تطبع علاقة المغاربة مع القضاء الكثير من التوتر وضعف الثقة. فبالرغم من التنصيص الدستوري على استقلال القضاء والتأكيد الملكي في مناسبات عدة على ضرورة تعزيز الثقة في القضاء، إلا أن واقع الحال يشير إلى أن المواطن لا ينظر إلى مؤسسات العدالة بعين الرضا، وهذا أمر لا تخطئه الملاحظة اليومية، علاوة على التقارير الرسمية وغير الرسمية. لقد حملت الإصلاحات السياسية، وضمنها الإصلاح الدستوري سنة 2011 أمل التغيير نحو الأحسن. وقد كان إصلاح القضاء ضمن أهم الشعارات التي رفعتها احتجاجات 20 فبراير، وأيضا من ضمن أهم التعديلات التي تضمنها الدستور الجديد. فقد تضمن دستور 2011 لأول مرة فصلا واضحا بين السلطات، ورفع من شأن القضاء باعتباره سلطة مستقلة، وأعطى للقضاة استقلالا عن باقي السلطات، ومنحه أدوات للدفاع عن نفسه في حالة المس باستقلاليته. فضلا عن ذلك، عرفت السنوات الأولى التي تلت تعيين حكومة بنكيران الأولى محاولات إصلاح هذا القطاع انطلقت مع اللجنة التي عينها الملك، ثم بعد ذلك باصدار وثيقة “الحوار الوطني حول الإصلاح الشامل والعميق لمنظومة العدالة”، والتي تضمنت الكثير من التعهدات. كما قامت الحكومة السابقة بعدد من الإجراءات مثلا لرفع من أجور القضاة وتطوير البنية التحتية والتنظيم القضائي الجديد، زيادة على عدد من التشريعات في هذا النطاق. ولكن، وبالرغم من ذلك، تأخر الإصلاح الأساسي الذي تضمنه دستور 2011، أي إنشاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية لمدة ست سنوات. بحيث لم يتم تنزيله إلا سنة 2017. أي إن المغرب أهدر عمليا ست سنوات قبل أن يُفعّل المجلس الجديد. وبغض النظر عن التفاصيل الخاصة بتركيبة المجلس وصلاحياته، إلا أن تأخير تنزيله لمدة ست سنوات كان له كلفة كبيرة على مستوى تعزيز الثقة في مسار اصلاح القضاء، إذ كان من المفروض أن يكون تعيين المجلس الجديد من ضمن أولى الإجراءات لتعزيز الثقة في مسار إصلاح منظومة العدالة ليتم بعد ذلك الانتقال إلى باقي التفاصيل الخاصة بتنزيل إصلاح منظومة القضاء، لا سيما الإجراءات التي تعمل على مستوى الرفع من فعالية هذا القطاع، وأيضا تعزيز نزاهة القضاة على المستوى الفردي. التحدي الثاني، الذي يعيق ثقة المواطن في منظومة العدالة، يرتبط بفعالية هذا القطاع. فرغم مرور أكثر من سبع سنوات على الدستور الجديد وإطلاق ورش إصلاح منظومة العدالة، لازال مسار التقاضي يتميز بالبطىء الشديد وغموض الإجراءات. فبعض القضايا “العادية” تأخذ سنوات في ردهات المحاكم قبل أن يصدر فيها حكم، أما عندما يصدر الحكم، فيبقى مشكل التبليغ والتنفيذ من ضمن أهم القضايا التي تقوض ثقة المواطن في فعالية منظومة العدالة. ومن هنا، فإن بطئ تنزيل الإصلاح يعزز من القابلية للجوء إلى بعض السلوكيات مثل الرشوة أو “الواسطة”، كإحدى تقنيات تسريع عملية التقاضي. وهي دائرة مفرغة، أي إن تعقد المساطر وطول مسار المحاكمة يعزز من استمرار بعض السلوكيات المشينة وتنامي دور “وسطاء” يسعون إلى تسريع وتيرة التقاضي. على المدى القصير، قد تحل مدونة السلوك القضائي نسبيا من مسألة النزاهة الفردية للقضاة، كما أن عملية التحديث التكنولوجي والدخول إلى عصر “المحكمة الرقمية” يمكن أن يخفف نسبيا من لجوء بعض الأفراد إلى الرشوة. ولكن مشكل القضاء في المغرب مرتبط أساسا بمشكل أكبر، وهو مشكل عدم فعالية البيروقراطية الإدارية ككل. وعليه، فإرجاع الثقة في القضاء لن يُكتب له النجاح من دون إصلاح شامل للمؤسسات السياسية في المغرب.