قال جليل طليمات، عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي سابقا، إن بوعشرين انتقد تنازلات بنكيران ومهادنته المفسدين. متى تعرفت على توفيق بوعشرين؟ يعود أول لقاء لي بالصحفي توفيق بوعشرين إلى سنة 2000، وذلك بمناسبة ندوة نظمتها جريدة «السياسة الجديدة» (كنت مسؤول التحرير فيها آنذاك) حول تجربة التناوب التوافقي وآفاق الانتقال الديمقراطي، حيث تمت دعوة صحفيين للمساهمة في تنشيط هذه الندوة ومساءلة المتدخلين فيها وهم، على ما أتذكر عبد الله ساعف والحبيب طالب وعبد الصمد بلكبير وعلال الأزهر. وقد حضر الأخ توفيق باسم جريدة «الأيام»، ووجدني في استقباله بمقهى المحطة الطرقية لسلا قرب مقر الجماعة الحضرية حيث جرت أشغال الندوة بقاعتها الكبرى. وبعد هذا اللقاء المباشر معه، وهو الأول والأخير، استمرت متابعتي لمساره الصحفي ولكتاباته، إضافة إلى بعض اللقاءات العابرة في ندوات أو تظاهرات اقتصرت على تبادل التحية. إن الصورة التي انطبعت في ذهني في ذاك اللقاء اليتيم هي صورة شخص هادئ وخجول، يفكر قبل أن ينبس بكلمة.. هل لديك ذكريات أخرى مع توفيق بوعشرين؟ لا ذكريات لدينا معا غير ما سجلته أعلاه، ولست أدري إن كان توفيق يتذكر ذلك. توفيق الذي أعرفه جيدا هو توفيق الكاتب والمحلل السياسي، خاصة بعد تجربة جريدة «أخبار اليوم» التي اقترنت لدى القراء بافتتاحياته ذات الأسلوب المتميز في الحقل الصحفي. وبكل موضوعية، يمكنني القول إنه في ظل وضعية التراجع المقلق للنقد السياسي المؤسس فكريا وثقافيا، والملتزم بأخلاقيات مهنة الصحافة، شكلت كتابات أو افتتاحيات بوعشرين نقطة ضوء تذكر القارئ بأقلام رائدة في تاريخ الصحافة المغربية. وكيفما كان اختلاف البعض مع الخط التحريري ل»أخبار اليوم»، وبالخصوص مع مقاربة وتحليل صاحبها لبعض القضايا الساخنة والحساسة في المجال السياسي الوطني والإقليمي والدولي، فإن ذلك لا يعفي من الاعتراف بأهمية المواقف القوية التي عبرت عنها تلك الافتتاحيات والتي أثارت ضده أكثر من جهة.. وفي هذا الصدد أذكر على سبيل المثال: المساندة المطلقة لحركة 20 فبراير وهي في توهجها، والمقاربة النقدية لأعطابها ولعوامل انطفائها التدريجي. والنقد الشجاع لمحاولات «تأميم» الحقل الحزبي من طرف قوى التحكم، عبر أدواتها الحزبية المفبركة. وانتقاد منظومة الفساد ورموزها، وثقافة الريع السياسي والحزبي، وزواج السلطة والمال. انتقاد تنازلات حكومة بنكيران عن الصلاحيات الدستورية لرئيس الحكومة، ولمهادنته للمفسدين من خلال دعوة «عفا الله عن ما سلف»، على الرغم من انحيازه العام لتلك التجربة الحكومية، ولكنه انحياز نقدي ومتوازن. خرقه للصمت الذي لف «عاصفة الحزم» في جل منابر الإعلام الوطني ضد شعب اليمن الشقيق بفضحه لأهدافها وجرائمها. هذه أمثلة تبرز أو تفسر لماذا حوربت هذه الصحيفة التي تعترف العديد من الفعاليات السياسية والحقوقية والثقافية بتميزها، وذلك على الرغم من اختلافها «الإيديولوجي» أساسا مع مديرها السجين. المشكلة ليست في الاعتقال في حد ذاته، بل في طريقته، حيث تم خرق «قرينة البراءة» بالتشهير الإعلامي بالمعتقل و»اغتياله معنويا» قبل عرضه على المحكمة. لقد تمت إدانة بوعشرين قبل صدور الحكم القضائي عليه. أما بخصوص الحكم ب 12 سنة ومئات الملايين بين غرامة وتعويضات، فإنه كما سجل ذلك العديد من الفاعلين السياسيين والحقوقيين هو حكم قاسي، إنه حكم جنائي في «الإخراج»، «أخلاقي» في الشكل، ولكنه سياسي في الجوهر، وفي الخلفية. وكل الأمل في أن تتم مراجعة هذا الحكم استئنافيا، في إطار من الاحترام الواجب لمقومات المحاكمة العادلة.