الخلاف قوي وعميق بين الإخوان، بل يكاد يكون أطول خلاف عرفه الحزب، دون أن يصل بشأنه إلى حل. وأظهر السجال، الذي احتضنه الملتقى الوطني لشبيبة حزب العدالة والتنمية، أن الإخوان قلقون وحائرون. ذلك أن الجدال الذي احتضنه الملتقى أعاد الخلاف إلى المربع الأول، وكشف أن البيت الداخلي للحزب لم يتعاف بعد. بل إن قيادة الحزب الذي يقود الحكومة مختلفة حد التناقض. انتقلت حركة التوحيد والإصلاح، في علاقتها بحزب العدالة والتنمية، إلى مرحلة جديدة، شعارها الفصل على مستوى الهيئات التنفيذية، كما كشفت ذلك بعض نتائج المؤتمر السادس للحركة، المنعقد أخيرا بالرباط، والمتمثلة أساسا في انتخاب قيادة جديدة للحركة خالية من أي قيادي في حزب العدالة والتنمية. هذا التطور الجديد في العلاقة بين الهيئتين، اللتين تجمع بينهما وحدة المشروع السياسي والاجتماعي، وتفترقان في التنظيم والآليات، دفع البعض إلى التساؤل حول تداعيات التوجه نحو الفصل لدى الحركة على القوة السياسية والانتخابية للحزب؟ مسار الفصل مرت العلاقة بين حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية بثلاث مراحل؛ مرحلة أولى بين سنتي 1996 و2003، تُوصف بأنها كانت مرحلة «الاحتضان الكامل»، أعادت خلالها الحركة تأسيس حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية، الذي كان قد أسسه الراحل عبد الكريم الخطيب سنة 1967 بعد انفصاله عن الحركة الشعبية على خلفية الموقف من حالة الاستثناء (1965-1970). إعادة تأسيس الحركة حزب الخطيب جرت بناء على اتفاق بين الطرفين، بمقتضاه انخرطت قيادات وأعضاء في الحركة داخل الحزب، وهكذا جرى إحياؤه من جديد بعدما كان هيكلا ميتا. وهي عملية تحملت فيها الحركة كل شيء، بما في ذلك توفير الموارد المالية اللازمة لإعادة التأسيس. بل إن أحمد الريسوني، الذي كان رئيسا للحركة خلال تلك الفترة، سبق وأن صرّح بأن الاستعدادات للانتخابات التشريعية والجماعية لسنة 1997 تمت داخل الحركة وبإشراف مباشر من مكتبها التنفيذي. المرحلة الثانية بدأت معالمها بعد الفوز الانتخابي الذي حققه حزب العدالة والتنمية سنة 2002، وبدأت فعليا بعد 2003، إثر الأحداث الإرهابية ل16 ماي 2003، التي شكلت فرصة لجهات في الدولة وبعض القوى السياسية والحزبية للانتقام من حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح، ذلك أنه بعد فشل مشروع حلهما، جرى الانتقال إلى خطة إضعافهما معا من خلال الضغط عليهما للفصل بينهما. مطلب الفصل الذي رفعته جهات في الدولة ووسط الأحزاب أجابت عنه الحركة بشعار «التمايز لا الفصل»، وقدمت تصورا للتمايز بين الحركة على مستويات ثلاثة؛ الرموز والخطاب والوظائف. وإذا كان التمايز في الوظائف قد تحقق بسرعة، إذ أعلنت الحركة أن وظائفها ثلاث؛ الدعوة والتربية والتكوين، وإذا كان الخطاب السياسي والاحتجاجي قد تراجع تدريجيا، إلا في ما له علاقة بالمرجعية الأخلاقية والقيمية للمجتمع، فإن التمايز على مستوى القيادات تطلب وقتا أطول وإجراءات متتالية. ومن بين تلك الإجراءات، منع وعاظ ودعاة الحركة في المساجد من الدعاية للحزب بأي شكل من الأشكال، بحجة الحفاظ على قدسية أماكن العبادة، من مساجد وغيرها، ومنها إقرار حالة التنافي في المسؤوليات، أولا على مستوى رؤساء الهيئات ونوابهم، ثم على مستوى العضوية في الهيئات التنفيذية، وهو الوضع الذي تحقق بالتدريج منذ سنة 2003 حتى اليوم. لتبدأ الحركة مرحلة ثالثة في علاقتها بالحزب، تتمثل في الفصل بينها وبينه عمليا على مستوى الهيئات التنفيذية. الفصل مع الشراكة يظهر من خلال التجربة أن الفصل على المستوى التنظيمي بين الحركة والحزب تحقق في الممارسة، ذلك أن الحركة وجدت نفسها، مع تقدم عملها في المجتمع، بحاجة إلى الفصل. بلال التليدي، الأستاذ الباحث، يرى أن التمايز بين الحركة والحزب تطور بالتدريج حتى «وصلنا اليوم إلى واقع الفصل»، مؤكدا أن ما حدث أخيرا «هو استكمال لمسار وليس شيئا جديدا». واعتبر التليدي أن حديث قيادة الحركة عن الفصل «لا يلغي أن بين الحركة والحزب شراكة استراتيجية، وهي شراكة قائمة ومستمرة». في الواقع، كانت الحركة أمام رأيين وهي تعد المؤتمر السادس؛ الرأي الأول يقول بالانتقال إلى طور جديد في التمايز، ومعناه استكمال التمايز على مستوى الرموز، ويعتبر التوجه نحو الفصل بين الحركة والحزب على مستوى الهيئات التنفيذية أحد أشكال التمايز وليس الفصل. بمعنى آخر، يرفض أصحاب هذا الرأي الحديث عن الفصل على مستويين؛ مستوى العضوية في الحركة والحزب معا، فمن حق أي عضو في جمعية أن ينتمي إلى حزب سياسي على اعتبار أنه حق دستوري، وبناء عليه من حق عضو في الحركة أن يكون عضوا في حزب العدالة والتنمية. المستوى الثاني يتعلق بالعضوية في هيئات الرأي والاستشارة، مثل مجلس الشورى في الحركة والمجلس الوطني في الحزب. لكن هناك طرحا ثانيا يشترك مع الأول في القول بالفصل على مستوى الهيئات التنفيذية، ويضيف إليه مقتضى جوهريا مفاده «الحق في الانتماء الحزبي، دون التقيد بالانتماء إلى حزب العدالة والتنمية»، وهو المقتضى الذي يعني الإقرار بحق أعضاء الحركة في الانتماء إلى أكثر من حزب سياسي. ذلك أن الحركة قبل سنوات كانت ترفض الانتماء الحزبي إلى غير حزب العدالة والتنمية، وإذا حدث ذلك كانت تحرك مسطرة المحاسبة والتأديب في حق من يخرقه. لكن، تدريجيا، تراجعت عمليا عن هذا التوجه، خصوصا بعدما قررت فتح مجالسها التربوية للعموم من غير أعضاء الحركة. لقد أدى فتح المجالس التربوية -يقول مصدر قيادي- إلى استقطاب أعضاء في أحزاب أخرى، مثل حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي وغيرهم. عبد الرحيم الشيخي، رئيس الحركة، قال ل«أخبار اليوم» إن المجلس التربوي الذي هو عضو فيه «يحضره أعضاء أحزاب أخرى». بالنسبة إلى القيادي المذكور، فإن «تنوع انتماء أعضاء الحركة إلى أحزاب أخرى يستدعي منها أن تتعامل معهم على قاعدة المساواة، لا أن تفضل حزبا على آخر، وهو الواقع الذي يفرض عليها الإقرار لأبنائها بالحق في الانتماء الحزبي دون التقيد بحزب العدالة والتنمية». لكن يبدو أن قيادة الحركة تتحفظ على هذا التوجه، وتجد في ذلك دعما من قيادة حزب العدالة والتنمية كذلك، ففي المؤتمر الأخير للحركة، ركّزت مداخلات سعد الدين العثماني، الأمين العام للحزب وعضو مجلس شورى الحركة، وأيضا نائبه سليمان العمراني، على هذه القضية الجوهرية في العلاقة بين الطرفين، فالعثماني عبّر صراحة عن رفضه خيار الفصل التام بين الحزب والحركة، وقال للمؤتمرين: «إن الحركة هي الأصل، وإذا قررت الحركة التخلي عن الحزب، فمعنى ذلك أنه يجب أن نعود جميعا إلى الحركة، وأنا أول من سيعود إليها». ومع ذلك، هناك رأي ثالث داخل الحركة يقول بالفصل التام، أو، بعبارة أحمد الريسوني: «بإمكان الحركة أن تنسى حزب العدالة والتنمية بالكامل»، وكأنه لم يكن لها به علاقة يوما ما. وتجد دعوة الفصل التام صداها لدى شباب الحركة وبعض دعاتها ممن يرون أن العلاقة الحالية بين الحزب والحركة تؤثر سلبا على المشروع الدعوي والتربوي، بسبب إغراءات العمل الحزبي والسياسي. تراجع «البيجيدي» تتجه الحركة، إذن، بقوة الأمر الواقع، إلى الانفصال عن الحزب، مادام موضوع الفصل لم يعد طابو داخل الحركة وبين أبنائها. لكن، ألن يؤثر ذلك سلبا على حزب العدالة والتنمية؟ من خلال تحليل موقف العثماني، الذي عبّر عنه في مؤتمر الحركة، يظهر أن اعتراضه على الفصل ربما سببه الأزمة التي يمر بها حزب العدالة والتنمية، فهو يستنجد بالحركة من أجل الخروج من الأزمة، خصوصا أن الحركة كان موقفها من الولاية الثالثة للأمين العام السابق، عبد الإله بنكيران، لصالح العثماني، بدعوى احترام المشروعية. ومعنى ذلك أن أي توجه نحو الفصل بين الحركة والحزب فيه إضعاف للعثماني وفريقه، أمام بنكيران وفريقه. العثماني قال للمؤتمرين: «هناك جهات تشتغل على الفصل، فلا تستجيبوا لها». يشير هذا التحليل إلى قناعة لدى البعض فحواها أن توجه الحركة نحو الفصل قد يفاقم أزمة الحزب، وبالتالي، تراجعه سياسيا وانتخابيا. لكن قياديا بارزا في الحزب يرى خلاف ذلك تماما، فحسب وجهة نظره، فإن «ارتباط الحركة بالحزب يحميها من الدولة»، ذلك أن «مشكل الدولة اليوم ليس مع الحزب، بل مع الحركة في حد ذاتها، بسبب أنها تنافس الدولة في حقل إمارة المؤمنين». القيادي نفسه يؤكد أن الفصل قد يضعف الحركة وليس الحزب، الذي تأكد في كل المحطات الانتخابية، منذ سنة 2011، أنه قادر على المنافسة، وعلى تحقيق الأهداف التي يسعى إليها. بلال التليدي، الأستاذ الباحث، يقدم قراءة مختلفة قائلا: «هناك إشكال جديد لم تلتفت إليه الحركة بعد، فحتى لو فصلت على مستوى القيادات التنفيذية، ستتدخل قيادات ورموز الحركة في شؤون الحزب، فالذين عبؤوا ضد الولاية الثالثة لبنكيران كانت منهم قيادات في الحركة، ومادام هذا الوضع قائما ويتكرر، فإنه لا جدوى من الفصل ولن يكون له أثر». ويشير التليدي إلى صعوبة الفصل بين الطرفين، بسبب الاشتراك في المشروع والفكرة، قائلا: «لن يكتسب الفصل معناه الحقيقي إلا إذا التزمت قيادات الحركة بعدم التدخل في الشأن الحزبي»، مؤكدا أن «الزواج الكاثوليكي بين الحركة والحزب ليس مفيدا للحركة، التي عليها أن تنوع من خياراتها وشراكاتها مع أكثر من حزب سياسي». بيد أن مصطفى بوكرن، الباحث في الفكر الإسلامي، يرى أن الحديث عن الفصل «مجرد خطاب إعلامي» غرضه «طمأنة الدولة ومن يضغطون على الحركة لأجل الفصل مع الحزب»، أما في الواقع، «فلن يكون هناك فصل، لأن هناك مشروعا واحدا تشتغل في إطاره تنظيمات متعددة من بينها الحزب»، ويضيف بوكرن: «ليس هناك فصل حقيقي، ويصعب تحققه حاليا، بسبب عبقرية التنظيم»، لذلك، من «السابق لأوانه الحديث عن تأثير سلبي على الحزب».