رغم المؤشرات المقلقة التي هيمنت على سماء ملف الصحراء في الشهور الأخيرة، إلا أن التطورات التي عرفها الملف على مستوى الأممالمتحدة في الأيام القليلة الماضية، كانت مطمئنة للمصالح المغربية. ففي الوقت الذي حمل قرار مجلس الأمن الدولي تجديد ولاية بعثة المينورسو لستة أشهر فقط، بدل عام كامل، وما تلا ذلك من تحركات مثيرة للمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في قلب مدن الصحراء ولقائه الانفصاليين، ومجيء بعثة تقنية تابعة للأمم المتحدة لافتحاص أداء البعثة الأممية في الصحراء تمهيدا لإصدار توصيات لتحسين أدائها؛ إلا أن نتائج كل ذلك لم تمس حتى الآن، جوهر المصالح المغربية في الملف، بل جاءت لصالح المملكة. أهم هذه النتائج، هو نجاح التصعيد الدبلوماسي والعسكري المغربي الذي رافق اجتماع مجلس الأمن الدولي حول الصحراء شهر أبريل الماضي، في إلزام جبهة البوليساريو بالانسحاب التام والنهائي من المواقع التي حاولت احتلالها شرق الجدار الرملي في الصحراء. التطورات الإيجابية في موقف البوليساريو التي تحدثت عنها وكالة الأنباء الفرنسية، أول أمس، في قصاصتها التي كشفت أولى تسريبات التقرير الرسمي للأمين العام للأمم المتحدة، الموجه إلى مجلس الأمن عشية اجتماعه المرتقب متم أكتوبر حول الصحراء، تبيّن من النسخة الأولية للتقرير أنها تتمثل في التزام رسمي قدّمته الجبهة على لسان زعيمها إبراهيم غالي، خلال استقباله الممثل الشخصي للأمين العام، الألماني هورست كوهلر، شهر يونيو الماضي، في مخيمات تندوف الجزائرية. الالتزام الذي أبقته الدعاية الانفصالية-الجزائرية طي الكتمان طيلة هذه المدة، مفاده أن الجبهة الانفصالية لن تعاود الإقدام على اختراق المنطقة الواقعة شرق الجدار بالقرب من معبر الكركرات الحدودي بين المغرب وموريتانيا، كما لن تجدد محاولة إقامة مواقع دائمة لها في “بير لحلو” إلى الشمال في منطقة “تِفاريتي” الواقعة بين تندوف ومنطقة آسا الزاك. وفيما عرف الاجتماع الأخير لمجلس الأمن الدولي كسر قاعدة تمديد بعثة المينورسو لمدة سنة كاملة، كما اعتاد منذ سنوات، طلب الأمين العام للامم المتحد أنطونيو غوتريس في تقريره الجديد حول الصحراء، تمديد ولاية البعثة سنة كاملة. التوصية موجهة إلى مجلس الأمن الدولي، والذي سيصدر قرارا جديدا حول الصحراء متم أكتوبر الجاري. هذه التوصية جاءت مرفقة بتجديد أنطونيو غوتريس تحديد الميزانية السنوية للمينورسو في أكثر من 52 مليون دولار، وهي القيمة المعتادة لميزانية البعثة في السنوات الأخيرة. هذا المعطى يبدد المخاوف التي لاحت في الأفق في الأسابيع الأخيرة، بفعل الضغوط الأمريكية داخل منظمة الأممالمتحدة، من أجل تقليص نفقات البعثات الأممية لحفز السلام عبر العالم. اللجنة التقنية التي قامت بافتحاص عمل المينورسو في الميدان، مستهل الصيف الماضي، لم تقدّم توصيات بتقليص كلفة البعثة، بل وجّهت توصيات لاعتماد تقنيات تكنولوجية متطورة لمراقبة الوضع العسكري، لتعويض العجز المسجل في المراقبة الميدانية بالطرق البرية التقليدية. تقرير غوتريس الجديد “أوصى المجلس بأن يمدد ولاية المينورسو لمدة سنة، حتى 31 أكتوبر 2019، من أجل إعطاء المبعوثين، المساحة والوقت اللازمين لتهيئة الظروف التي تسمح بتقدم العملية السياسية”. وأضاف غوتريس في تقريره قائلا: “أحض الأطراف والجيران على الحضور إلى طاولة المفاوضات بنية حسنة وبلا شروط مسبقة، يوم 4 و5 دجنبر في سويسرا”، مشيرا إلى أن المغرب وجبهة البوليساريو وافقا على المشاركة في هذه “المناقشات التمهيدية”، قائلا إنه واثق من الرد المنتظر من الجزائر وموريتانيا المدعوتين الأخريين إلى “الطاولة المستديرة” في جنيف. الأمين العام تحدث في تقريره عن “تطو رات إيجابية” في سلوك البوليساريو، وعن استعداد الجزائر وموريتانيا لتأدية “دور أكثر نشاطا في عملية التفاوض”، وعن وجود “مؤشر مشجع” من جانب المغرب عندما سهل تنقلات مبعوث الأممالمتحدة هورست كوهلر في الصحراء. تقرير غوتريس كشف كيف أن المغرب كان أول من وافق على دعوة هورست كوهلر إلى عقد مشاورات بين أطراف ملف الصحراء في جنيف السويسرية مستهل دجنبر المقبل. التقرير الأولي قال إن الموافقة المغربية صدرت يوم 2 أكتوبر الجاري، بعدما كانت قد صدرت يوم الجمعة 28 شتنبر. فيما جاءت موافقة جبهة البوليساريو على هذا اللقاء التشاوري في اليوم الموالي، أي يوم 3 أكتوبر. وفيما تبقى دعوة كوهلر إلى كل من الجزائر وموريتانيا نصرا دبلوماسيا للمغرب، لكون المبعوث الأممي اعتبرهما ضمن أطراف النزاع، يوضّح التقرير الأولي لغوتريس أن المسؤولين الجزائريين جددوا التأكيد لكوهلر خلال جولته في المنطقة شهر يونيو الماضي، أنهم لن يشغلوا مقعد البوليساريو وليسوا معنيين بالتفاوض، ملتزمين في المقابل بالمساهمة في المساعي الأممية لحل هذا النزاع. الموافقة المغربية السريعة تؤشر على ارتياح الرباط للخطوات التي أقدم عليها هورست كوهلر، عكس الدعوة السابقة التي عقدها المسؤول الأممي في ألمانيا، حيث امتنع المغرب عن الاستجابة إلى أن تم الاتفاق على إجراء لقاء ثنائي بين المغرب وكوهلر في البرتغال. الدبلوماسية المغربية تجنبت حينها السقوط في فخ الدعاية الانفصالية، والتي حاولت تصوير اللقاءات التي دعا إليها كوهلر في ألمانيا على أنها جولة للمفاوضات.