comإن أسوأ نهاية يمكن أن تحدث لامرئ، هي تلك التي حدثت لمحمد بوسعيد؛ فلا أحد سيقول في وداعه كلمة طيبة ولو من باب المجاملة. رفاقه في الحزب وأصدقاؤه من خدام الدولة عادة ما يبتلعون ألسنتهم عندما تأتي الصفعة من المشور السعيد. أما المهتمون بالشأن السياسي، من عموم المغاربة، والذين يلتمسون الأعذار للمبعدين من السلطة، ويتعففون، في مثل هذه الحالات، عن رشق سيارة الإسعاف بالحجارة، فقد قطع بوسعيد معهم شعرة معاوية وناصبهم العداء، عندما اختار أن يكون خزندارا للتحكم، وليس وزيرا في حكومة لها رئيس وتخضع للمراقبة والمحاسبة، وذلك بدءا من البيان الذي أصدره رفقة وزير الداخلية السابق، محمد حصاد، للدفاع عن استفادة «خدام الدولة» من أراضٍ مهمة بثمن بخس، وهو البيان الذي عربد فيه بوسعيد وحصاد على رئيسهما في الحكومة، وأكدا به ما سبق أن قاله بنكيران، وأغضب الملك، عن أن المغرب فيه دولتان؛ «واحدة يقودها جلالة الملك، والأخرى لا نعرف من يقودها ولا من أين تأتي قراراتها، ولا من أين تأتي تعييناتها»، وانتهاءً بهجومه على الشعب من داخل مجلس الشعب، ووصفه المنخرطين في حملة المقاطعة الشعبية ب«المداويخ»، حيث جرى إطلاق عريضة شعبية للمطالبة بعزله، تحدثت عن «ملفات بوسعيد السوداء، واستماتته في الدفاع عن اللوبيات الاقتصادية المحتكرة للسوق المغربية»، فكان مصيرها التجاهل، مثل البيان الذي كانت قد أصدرته 22 منظمة حقوقية في يوليوز 2016، وطالبت فيه بإقالة حصاد وبوسعيد، وفتح تحقيق قضائي وبرلماني ومن طرف المجلس الأعلى للحسابات في قضية خدام الدولة، لكن عبثا، حيث لم يُحفل بها أو ببيانها. إعفاء بوسعيد من منصبه، في هذا التوقيت بالذات ومن طرف الملك، يعيدنا إلى نقاش وزارات السيادة، وما إذا كان رئيس الحكومة، بكل صلاحياته الدستورية الجديدة، قادرا على ضبط سلوك وزراء بعينهم، بَلْهَ أن يطلب من الملك إعفاءهم كما هو محدد له في الفصل 47 من الدستور. وهذا يجعلنا نتساءل: هل كان العثماني، وقبله بنكيران، رئيسين فعليين لبوسعيد عندما وقع هذا الأخير بيان يوليوز 2016، واتهم فيه حزب رئيس الحكومة بقيادة «حملة مغرضة» ضد خدام الدولة، وعندما خرج يتهم المغاربة بالمداويخ، أو عندما سحب، قبل هذا وذاك، صندوق تنمية العالم القروي، الذي تضم ميزانيته 55 مليار درهم، من بنكيران ووضعه تحت تصرف أخنوش؟ إن الصيغة التي استعملها بلاغ الإعفاء: «هذا القرار الملكي يأتي في إطار تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، الذي يحرص جلالة الملك على أن يطبق على جميع المسؤولين مهما بلغت درجاتهم، وكيفما كانت انتماءاتهم»، هي صيغة جاءت لنفي أمر وتأكيد آخر. أولا، نفي أن يكون الحزب الذي ينتمي إليه بوسعيد حزبا للدولة تختار وزراءه وتوجههم وتحميهم، وهي الفكرة التي ترسخت، أساسا، منذ النزول المفاجئ لأخنوش على رأس التجمع الوطني للأحرار، وما تلاه من خلط وإعادة ترتيب للحقل الحزبي. ثانيا، تأكيد أن الملك وحده القادر على إيقاف المسؤولين «مهما بلغت درجاتهم» عندما تتجاوز أخطاؤهم عتبة المسموح به. من جهة أخرى، فإن خلو بلاغ الديوان الملكي من أي توضيح لأسباب إعفاء بوسعيد، وخروج مصطفى الخلفي، في الندوة الصحافية التي أعقبت انعقاد المجلس الحكومي، للقول: «ليس لدي ما أضيفه إلى ما جاء في بلاغ الديوان الملكي»، يؤكد أن الحكومة لا تتجرأ حتى على إعادة ترديد قصاصة وكالة المغرب العربي للأنباء، التي تلت بلاغ إعفاء بوسعيد، وقالت بوضوح إن «التقرير الأخير لوالي بنك المغرب كشف تدهور المالية العامة خلال سنة 2017». محمد بوسعيد واحد من خيرة مهندسي المدرسة الوطنية للقناطر والطرق بباريس، الذين خسرتهم الأوراش وابتليت بهم السياسة في بلدنا، فأصبحوا يتعاملون مع المغاربة تعاملهم مع الإسمنت والحديد، ويستكثرون عليهم الديمقراطية والشفافية، لذلك، عندما أسندت إليه حقيبة المالية والاقتصاد تصرف مثل خزندار يحتقر كل الملاحظات والانتقادات، باستثناء التي تأتيه من الحكمدار، الذي تعددت أسماؤه وتنوعت بين التحكم والتماسيح والعفاريت والدولة العميقة.