يبدو أن أزمة الإعلان الأحادي لاستقلال إقليم كتالونيا عن إسبانيا السنة الماضية، وما ترتب عنها من أحداث سياسية مهمة، إلى جانب أزمة الهجرة السرية التي تفاقمت منذ شهر يناير الماضي؛ أسهمتا في تضييق الخناق على جبهة البوليساريو وبعض الأحزاب والجمعيات الداعمة لها في الجارة الشمالية، إذ أصبح الموقف الرسمي الإسباني يتماهى كليا مع الأطروحة المغربية، إلى درجة إقدام الحكومة الإسبانية الجديد، في سابقة من نوعها، على منع لقاء كانت تسعى إلى تنظيمه أطراف داعمة لأطروحة البوليساريو بمقر البرلمان. هذا التوجه تؤكده تغريدة لوزير الشؤون الخارجية والاتحاد الأوربي والتعاون جوزيب بوريل، على حسابه على تويتر، الذي أشاد فيها بما جاء في الخطاب الملكي الأخير، والذي مد فيه يده للجزائر من أجل الدخول في حوار مباشر دون شروط مسبقة، إذ أوضح الوزير الإسباني قائلا: “إنه لخبر عظيم عرض الملك محمد السادس للجزائر من أجل وضع آلية سياسية للتشاور والتعاون من أجل تقوية العلاقات والاندماج الإقليمي بين بلدين مهمين، هما جاران وشريكان استراتيجيان لإسبانيا”. ومن أجل الحفاظ على العلاقات الثنائية المتميزة في الآونة الأخيرة مع المغرب، سلمت الخارجية الإسبانية تقريرا سريا للبرلمان الإسباني تؤكد فيه رفضها تنظيم لقاء، من المرتقب تنظيمه يومي 16 و17 من الشهر الجاري بمقر البرلمان الإسباني من قبل تنسيقية برلمانية داعمة للبوليساريو، حيث سيشارك فيه نواب عن الأحزاب الإسبانية “بوديموس” و”مواطنون”، وأحزاب أخرى من أوروبا وإفريقيا، فيما يغيب عنها الحزبان الرئيسان الإسبانيان، الاشتراكي والشعبي. وجاء في التقرير أن “أي إجراء من قبل السلط العمومية لدعم مطالب الجمهورية الصحراوية أو جبهة البوليساريو يمكن أن تكون له آثار فورية على العلاقات الثنائية (مع المغرب)، مع ما يترتب على ذلك من تأثير على المصالح العامة”. ويبرر التقرير، أيضا، منع اللقاء، ب”التزام إسبانيا بمبدأ الوحدة الترابية، باعتباره عاملا أساسيا للنظام الدولي”. رغم اعترافه بأن “قضية الصحراء الغربية لا يمكن مقارنتها لا سياسياً ولا قانونياً مع أراض أخرى تطمح إلى الاعتراف الكامل كدول مستقلة”، قبل أن يستدرك قائلا: “إن أي اعتراف لإسبانيا بالبوليساريو كفاعل كامل الحقوق في المجتمع الدولي يمكن أن يفسر على أنه عدم تماسك أو غموض في موقف إسبانيا من هذه القضية”. وهو الجدل الذي انتهى بتصويت الحزبين الاشتراكي والشعبي المهيمنين على البرلمان على قرار رفض تنظيم اللقاء. يوم تقديم التقرير السري إلى البرلمان، أكد بوريل في اجتماع لجنة الخلية في مجلس الشيوخ أن “إسبانيا لا تعتبر قوة إدارية في القرارات السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة” بخصوص نزاع الصحراء، “ولا تظهر كقوة إدارية في قائمة الأراضي غير المتمتعة بالحكم الذاتي التابعة للأمم المتحدة”، قبل أن يؤكد أنه “من المهم معرفة كل هذا من أجل تحديد مسؤولياتنا فيما يتعلق بهذا الإقليم”. هكذا يتضح على أنه رغم تراجع دور الدبلوماسية المغربية في السنوات الأخيرة على المستوى الشعبي والثقافي، وبين الأحزاب الصغيرة، لا سيما اليسارية منها، إلا أنها استطاعت اختراق الحزبين الرئيسين، الاشتراكي والشعبي، واللذين يتناوبان منذ عودة الديمقراطية على السلطة بالجارة الشمالية.