على مدى أزيد من عقد من الزمن، شهدت العلاقات بين تركياوالولاياتالمتحدةالأمريكية تذبذبا تراوح بين التحسن والتوتر، قبل أن تأخذ العلاقات بين البلدين منحى سلبيا مع بلوغ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى سدة الحكم، نهاية العام الماضي. القس برانسون.. ذريعة تصفية الحساب في خطوة فجرت توترا غير مسبوق بين البلدين، أقدمت إدارة ترامب، يوم الجمعة الماضي، على خطوة عقابية لأنقرة بعد رفض الأخيرة تسريح القس الأمريكي أندرو برانسون، المتهم المحتجز رهن الإقامة الجبرية في تهم تتعلق بالإرهاب. وأعلن ترامب الرفع بشكل كبير من قيمة الرسوم المفروضة على واردات بلده من تركيا، والتي بلغت 20بالمائة على الألمنيوم، و50 بالمائة على الصلب. وكتب الرئيس الأميركي دونالد ترامب على موقع تويتر، يوم الجمعة "أصدرت للتو موافقة على مضاعفة الرسوم المفروضة على الألمونيوم والصلب المستوردين من تركيا". وأشار ترامب إلى أن الليرة التركية "تنهار بسرعة شديدة أمام عملتنا القوية الدولار". I have just authorized a doubling of Tariffs on Steel and Aluminum with respect to Turkey as their currency, the Turkish Lira, slides rapidly downward against our very strong Dollar! Aluminum will now be 20% and Steel 50%. Our relations with Turkey are not good at this time! — Donald J. Trump (@realDonaldTrump) August 10, 2018 خطوة ترامب زادت من معاناة العملة المحلية، ودفعتها إلى تسجيل انهيار تاريخي، حيث خسرت 19 بالمائة من قيمتها في يوم واحد، حيث وصل سعر الدولار إلى 6.57 ليرة تركية. وجاء ذلك بعد أيام من خطوة أخرى أقدمت عليها واشنطن بتجميدها أرصدة وزيري الداخلية والعدل الأمريكيين، وذلك ردا على قرار لمحكمة تركية رفضت إطلاق القس برانسون. الرد التركي وردا على هذه الخطوات، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن الغرب بالتآمر على العملة التركية من أجل الإضرار باقتصاد بلاده، ودعا مواطنيه إلى استبدال الليرة بالدولار واليورو. واعتبر أن التضامن سيكون أهم رد فعل على ما يفعله الغرب، مشيرا إلى أن الأزمة "مصطنعة"، وتعهد بأن تركيا ستكسب "الحرب الاقتصادية" وستغير وجهتها بحثا عن حلفاء آخرين. بدورها أبدت الأحزاب والقوى السياسية في تركيا حالة إجماع في الموقف من الأزمة، وبما في ذلك المعارضة التي تجمعها خلافات عميقة مع الرئيس والحزب الحاكم. وقال رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال قليجدار أوغلو إن "تغريدات ترامب عدائية، وتمس كرامة شعبنا، وهذا أمر غير صائب ولا نقبله إطلاقا"، كما صدرت مواقف مماثلة عن قادة أحزاب سياسية أخرى. خلافات تاريخية كامنة ومنذ تسلم العدالة والتنمية الحكم في تركيا؛ تعاني العلاقات بين البلدين من أزمات من وقت لآخر، مردّها إلى تغيُّر طبيعة العلاقة بعد انتهاء الحرب الباردة، وتبدل نظرة تركيا لمكانتها ودورها في الإقليم والعالم. حيث ترفض واشنطن المتغيرات الحاصلة في الطرف التركي، أو تقبل برغبة أنقرة في ندّية العلاقات بينهما واستقلالية قرار سياستها الخارجية. يشكل التباين الواضح في الموقف من إسرائيل أحد أبرز مظاهر الخلاف بين واشنطنوأنقرة. ففي حين تبقى الولاياتالمتحدةالأمريكية الراعي الأوحد والمدافع الشرس عن ممارسات إسرائيل في الأراضي المحتلة، أقدمت تركيا مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة على تغيير مواقفها لتصبح ضمن أوائل المدافعين عن قضايا الشعب الفلسطيني ونصرتها في المحافل الدولية. كما ترفض الولاياتالمتحدة تسليم تركيا فتح الله غولن، المتهم الأول في المحاولة الانقلابية الفاشلة صيف 2016، ومماطلتها في التعاون بشأن ملف التحقيق معه. بالإضافة إلى ذلك، ساهم الدعم الأميركي المستمر والمتزايد للفصائل الكردية المسلحة في سوريا والمصنفة على قوائم الإرهاب التركية في زيادة حدة التوتر بين البلدين. وأدت هذه الأزمات، وغيرها، إلى إقدام تركيا على الإقتراب أكثر من روسيا، التي نسجت معها تفاهمات ومسيرة تعاون في القضية السورية، ووقعت معها صفقة أس 400 الدفاعية ذات البعد الإستراتيجي.