فاتح ماي من كل سنة ليس عيدا للعمال بالمغرب، بل هو جنازة رسمية نترحم فيها على النقابات التي ماتت ولم تدفن بعد.. نقابات فقدت أسنانها وأظافرها ولم يعد فيها إلا اللسان، والإنجليز يقولون: «الكلب الذي ينبح لا يعض». في المغرب اليوم أكثر من 30 نقابة أغلبها دكاكين تبيع الوهم وتقبض الريع، والباقي دينصورات هرمت، عشش فيها الفساد والبيروقراطية وصور الزعيم الخالدة... فاتح ماي لا يعري فقط بؤس العمال وهشاشة أوضاعهم وغياب الحماية الاجتماعية عن أكثرهم.. فاتح ماي مناسبة ترى فيها الحكومات المتعاقبة نفسها في المرآة وهي ترمي بالفتات لسواعد تعمل، وعقول تشتغل، وعرق يتصبب دون أن يحصل أصحابه على ما يحفظ كرامتهم ويقي عائلاتهم ذل الفقر والسؤال... فتح ماي عيد تفضح فيه الرأسمالية المغربية الجشعة التي تحارب الانتماء النقابي، ولا وتحترم الحد الأدنى للأجور، ولا تصرح بالعمال لدى صندوق الضمان الاجتماعي، ولا توفر أي حماية للعنصر البشري، وإذا واجهتها النقابات بحقيقتها تقول لك: «إن التنافسية تفرض ذلك، وإن صحة المقاولة سباقة على صحة العمال»، وكأن المقاولة الألمانية والفرنسية والأمريكية واليابانية، التي تعطي العمال حقوقهم وتحترم قيمتهم المضافة، لا تتعرض للمنافسة في سوق مفتوحة وشرسة. فاتح ماي جنازة كبيرة يتلقى فيها ملايين العمال العزاء في دولة الرعاية الاجتماعية، حيث المغربي يمكن أن يشتغل 12 ساعة في اليوم ولا يقدر على إطعام أبنائه ولا على توفير سقف لائق لإيوائهم، وإذا مرض أحدهم فليس أمامه إلا السماء يرفع يده إليها طلبا للفرج أو يمد يده إلى البشر يشحذ منهم المساعدة... فاتح ماي هو عيد للعمال ولكنه في الوقت نفسه مأساة للعاطلين الذين يخرجون إلى جانب الموظفين والمأجورين للتظاهر طلبا للشغل فيما زملاؤهم يتظاهرون ضد الظروف القاسية التي يشتغلون فيها، في بلاد تذهب 65٪ من مخصصات صندوق المقاصة إلى الأغنياء فيما لا يستفيد الفقراء سوى من 5 دراهم في اليوم من خلال دعم الغاز والخبز والسكر... حكومة بنكيران تخاف البنك الدولي وصندوق النقد الدولي أكثر مما تخاف غضب العمال والمحرومين وجيش الفقراء، وهذا طبيعي لأن النقابات ضعيفة ومشتتة وفاسدة. يكفي أن تعرفوا أن شباط يجمع، في سابقة من نوعها في العالم، بين رئاسة حزب ليبرالي له اختيارات رأسمالية بحتة، وقيادة نقابة تدعي الدفاع عن الفئات الشعبية. عندما يكون حزب شباط في الحكومة يفتي بحرمة الإضراب لأنه يضر بالمصالح العليا للوطن، والضرر حرام في الإسلام، وحينما ينتقل الحزب إلى المعارضة يرفع شعارات ضد حكومة «بنزيدان»، ويشهّر بقرارات كان وزير المالية الاستقلالي، نزار بركة، من اتخذها وسط الحكومة.. «وافهم شي حاجة»! المغرب هو البلد الوحيد الذي تشارك فيه الحكومة ورئيسها في تظاهرات فاتح ماي، في أكبر ضحك على ذقون العمال والموظفين الذين يخرجون وراء الحكومة للتظاهر ضد اختياراتها وسياساتها وقراراتها... مسرح العبث هذا يجب أن يتوقف. البلاد بحاجة إلى قانون جديد للنقابات.. قانون صارم يفرض ديمقراطية تسيير هذه المؤسسات الحيوية في المجتمع، ويجرم بقاء الزعيم على رأس النقابة أكثر من ولايتين لا ثالثة لهما، ويرتب جزاءات صارمة على طرق تدبير مالية النقابات ومعاركها، وإصلاح أحواض الريع التي تستفيد منها، وأولها جمعيات الأعمال الاجتماعية التي تعيش خارج المراقبة والحكامة. لا بد من اشتراط عدد معين من المنخرطين، وعلى الصعيد الوطني، على أي نقابة وليدة، ولا بد من اشتراط نسبة معقولة من التمثيلية حتى لا نميع العمل النقابي، وعلى الدولة وأجهزتها أن ترفع يدها عن النقابات، وأن تتوقف عن التحكم فيها بأساليب شيطانية... غير هذا سيبقى فاتح ماي «مندبة» كبيرة لا عيدا للعمال...