العنف يولد في العقول قبل أن ينتقل إلى الأفعال، والقتل يولد في الفكر قبل أن يبحث عن سيف أو سكين أو مسدس أو مدفع لتنفيذ الجريمة. الطلبة الذين قتلوا الشهيد الحسناوي في حرم الجامعة، الأسبوع الماضي، فعلوا ذلك عن سبق تخطيط وتفكير وتدبير، فهو، في نظرهم، طالب ظلامي ينتمي إلى فصيل طلابي ظلامي، هو نفسه قريب من حزب ظلامي «حزب النذالة والتعمية»، أنقل هنا عبارات فصيل البرنامج المرحلي كما جاءت في بلاغ مازال معلقا على جدران جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس إلى الآن. إذا كان الحسناوي ظلاميا، وفصيله ظلاميا، والحزب القريب منه ظلاميا ومتواطئا مع النظام الذي يريد الإجهاز على المكاسب النضالية للجماهير الطلابية، فلماذا لا يمر طلبة البرنامج المرحلي إلى تصفية هذا الظلام بإشعال النور عن طريق السيوف؟ لنتأمل مضمون هذا البلاغ والمحبرة التي كتب منها ونوع الفكر الذي يروجه والألغام التي يزرعها في عقول طلاب محبطين، جلهم قادمين من الهامش، وعوض أن يركبوا مصعد العلم والبحث نحو أفق أرحب، تنزل بهم بعض الفصائل إلى الدرك الأسفل من التخلف والتعصب ثم الجريمة التي تقودهم إلى السجون أو القبور، لنتأمل هذا المقطع من بيان «البرنامج المرحلي»: «إن النظام والظلام والأحزاب الرجعية والبيروقراطية تستهدف الفعل النضالي الجذري في الجامعة، وتريد قتل الشهيد آيت الجيد بنعيسى مرة أخرى. إن النظام اللاديمقراطي واللاشعبي يريد إلهاء الجماهير الشعبية بما سماها «ظاهرة التشرميل»، وهو بذلك يعبر عن إفلاسه. إن هذا المخطط الإجرامي للنظام وحلفائه بدا واضحا من خلال التحركات المشبوهة والرحلات المكوكية لوزير الداخلية إلى معظم المدن، وما يواكب ذلك من إنزالات قمعية مكثفة، حيث الأساطيل القمعية تصول وتجول في الشوارع وتنفذ جرائمها ضد الإنسانية في واضحة النهار، وتلتقط أنفاس الجماهير الشعبية، وتقوم باستعراضاتها العسكرية الإرهابية...». في آخر المانفستو التحريضى على العنف، كتب البرنامج المرحلي في بيانه: «لن تمر جرائم النظام. لن تمر جرائم قوى الظلام. لن تمر مؤامرات القوى الإصلاحية وكل المتخاذلين والمتكالبين. لن تمروا، لن تمروا. إذا مروا فعلى جثثنا. لا سلام لا استسلام، معركة إلى الأمام». هذا البيان علق على جدران الكلية يوم 23 أبريل وقرأه الطلبة والإدارة والأمن والمخبرون، ويوم 24 أبريل وقعت مجزرة في كلية الحقوق ذهب ضحيتها الطالب الحسناوي. كاتب هذا البيان هو الذي رسم للقاتل عقيدة حمل السلاح والتوجه إلى الجامعة وإنهاء حياة زميل له. طالب صوره الجهل والتطرف والإرهاب على أنه «ظلامي» ومتحالف مع نظام فاسد يقوم بجرائم ضد الإنسانية في المغرب، وبالتالي، فإن مقاومة هذا النظام والمتحالفين معه مهمة مقدسة، وإرسال أذناب هذا النظام إلى القبر مهمة نضالية وشرف ما بعده شرف... الذي كتب البيان ووضع البرنامج المرحلي وخطط لإقامة ميليشيا في الجامعة مهمتها أن تعطي الطلبة شهادات الوفاة إلى جانب الدولة التي تعطي شهادات التخرج لآخرين.. الذي وضع هذا الفكر الإرهابي الذي نبت وسط القاعديين لسنوات طويلة، هو المسؤول الأول عن الجريمة، وهو من يجب أن يمنع من النشاط وسط الطلبة، من هنا فصاعدا يجب أن يقدم الحساب أمام القضاء وأمام ضمير العدالة. المسؤول الثاني عما جرى يوم الخميس الأسود هم السياسيون الذين يستعملون كل الوسائل في حروبهم، والذين ينفخون في النار ثم يتركون الشباب والطلبة يحترقون بها. لقد تم تسييس عملية اغتيال الشهيد آيت الجيد بنعيسى، ولم يترك السياسيون القضاء يقول كلمته النهائية، وحتى عندما حفظ وكيل الملك ثم قاضي التحقيق شكاية عائلة آيت الجيد ومن يقف خلفها، فإن حزبا حمل على كتفه دم بنعيسى ودخل به إلى البرلمان وإلى الإعلام جاعلا منه رصاصة معنوية لقتل مخالف في الرأي اسمه حامي الدين، الذي كان هو نفسه ضحية العنف في الجامعة، ثم حصل على مقرر تحكيمي من هيئة الإنصاف والمصالحة وتعويض مالي عن اعتقاله تعسفيا في ملف لا علاقة له به... إن التلاعب بهذه القضايا الحساسة يمكن أن يؤدي إلى كوارث وفواجع وآلام كتلك التي انفجرت في وجه عائلة الحسناوي بالراشيدية.