في انتظار صدور نتائج التحقيق في فاجعة قطار بوقنادل، وفي سياق حديث بعض الركاب الناجين عن مشكلات همّت السكة الحديدية قُبيل الحادث، يعيد “اليوم24” التذكير بتقرير للمجلس الأعلى للحسابات سبق أن نبه المكتب الوطني للسكك الحديدية للمخاطر المحذقة. ويبدو من التقرير أن ضعف الاهتمام بالصيانة وتراجع الميزانية المخصصة لها، مقارنة مع الميزانية المرصودة للقطار فائق السرعة، ساهم في تدهور البنية التحتية. العقد/البرنامج للمكتب الوطني في الفترة 2010-2015، خصّص له 32.8 مليار درهم، منها 20 مليار درهم للقطار فائق السرعة TGV، مقابل أقل من 12.8 مليار درهم لباقي المنشآت الثابتة والمعدات المتحركة. أي إن التركيز على مشروع القطار فائق السرعة، أدى إلى تأخر عدة مشاريع، منها مشروع تجديد الخط السككي وتقوية الجسور وتعثّر برنامج تأمين سلامة عبور السكة. وسجل التقرير ضعفا كبيرا في خدمات الصيانة وتقادما في المعدات، ما يؤدي إلى حوادث واضطرابات تؤخر القطارات عن مواعيدها. مثلا، ما بين 2010 و2015، وصل التأخر إلى ما يناهز 19.646 دقيقة، بالنسبة إلى قطارات نقل المسافرين، و6457 دقيقة بالنسبة إلى قطارات نقل البضائع. ولاحظ التقرير أن الحوادث التي لها علاقة بالبنية التحتية لها انعكاس سلبي على مخطط النقل، وخاصة على انتظام القطارات. وفي ما يهم الصيانة، فإنها تتم عبر برمجة يدوية للعمليات التي يتعين القيام بها “على أساس جولات استكشاف تتم مشيا على الأقدام”، وكذا على “تسجيلات لمختلف أجهزة القياس التي تقيس المتغيرات المتعلقة بهندسة الخط السككي وهندسة حبال تزويد القاطرات بالكهرباء”. ولاحظ التقرير أنه وخلافا لمجال السكة الحديدية، فإن العناصر الأخرى للبنيات التحتية، المتمثلة في أسلاك تزويد القاطرات بالكهرباء والتشوير والمنشآت الفنية، لا تدبر بواسطة نظم معلوماتية. التقرير سجل أنه لا يمكن التحقق من جودة وفعالية الأشغال المنجزة إلا بواسطة عمليات التفتيش التقني المنتظمة. “غير أن تعقب عمليات مراقبة القرب التي يجب القيام بها من طرف الهيئات الجهوية مازال غير كاف”. ففي الفترة ما بين 2010 و2014، تم رفع 86 تقريرا للمراقبة، أنجزته المديريات الجهوية للبنيات التحتية والسير، إلى المجلس الأعلى للحسابات همّت فقط، قطاعات السكة وأسلاك تزويد القاطرات بالكهرباء ومحطات تزويد الشبكة بالكهرباء. أما في ما يخص مؤشرات الأداء، فقد لاحظ التقرير أن المؤشر الوحيد الذي يتم حسابه هو تكلفة الصيانة، “غير أنه غير مستغل من طرف الهيئات المكلفة بالصيانة”، أما المؤشرات الأخرى كمعدل جاهزية البنيات ونسبة الصيانة الوقائية والإصلاحات، فلا يتم تتبعها لا من طرف مصالح السكة الحديدية والتشوير وحبال تزويد القاطرات بالكهرباء، ولا من طرف الهيآت التشغيلية على المستوى الجهوي. وعرفت الحوادث المتعلقة بالسكك الحديدية ارتفاعا حادا سنة 2011، حيث وقعت 102 حادثة ناتجة عن ارتفاع كبير في تقطع اللحامات وانكسار السكة الحديدية، أي بنسبة ارتفاع أكثر من 150% . وعرفت هذه الحوادث زيادة طفيفة ما بين سنتي 2013 و2014، وانخفضت إلى 58 في المائة سنة 2015، حسبما سجل التقرير، مسجلا أنها ذات علاقة بالبنية التحتية، أي ضُعف الصيانة وتقادم التجهيزات. ولهذا أوصى المجلس في تقريره، بالاهتمام بالصيانة “بشكل مهني للبنيات التحتية والمعدات السككية” بتعميم التدبير بمساعدة الحاسوب ليشمل جميع مجالات السكة الحديدية والمنشآت الفنية والتشوير وأسلاك ربط القطارات بالكهرباء، وتسريع تنفيذ الإجراءات المتخذة من أجل صيانة المنشآت الفنية”. وفيما يتعلق بتقادم التجهيزات، فإنه في سنة 2015 كان عمر 47 % من القاطرات الكهربائية يتراوح بين 30 و38 سنة، وكان عمر 53 % من القاطرات ذات محرك الديزل يتراوح بين 40 و47 سنة، كما كان عمر 43 % من قاطرات الديزل للمناورة يتراوح ما بين 31 و42 عاما. لهذا ارتفعت كلفة نفقات الصيانة، لتنتقل من حوالي 295 مليون درهم سنة 2010، إلى ما يناهز 422 مليون درهم سنة2015″، كما وقف التقرير على عدم التنفيذ الكلي للبرنامج السنوي المتعلق بصيانة المعدات، “حيث لوحظ أن جزءا كبيرا من برنامج صيانة المعدات ذات محرك الديزل والمعدات المقطورة لم يتم تنفيذه”. كما وقف التقرير على إجراء الفحوص والمراجعات خارج الآجال المحددة لها وفق معايير الصيانة، على الرغم من الطبيعة الإلزامية لاحترام مواعيد الصيانة، بالإضافة إلى عدم وجود مخزون استراتيجي من بعض المواد الأساسية في الصيانة. ومن التوصيات الأخرى للمجلس، دعوته إلى المكتب للقيام بحملات لتحسيس المستخدمين المعنيين للسيطرة على “الحوادث الناجمة عن الحمولة الزائدة”، مع ما يرافق ذلك من تأثير على الفرامل، لأن مثل هذه الحوادث يعود سببه ل”الخطأ البشري”. ودعا التقرير إلى إعداد مخطط عمل خاص “للحد من العدد المرتفع للحوادث المرتبطة بفرامل العربات، واحترام الحد الأقصى لحمولة العربة، والتأكد من أن الوزن الكلي المتضمن لوزن الحمولة، لا يتجاوز طاقة تحمل السكة”.