الرهان الرئاسي لسنة 2019 في بلد هذا السياسي المخضرم، أي الجزائر، وملفات دونالد ترامب، والصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، وملفات سوريا وليبيا وإيران… وزير الخارجية الجزائري السابق، يقدم رؤيته لعالم في منتهى الغليان. لخضر الإبراهيمي يتكلم هنا عن كل هذه الأمور بصراحة، ولا يخفي شيئا عن الأزمات الجارية. وزير خارجية الجزائر ما بين 1991 و1993، يتحدث كذلك – وهذا أمر نادر- عن علاقته بعبدالعزيز بوتفليقة وعن رهان رئاسيات أبريل 2019 في بلده. الوسيط الأممي، ووسيط جامعة الدول العربية السابق في سوريا؛ يعرف، كذلك، عما يتكلم فيما يخص تشنجات واضطرابات الشرق الأوسط. ومن داخل ثلاثة مراكز للبحث المعهد الدولي للبحث حول السلام باستوكهولم (SIPRI)، ومنظمة الريادة العالمية لفريدريك دو كليرك (GLF) و»المنظمة العولمية للشيوخ» (global elders) (GE)؛ التي أسسها نيلسون مونديلا؛ لازال لخضر الإبراهيمي يواصل نظرته الحادة ك»متفائل مهووس بالتفاؤل». أجرى الحوار لجون أفريك: “كريستوف بواسبوفيي” ترجمة: إبراهيم الخشباني لم يسبق للعالم أن بدا في هذه الدرجة من الاضطراب واللاستقرار الذي هو عليه منذ انتخاب دونالد ترامب؛ هل هو رجل خطير؟ لن أجرؤ على قول هذا عن رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية؛ وسوف أكتفي بملاحظة أن رئيس أول قوة عظمى في العالم لا يمكن التنبؤ بما قد يفعله وهو يُقلِق في الحقيقة أصدقاءه أكثر مما يقلق أو يحير أعداءه… أو لنقل أصدقاءه كما أعداءه. على إثر قراره الانسحاب من اليونيسكو، ومن مجلس حقوق الإنسان، ورفض المحكمة الجنائية الدولية، وإيقاف تمويل الأونوروا… هل هناك لدى دونالد ترامب ومستشاره جون بولتون رغبة ممنهجة لتدمير جميع مؤسسات التعددية؟ في الحقيقة؛ هناك رفض كامل للامتثال للقوانين التي تدبر تعددية مقبولة من طرف الأعضاء ال 192 الآخرين في هيئة الأممالمتحدة. قبل ترامب؛ كان هذا يسمى الاستثناء الأمريكي؛ غير أن ترامب يذهب أبعد من ذلك قليلا؛ فالاستثناء لا يتناسب مع هذه المنظمة التي تعتبر أن جميع أعضاء هيئة الأممالمتحدة متساوون. الاستثناء لا يقبل أن تفرض على الولاياتالمتحدةالأمريكية قرارات لم تكن هي قد ساندتها. أما عن بولتون؛ فهو لم يقل بوجوب حل الأممالمتحدة؛ ولكن تقزيمها بعشر طبقات. هل قال هذا فعلا؟ نعم؛ عندما كان ممثلا لبلاده لدى الأممالمتحدة؛ قال: «أود أن ألغي هذه الطوابق العشرٍ» (I would like to takethesetenfloors off)؛ قال هذا الكلام بمجرد وصوله إلى مقر الأممالمتحدة. ففي نظر واشنطن لا يمكن للأمم المتحدة أن تتخذ قرارات لا تعجب الولاياتالمتحدةالأمريكية. بل عليها أن تنفذ ما تطلبه الولاياتالمتحدةالأمريكية. أما عن “الأونوروا” فالأمر مختلف وخاص؛ إنه ليس قرار الولاياتالمتحدةالأمريكية؛ وإنما قرار إسرائيل نفذه الأمريكيون. فمنذ أن تم إنشاء “الأونوروا” وإسرائيل لها رغبة في القضاء نهائيا على فكرة اللاجئين؛ فكرة أن هناك أناسا قد تم طردهم من أرضهم ويمكن أن تكون لهم أية حقوق في فلسطين. ولجعل هذه الفكرة تنقرض تماما من المشهد الدولي؛ يرى الإسرائيليون أنه يجب البدء بجعل المنظمة التي ترعى اللاجئين تنقرض أولا. وأنا أتساءل هل يفهم الأمريكيون جيدا ما الذي يعنيه الأمر. بعد اعتراف الأمريكيين بالقدس عاصمة لإسرائيل؛ هل تعتقدون أن السلام لازال ممكنا بين الإسرائيليين والفلسطينيين؟ هذا لن يكون ممكنا؛ غدا، أو في الشهر المقبل، أو في السنة المقبل؛ فإسرائيل أقوى بكثير جدا؛ بل إنها الأقوى في كل الشرق الأوسط! باقتصادها المزدهر، وبكل تأكيد أقوى جيش في المنطقة وواحد من بين أقوى خمسة جيوش في العالم… ثم إن إسرائيل يحكمها أناس ينتمون إلى اليمين المتطرف لا يرون لماذا سوف يقدمون أي تنازلات. فإذا كان بإمكانك الحصول على كل شيء؛ لماذا تقتسم؟ وفيما يخص اللاجئين الفلسطينيين؛ كان “بنغوريون” يقول: «الكبار سوف يموتون، والصغار سوف ينسون». ولقد مات الكبار، ولكن الصغار لم ينسوا؛ أنظروا إلى هذه البنت الشابة؛ عهد التميمي؛ ذات الستة عشر ربيعا؛ إنها لم تنسَ. في الأخير سوف يقول الفلسطينيون: «في العام المقبل سوف نلتقي في القدس». تماما مثلما كان يقولها اليهود لعدة قرون. إن المحزن في الأمر هو أن أفكار العدل، وحقوق الإنسان، والقوانين الدولية تدوسها إسرائيل بالأقدام ويتجاهلها الأمريكيون، ومعهم باقي العالم؛ وخصوصا الأوروبيون؛ باحتقار. فعندما يدعو الأوروبيون إلى حقوق الإنسان وللشرعية الدولية؛ فإن دعواهم تفتقر إلى المصداقية. هل لا يوجد أي فرق بين واشنطن التي تسعى إلى حل بدولة واحدة، وباريس التي تدعو إلى حل بدولتين؟ نعم؛ ولكن الدعوة إلى شيء مع العلم أنه لن يتحقق… ثم تجاهل حقوق الإنسان مع ذلك. يا إلاهي! والقانون الذي تم التصويت عليه في إسرائيل في شهر يوليوز الماضي… هل سُيسَلِّيكم أن تعلموا أننا كنا مع باراك أوباما، وكوفي عنان، وآخرين مجتمعين لنحتفل بالذكرى المئوية لمانديلا، وبالتالي نحتفل بنهاية ال «أبارتايد»، عندما جاءنا الخبر بإنشاء دولة «أبارتايد» جديدة في إسرائيل؟ هل قرأنا حينها تصريحات تقول: «سوف نقطع العلاقات مع دولة ال«أبارتايد» هذه كما قطعناها مع جنوب إفريقيا»؟ في سنة 1948 كان الوزير الأول لجنوب إفريقيا “مالان” قد وضع في القوانين هذا النظام القائم على أساس العنصرية والتفرقة؛ إنه ال«أبارتايد». وفي يوليوز الأخير أصدر نتانياهو في إسرائيل قانونا يجعل ال«أبارتايد» قانونيا وعموميا. هل تريدون القول بأن هناك «أبارتايد» بين اليهود والعرب الإسرائيليين؟ نعم؛ بكل تأكيد. بل وأوسع من ذلك؛ بين اليهود والآخرين كلهم. هل رأيتم رؤساء دول يجتمعون لينهضوا ضد هذا؟ لقد جعل دونالد ترامب هدفا له إسقاط النظام الإيراني عن طريق تحالف بين إسرائيل والعربية السعودية؛ هل سوف يتوصل إلى هذا؟ الولاياتالمتحدةالأمريكية لديها تحالف استراتيجي مع إسرائيل، ولكن ليس مع العربية السعودية. في مجلس الأمن؛ كلما سمع الأمريكيون كلمة إسرائيل يضعون الفيتو بشكل آلي؛ إنهم حتى لا يسألون عن الأمر موضوع التصويت؛ فقط يقولون “فيتو”! باستثناء في عهد باراك أوباما… أوباما… نعم؛ ولكن مرة واحدة فقط، وفي نهاية ولايته الثانية، في دجنبر 2016. الأمريكيون لهم علاقات متميزة مع السعوديين؛ ولكن ليس أكثر. والسعوديون يتقربون حاليا من إسرائيل على أمل أن يصفي لهم الإسرائيليون والأمريكيون مشكلهم مع إيران. وإيران التي تستمد قوتها من 5 آلاف سنة من التاريخ، ومن ساكنتها التي تبلغ المائة مليون نسمة؛ تؤكد على أنها أمة عظيمة في تلك المنطقة وتقول: «يجب أن نُعامل على أساس من نحن». في سنة 2003 سلم جورج بوش الابن العراقلإيران. وقال الأمريكيون «ها نحن نُخَلِّصكم من عدوكم؛ صدام حسين»، فأجاب الإيرانيون: «شكرا جزيلا». وعندما تمكنوا من العراق بالكامل قالوا بعدها: «نحن لسنا فقط، بلدا مهما في المنطقة؛ بل نحن البلد الأهم. ونريد أن نعامل على هذا الأساس». والآن يطالب الإيرانيون بأن تؤخذ «الحقائق الجديدة في المنطقة بعين الاعتبار»؛ سوريا، اليمن، العراق… من غير الممكن تسوية هذه المشكلات الثلاث بدون إيران. وعندما يؤكد الإسرائيليون على أن إيران تهديد وجودي؛ فإنهم يعرفون جيدا بأن هذا غير صحيح. في أحد الأيام؛ قال سفير إسرائيلي في دولة أوروبية كبرى لبعض أصدقائه: «لقد كان أحمدي نجاد جيدا لنا؛ فهو كان كل صباح يقول بأنه يريد تدمير إسرائيل؛ وهذا كان يضحكنا. أما روحاني هذا؛ فيبعث رسائل تهنئة في كل عيد من أعيادنا الدينية؛ فما الذي يمكننا فعله مع مثل هذا النوع؟». والحقيقة أن الأمريكيين والإسرائيليين يستطيعون احتواء إيران والقبول بها كما هي. وهم صادقون عندما يقولون إنهم يريدون فقط، تحجيم تأثيرها في المنطقة؛ ولكن لن يذهبوا أبعد من ذلك. إذن، فدونالد ترامب لن يتمكن من إسقاط النظام في طهران؟ أشك في ذلك؛ ففي الغالب عندما يتم تهديد نظام ما فإنه يزداد قوة؛ لأن هناك، أيضا، إيرانيين حريصين على سيادتهم القومية (يبتسم). وكذلك لا ترون أن يحدث صراع بين إسرائيل وإيران؟ لا. يبدو لي أن الإسرائيليين لا يريدون ذلك. يبدو لي أن نتنياهو يتوفر على ما يكفي من المعلومات، وعلى ما يكفي من كونه رجل دولة لكيلا يبادر هو نفسه إلى المغامرة؛ قد يُسعِدُهُ أن يفعلها الأمريكيون مكانه؛ أما هو نفسه؛ فلا. مع كل هذا الدعم الأمريكي؛ ألم يعد السعوديون يعتقدون بأنه مسموح لهم بكل شيء؛ حتى باغتيال صحافي داخل مقر قنصليتهم في استانبول؟ لدي انطباع بأن السعوديين يعتقدون بأن مجيء ترامب قد أعاد القوة لتحالف كان قد أصبح رخوا في عهد أوباما. هل أصبتم بالصدمة من رؤية لقاءات محمد بن سلمان مع كل كبار هذا العالم خلال قمة العشرين الأغنى في العالم ب»بيونس آيريس»؟ إن اغتيال جمال خاشقجي قد صدم العالم أجمع. وتضارب المواقف المعبر عنها في كل مرة من طرف المسؤولين السعوديين يطرح مشاكل جمة. إنني على يقين بأن السعوديين منتبهون بأنهم سوف تستمر مطالبتهم بتفسيرات في الموضوع. بأية تداعيات نهائية وأي ظروف؟ لست أدري. هل تتفهمون كيف لم يجد دونالد ترامب أي حرج في أن يقول: «لا أستطيع معاقبة العربية السعودية على أساس هذه القضية لأنني لا أريد أن أؤدي بالاقتصاد العالمي إلى الإفلاس»؟ إنني وانطلاقا من مبادئي لا أحب كثيرا العقوبات. إن قضية خاشقجي تذكرني شيئا ما بقضية المهدي بنبركة في سنة 1965. إلا أن خاشقجي لم يتم اختطافه؛ بل استُدعي ودخل ولم يخرج… أما بنبركة فقد اختُطِف بباريس من أمام مقهى ليب؛ وإلى اليوم، لازلنا لا نعرف ماذا حصل له بالضبط. لقد حضرت وشاركت في الذكرى الخمسين لاختفائه بالرباط. لقد شاركت لأن بنبركة كان صديقي. والسؤال الذي طرحناه جميعا على السلطات كان هو: «الآن، انتهى كل شيء؛ فقولوا لنا على الأقل ما الذي حدث بالضبط؟ ومن الذي فعل كذا؟ ومن فعل كذا، وما الذي فعل؟ حتى نتمكن من الشروع في الحداد، ونبكي قليلا ثم نمر إلى أمور أخرى». وبهذه الصيغة نفسها يطرح المشكل أمام أصدقائنا السعوديين. وماذا كان جواب السلطات المغربية على مسعاكم هذا؟ لم يكن مسعى. لقد كانت هناك مظاهرة عمومية مع عبدالرحمن اليوسفي. ولقد أرسل الملك رسالة عبر من خلالها عن تضامنه وتعاطفه هو وباقي أفراد أسرته… ولكنه لم يقل شيئا في موضوع ما الذي حصل لبنبركة. والمشكل السوري هل هو مشكل لا حل له؟ لا؛ ليس هناك مشكل بلا حل. إنه مشكل صعب منذ منطلقه وزيد في صعوبته أكثر فأكثر. فعمليا قد ساهم كل ما تم فعله في جعله أكثر صعوبة. وحتى أقول الأمور بكلمات أقل؛ إن التحليل الأولي كان منذ البدءِ خاطئا. فقد كان هناك ظن خاطئ بأن الأمر سيكون مثل تونس ومصر؛ وأن النظام سوف يسقط في ظرف بضعة أسابيع؛ ولم يرَ المحللون أن الأمر في سوريا مختلف؛ إذ لم ينتبهوا إلى أمر جد بسيط؛ وهو أمر يعرفه جيدا أولئك الذين يعرفون سوريا جيدا. ففي تونس وفي مصر؛ البلد بأكمله قد تحرك؛ ولم يكن الأمر كذلك في سوريا. والذين يعرفون هذا البلد كانوا سيقولون: «في اليوم الذي تكون فيه حركة منطلقة بدون عودة إلى الخلف في حلب ودمشق؛ في هاتين المدينتين الكبيرتين؛ هنا؛ نعم؛ سيكون النظام في خطر». وهذا لم يحدث. في دمشق؛ كانت هناك بعض المظاهرات الصغيرة؛ على المستوى المحلي فقط؛ لأن الناس كانوا خائفين. وفي حلب؛ لا شيء. ومع ذلك قرروا أن النظام سوف يسقط في الأسبوع الموالي. واليوم، هناك دولتان لهما تأثير كبير في سوريا؛روسياوإيران، وهناك بلد ثالث له وجود كذلك؛ تركيا، ورابع له وجود عسكري مهم جدا؛ ولكن ليست له فكرة محددة عما الذي يريده؛ الولاياتالمتحدةالأمريكية. وهناك حديث عن فرنسا كدولة موجودة كذلك هناك، أو تريد أن تكون موجودة عسكريا؛ ولكن لا علم لي بحقيقة هذا الأمر. وفي جميع الأحوال؛ فإن الدول الأربع التي هي موجودة هناك لا يكلم بعضها بعضا. جيوش أجنبية توجد في البلد نفسه ولا يكلم بعضها بعضا! لقد اقترح خَلَفكم هناك «ستيفان دي ميستورا» تشكيل مجلس تأسيسي لتنظيم انتخابات في النهاية؛ هل ترون هذا المقترح ممكنا؟ ليس مباشرة، والآن. لقد ذهب دي ميستورا، وخليفته، وهو نرويجي سوف يتسلم مهامه في هذا الشهر أو في أوائل شهر يناير. هل سيأتي هو وغوتريس بأفكار جديدة؟ على كل حال مثل هذه الأفكار لا تسقط هكذا من السماء. فالواجب أن يكون الذين لهم تأثير في الاستماع؛ والأفضل أن يقترحوا هم أنفسهم أفكارا. وهنا أفكر في إيران، وروسيا، وتركيا… ولا أعلم هل تم خلال الاجتماع الأخير في استانبول بين ميركل، وماكرون، وأردوغان؛ التوصل إلى شيء ما. هل الروس والإيرانيون هم من يتحكمون في الأمر؟ نعم، بكل تأكيد. ونظام الأسد هل سوف يستمر؟ النظام مستمر. ولكن عندما يحل السلام من جديد؛ هل سوف يستمر الأمر كما لو أن شيئا لم يحدث؟ هل سوف يستمر الأسد ونظامه على الحال نفسه، الذي كانوا عليها دائما؟ أم سوف تكون هناك تغييرات ما على كل حال؟ يا إلهي! مئات الآلاف من الأشخاص قد قُتِلوا، ونصف الساكنة رُحِّلت، مدن بأكملها تم تدميرها… لا يمكن الاستمرار كما لو أن كل هذا لم يحدث! هل تعتقدون في إمكانية إجراء انتخابات حرة في يوم ما في سوريا؟ خلال فترة من الزمن كان يُنظر إلى الانتخابات كأنها حل سحري. هذا غير صحيح بالمرة. الانتخابات تخدم مشروعا قائما أصلا في الواقع. في مؤتمر «ﭙاليرمو» حول ليبيا في الشهر الأخير؛ كان التوتر على أشده بين مصر الداعمة لحفتر وتركيا داعمة السراج؛ الذي انتهى به الأمر إلى مغادرة المؤتمر غاضبا. ألا تخاطر هذه المبارزات والصراعات بين محتضني الطرفين بإفشال الوصول إلى حل ما؟ في “ﭙاليرمو” انفجرت الصراعات على العلن وأمام الملإ؛ مع أنها كانت موجودة أصلا قبل ذلك. وليبيا كانت هدفا لتدخل عسكري أجنبي؛ أُعِدَّ إعدادا سيئا للغاية، وتم تصميمه تصميما سيئا للغاية، وتنفيذه تنفيذا سيئا للغاية… لدرجة أن هناك تساؤلا حول لماذا كان هذا التدخل أصلا. واليوم، هناك مبعوث شخصي للأمين العام للأمم المتحدة هو غسان سلامة؛ الذي يعرف الوضع معرفة جيدة، وهو مقبول جيدا من طرف جميع الأطراف؛ ولكن لا يتركونه يعمل بسبب كل هذه التدخلات وكل هذه الوصايات. ما الذي يفعله هؤلاء هناك؟ لماذا، أردوغان، ورئيس آخر لدولة شرق أوسطية، وإيطاليا، أوحتى فرنسا؛ كل منهم يُوجد هناك وصيا على هذا الطرف أو ذاك؟ لماذا لا يتركون غسان سلامة يعمل؛ وهو الذي يحظى بثقة الجميع، والجميع يدَّعي دعمه ومساندته؟ إن الأوصياء أو المحتضنين كما تسمونهم؛ ليس لديهم أي اعتبار للمصالح الوطنية لليبيا. إنهم يرعون فقط مصالح صغرى جد خاصة. وبما أن هذه المصالح هي مصالح متناقضة فلا يتم حل المشاكل؛ بل تعقيدها. ولو تم تطبيق ما تم تطبيقه على لبنان في الطائف على ليبيا لتم الحصول على النجاحات نفسها. لقد مرت ست سنوات، والجيش الفرنسي منتشر في منطقة الساحل الإفريقي. هل هو بصدد التورط في مستنقع هناك؟ الفرنسيون ليسوا بصدد التورط في أي مستنقع؛ ولكن أنا متأكد بأنهم يعرفون جيدا بأن المسلسل سوف يكون طويلا وشاقا. لقد قام رمطان العمامرة؛ وزير خارجية الجزائر السابق بكامل الصبر؛ بتسيير مفاوضات شاقة أدت في الأخير إلى ميثاق الجزائر. وتنفيذ هذا الميثاق هو الذي يتعثر قليلا، وهو الذي يتسم ببعض الصعوبة. ولكن المجتمع الدولي المزعوم له مواقف ساذجة جدا. فهل تعتقدون أنه في الإمكان تدمير بلد في ستة أشهر وإعادة بنائه في ثلاثة أشهر؟ إن إعادة بنائه تحتاج إلى ستين سنة!. ومن الذي دمر هذا البلد؟ لقد كان للماليين بكل تأكيد دور في ذلك؛ ليس هناك أي شك. فالعلاقات بين الجنوب والشمال لم يسبق لها أبدا أن سوِّيت؛ الجنوب هو الذي يحكم في مالي، وأناس الشمال يعتبرون أنهم محرومون من الحد الأدنى من الحقوق التي من المشروع أن يتوقوا إليها. وهذا لا يعود فقط إلى خمسة أو ستة أعوام. ولقد قمنا نحن الجزائريون؛ وأنا شخصيا عندما كنت وزيرا للخارجية بالتدخل من أجل التقريب بين سكان الجنوب وسكان الشمال. وفي كل مرة كانت الاتفاقيات لا تنفذ بالكامل. واليوم الوضع نفسه هو الذي لازال مستمرا. والأجانب، كذلك، عليهم أن يتحلوا بالصبر. هذا صحيح؛ ففي سنة 2015؛ انخرطت الجزائر سياسيا في التوصل إلى ميثاق الجزائر. ولكن كيف تفسرون أن الجزائر ترفض المشاركة في اجتماعات مساندة ودعم مجموعة الخمس بخصوص الساحل الإفريقي؟ أفضل ألا أتحدث في هذا الموضوع؛ لأنني لا أعرف خباياه. غير أن الجزائر لديها مفهوما جد صارم للسيادة. إننا نرفض أن يتدخل أي كان في شؤوننا، ونمنع على أنفسنا التدخل في شؤون أي كان. وأظن أن ما هو مدون في النسخة الأخيرة من دستورنا هو أن الجيش لا يتدخل أبدا خارج الحدود الجزائرية. إن الأخيرة لا تريد حتى المساهمة في بعثات السلام. وعندما كنت مبعوثا أمميا ناشدت من أجل أن يتدخل الجيش الجزائري – لأن في ذلك مصلحة للأمم المتحدة، ومصلحة، كذلك، للجيش الجزائري نفسه- ولكن ظل الرفض دائما قائما؛ ففي هذا الموضوع ليست هناك من إمكانية للتوافق. في بلدكم يقترب موعد الرئاسيات، وآخر تقرير للمجموعة الدولية للأزمات(ICG) يتنبأ بأزمة كبرى مقبلة في سنة 2019. هل من الممكن تجنب هذه الأزمة؟ أنا شخصيا؛ لا أتوقع أية أزمة. لا أظن أن تكون هناك أزمة؛ لا في 2019 ولا في 2020. منذ مدة قريبة جدا سافرت وتجولت قليلا في داخل البلاد؛ ولدي الانطباع بأن الجزائر في حالة جيدة. الناس الكَيِّسُون والمنضبطون يقولون بأن الرئيس عليه ألا يترشح لولاية رئاسية خامسة؛ ولكنني أنا؛ الذي أسمعه هو أن أغلب الأشخاص الذين يريدون الترشح يؤكدون؛ مباشرة بعد الإعلان عن ترشحهم؛ بقولهم: «شريطة ألا يترشح بوتفليقة». فالرئيس ليس في الحقيقة محل اعتراض في الجزائر، لا من طرف الطبقة السياسية ولا من طرف الساكنة. فالناس يعترفون له في أعماقهم بكونه قد أعاد السلم للبلاد بعد العشرية السوداء، وأعاد بناء البنيات التحتي. فالعشرية السوداء لم تتسم فقط، بعشرات الآلاف من القتلى؛ بل كان هناك، كذلك، دمار مهول؛ شمل الكهرباء، والمعامل، والمدارس… كل هذا أُعيد بناؤه. زرت في الآونة الأخيرة قريتي التي تبعد عن الجزائر العاصمة ب 100 كلم؛ وقد كنت فيما قبل أتنقل هناك على ظهر بغل أو على الأقدام؛ واليوم، هناك طريق معبدة بالإسفلت… وتكاد تكون جميع البيوت مزودة بالكهرباء وبالغاز، وهناك مدارس في كل مكان. في أحد الأيام كنت أتحدث مع تونسي؛ وكنت أشكو الوضع في المغرب العربي؛ فأجابني: «إن الوضع على الأقل أفضل من المشرق». وهذا صحيح؛ ففي المغرب العربي ليس هناك في الحقيقة إلا جرح وحيد هو الوضع ليبيا؛ فالوضع في ليبيا فقط، هو الذي يؤلمنا. وأنت الذي تعتبر قريبا من الرئيس بوتفليقة؛ هل ترى أن عليه أن يترشح من جديد أو لا؟ ليس لي رأي في هذا الموضوع؛ بكل تأكيد؛ ليس الآن. لا أريد إطلاقا أن أُذْكَرَ لا في هذا الاتجاه ولا في ذاك الاتجاه؛ فأنا لم أره منذ سنة. ولدي ثقة كبيرة فيه وصداقة كبيرة تجاهه. وليس من هنا؛ من مكتب باليونيسكو؛ سوف أثرثر بالمماحكة حول مستقبل بلدي. غير أنه وبكل بساطة؛ فإن الأمين العام المعزول لحزب جبهة التحرير الوطني كان قد صرح في أواخر شهر أكتوبر بأن الرئيس بوتفليقة سوف يترشح من جديد. ثم بعد ذلك قال… … بأن لا علم له (يضحك). أفضل ألا أعلق على مثل هذه الأمور.