على أن هناك تراجعا في مكتسبات حقوق الإنسان، وعلى أننا عدنا إلى سنوات الجمر والرصاص. بوعشرين مكانه في جريدته وفي بيته، وليس وراء القضبان ويجب أن يعود إلى قرائه..