يثير تحول «الإلتراس» (مشجعو الفرق الرياضية) إلى قوة احتجاجية جديدة مزيدا من الرعب لدى صنّاع القرار، فالجماهير التي كانت تحج إلى الملاعب من أجل صناعة الفرجة وبث الشعور بالاحتفال، تحولت، منذ أشهر، إلى فاعل سياسي مناهض للسلطة، يرفع شعارات سياسية جريئة ضد الأمن والمؤسسات. منذ ظهور «الإلتراس» في الملاعب الرياضية سنة 2005، ارتبط الحديث عنها بحالات العنف والشغب التي عرفتها ملاعب الكرة. ولمواجهة الظاهرة، تبنّت الدولة سياسة أمنية وزجرية (قانون مكافحة الشغب في الملاعب)، وحاولت السلطات المحلية تأطير وضبط العناصر النشيطة في تلك الفصائل، لكن تلك المقاربة لم تحقق أي نتائج، ففي سنة 2016، وقعت أحداث ما سمي «السبت الأسود» بين مشجعي فريق الرجاء البيضاوي، ما دفع وزارة الداخلية إلى منع «الإلتراس» من ولوج المدرجات، قبل أن تسمح لها بذلك من جديد في بداية السنة الرياضية الجارية. لكن ما لم يكن في حسبان أحد أن هذه الجماهير عادت إلى المدرجات الكروية بلغة أخرى، هي لغة الاحتجاج السياسي، خصوصا من قبل مشجعي فريق الوداد (الوينرز) ومشجعي فريق الرجاء (غرين بويز) ومشجعي النادي القنيطري (حلالة). يرى منصف اليازغي، الجامعي المتخصص في السياسة الرياضية، أن «الجماهير الرياضية المغربية كانت دائما بمنأى عن السياسة، وعن رفع أي شعار سياسي داخل ملاعب الكرة، والهتافات كانت نادرة في تاريخ الكرة». وينبّه اليازغي إلى أن رفع شعارات سياسية حدث في محطتين قبل 2018؛ المحطة الأولى كانت سنة 1979 خلال مباراة جمعت بين المنتخب المغربي ونظيره الجزائري، وخسر فيها المنتخب المغربي ب5 أهداف لهدف واحد، ما تسبب في غضب الجمهور الرياضي الذي رفع يومها شعار: «الصحرا مغربية… والمنتخب فين هو». أما المحطة الثانية في مسار ميلاد «الإلترات» قوة احتجاجية فكانت في يونيو من سنة 2011، بمناسبة مباراة بين المنتخب المغربي والمنتخب الجزائري مرة أخرى، احتضنتها مدينة مراكش. والسبب في ذلك أن وزير الرياضة حينها، منصف بلخياط، استدعى ممثلي «الإلترات» إلى مقر وزارته، وحثّهم على رفع «تيفو» كاد يغطي ملعب مراكش كاملا، كُتبت عليه العبارة التالية: «الله، الوطن، الملك… الصحراء مغربية»، ما يفيد بأن السلطة كانت وراء الحادثتين معا، خلافا لما يحدث اليوم، حيث باتت السلطة وجها لوجه أمام «الإلتراس». سعيد السالمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة بيزانسون بفرنسا، سجّل ملاحظات دقيقة حول «المعارضين الجدد»، مؤكدا، في تصريح ل«أخبار اليوم»، أن الأمر يتعلق بفئات تتراوح أعمارها في أغلبها بين 16 و30 سنة، موجودة في الوسط الحضري حيث ينشط «الإلتراس»، كما أنها فئة «قاطعت الحياة السياسية الممأسسة منذ زمن بعيد، وفقدت الثقة في المؤسسات، وتعاني انسداد الأفق أو اليأس». أما الملاحظة الثانية فهي أنها فئة تنتمي إلى «جيل الثورة الرقمية وعولمة التواصل، وقد تبلور خطابها الاحتجاجي في ظل التطور الذي شهده الوعي السياسي الجمعي بعد 2011، في خضم النقاشات العميقة التي أثيرت في السنوات الماضية، ولم تكن تثار قبل ذلك». ويؤكد محمد مصباح، مدير المعهد المغربي لتحليل السياسات، أن هذا التحول يعكس في العمق وجود «أزمة سياسية» تمر منها البلاد. فالتحول من فصائل تخلق الفرجة والاحتفالية في الملاعب، إلى قوة احتجاجية ضد السلطة «هو نتيجة لحالة الاختناق والإحباط التي يعيشها المواطن المغربي، والتي تصرَّف عبر قناة «الإلتراس» بسبب ضعف الوسائط الأخرى مثل الأحزاب والنقابات»، في حين يرى سعيد بنّيس، أستاذ العلوم الاجتماعية، أن التحول الجديد في نشاط «الإلتراس» إنما يؤكد أن «الاحتجاج الشعبي لم يعد مرتبطا بموقع معين أو تراب محدد، وأن المطالِب يعبَّر عنها عبر فاعلية تشاركية افتراضية تترجم في مواقع رياضية جرى تملكها وتصريفها فضاءات عمومية مؤدى عنها (ملعب كرة القدم)». السؤال المؤرق اليوم هو: ماذا لو خرجت الإلتراس من الملاعب إلى الشارع؟ يرى سعيد السالمي أن ذلك قد يحدث على المدى المتوسط، «إذا دققنا في الشعارات التي ترفعها المجموعات، فإن أخطر ما فيها هو الشعور بالظلم والاحتجاج على العزل الاجتماعي. مع مرور الوقت سيحتدم الغضب ويتحول التراكم إلى حنق la rage، وقابلية للعنف ضد رموز الدولة، ما قد يدفع تلك المجموعات إلى الخروج بالاحتجاجات من الملاعب إلى الشارع»، لكن منصف اليازغي يستبعد حدوث ذلك، «فالمباراة هي لحظة تفريغ نفسية هائلة تبدأ وتنتهي بانتهاء المقابلة الرياضية. لذلك، من يتوقع أن تمتد هذه الظاهرة الاحتجاجية من الملاعب إلى الشارع فهو مخطئ، وشخصيا لا يمكنني التكهن بخروج هذه الاحتجاجات من الملاعب إلى الشارع العام. يصعب حدوث ذلك».