تأتي عودة الخدمة العسكرية في سياق يتسم بمشاكل اجتماعية كبيرة يعيشها المغرب، أبرزها بطالة الشباب وكثرة الاحتجاجات، فضلا عن التهديدات الأمنية الإقليمية. وحسب تقرير للمندوبية السامية للتخطيط، فإن عدد الشباب العاطل، في النصف الأول من سنة 2018، بلغ مليونا و103 آلاف عاطل، خاصة في صفوف الشباب ما بين 15 و24 سنة. في خطاب ثورة الملك والشعب في 20 غشت الجاري، قال الملك محمد السادس بصراحة: «ما يحز في نفسي أن نسبة البطالة في أوساط الشباب تبقى مرتفعة.. فمن غير المعقول أن تمس البطالة شابا من بين أربعة، رغم مستوى النمو الاقتصادي الذي يحققه المغرب على العموم، والأرقام أكثر قسوة في المجال الحضري». بعض المحللين يرون أن عودة الخدمة العسكرية جاءت لأسباب أمنية تتصل بالاستقرار الاجتماعي، منهم محمد شقير، الأستاذ الباحث في الشؤون العسكرية، فالشباب أصبح قنبلة موقوتة، والبطالة أصبحت وقودا يغذي الاحتجاجات الاجتماعية، لذلك، فإن المؤسسة العسكرية أصبحت مدعوة إلى الإسهام في حل هذه المعضلة التي تهدد استقرار المغرب. لكن الخدمة العسكرية يمكن أن تستعمل أيضا لكبح جماح الشباب الذين يقودون الاحتجاجات، باستدعائهم للخدمة، ويتذكر شقير في هذا الإطار أن العديد من الشباب اليساريين جرى استدعاؤهم للخدمة العسكرية في الستينات والسبعينات. وحسب شقير، فإن العديد من الدول الديمقراطية تلجأ إلى الخدمة العسكرية «آلية لتأطير الشباب في ما يتعلق بالمواطنة، وتسهيل إدماجهم في المجتمع»، لكن، «في المغرب، الهاجس الأمني هو المحدد في فرضها»، حيث تحولت إلى آلية «للضبط الأمني والاجتماعي». السياق الحالي يتميز بالعديد من التحديات، حسب شقير، من قبيل «الاحتجاجات ومقاطعة بعض المنتجات، والبطالة المرتفعة»، لذلك، يرى أن عودة العمل بالخدمة «ذات خلفيات ضبطية داخلية»، معبرا عن أسفه لكون السلطات «لم تجعل الخدمة العسكرية آلية مستمرة للإدماج الوطني، وتعليم الشباب قواعد المواطنة والانضباط». من جهته، يرى عبد الحفيظ أدمينو، الأستاذ بجامعة محمد الخامس، أن السياق يتسم بالصعوبات التي تواجه الشباب في الاندماج في الحياة العامة، ومشاكل الهدر المدرسي والجامعي، ومشاكل انحراف الشباب، لذلك يقول إنه جرى التركيز على الفئة العمرية ما بين 19 و25 سنة، نظرا إلى أن المشاكل التي تعانيها هذه الفئة يمكن أن تؤثر على الاستقرار. من جهة أخرى، يلاحظ أدمينو تنامي ظاهرة «ضعف الإحساس بالانتماء إلى الوطن»، و«عدم الانضباط الاجتماعي»، لذلك، فإن «الخدمة العسكرية فرصة لتلقين الانضباط وتكوين الشخصية»، لكن أدمينو لا يستبعد إمكانية استعمال الخدمة العسكرية لإسكات أًصوات الشباب المزعجين. من جهة أخرى، هناك من يرى أن هواجس وتحديات خارجية ربما تحكمت في قرار عودة الخدمة العسكرية، خاصة إذا تناولنا تحديات السياسة الدفاعية من منظور عدد أفراد الجيش. وحسب الموساوي العجلاوي، الخبير في الشؤون الأمنية، فإن التحديات الأمنية مطروحة في المغرب، و«رفع عدد قوات الاحتياط من شأنه أن يحسن ترتيب الجيش المغربي في لائحة الجيوش في إفريقيا». العجلاوي يرى، من جهة أخرى، أن هناك اعتبارات داخلية أملت عودة الخدمة العسكرية، خاصة في ما يخص استهداف الشباب «لتقوية الانتماء واللحمة الوطنية»، لكن المغرب «عرضة لتحديات الهزات إقليمية»، خصوصا ما يتعلق بتطورات ملف الصحراء والجزائر وغرب المتوسط. لكن محمد بنحمو، رئيس المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية، يستبعد أن تكون تحديات تعزيز قوات الجيش عدديا قائمة، لأن المغرب نهج خلال العقود الثلاثة الماضية سياسية بناء «جيش مهني يعتمد بناء القدرات القتالية والتكوين والكفاءة أكثر من الاعتماد على جيش الحشود». وحسب بنحمو، فإن «الطبيعة الدفاعية للجيش المغربي لم تتغير»، مستبعدا بعض التحليلات التي ذهبت إلى أن عودة الخدمة العسكرية سببها السعي إلى رفع عدد أعداد الجيش ليعادل نظيره لدى جارتنا الشرقية. السبب وراء عودة الخدمة -يقول رئيس المركز المغربي للدراسات- هو خلق «فرصة للشباب للتدريب»، وكذا مواجهة التهديدات الناشئة التي غيرت عدة مفاهيم، من قبيل «الدفاع، والحرب، والعدو». فالعدو «لم يعد فقط خارج الحدود بل داخلها»، وفضلا عن ذلك، فإن الخدمة العسكرية «تعلم قيم المواطنة والانضباط والتأطير». مصدر مقرب من الحكومة كشف أن النقاش الذي جرى حول مشروع القانون يظهر أن العودة للخدمة العسكرية يستهدف مواجهة التحديات التي تواجه الشباب الذي يعاني عدة مشاكل، منها البطالة والانحراف والجريمة، فالشاب الذي يمضي 12 شهرا في الخدمة سيتلقى قيم الانضباط ويخضع للتكوين والتأطير، وبإمكانه أن يستمر في الجيش. أي أن الجيش سيسهم في حل المشاكل التي يعانيها الشباب بفتح فرص للاندماج الاجتماعي.