أعادت دعوة الملك إلى تشبيب العمل الحزبي، في خطاب العرش الأخير، فتح نقاش واسع في وسائل التواصل الاجتماعي حول الشباب المغربي والسياسة، وما إذا كان جيل 20 فبراير منصرفا عن السياسة إلى أمور أخرى، أم إنه من أكثر الأجيال مصالحة مع السياسة وانكبابا عليها، وأشدها مخاصمة للأحزاب التي يعتبرها مجرد دكاكين سياسية؟ إن عزوف الشباب عن الأحزاب ليس مرده فقط إلى كون هذه الأحزاب يقودها شيوخ، بل أيضا لأن آليات اشتغالها، بالنسبة إليهم، باتت أشبه بقطار بخاري في زمن التيجيفي، وطرق تواصلها مع الشباب أشبه بشيخ متصابٍ يخطب ود فتاة في العشرينات عبر صندوق البريد، فيما هي تتلقى، كل دقيقة، مئات رسائل الإعجاب من أقرانها في العالم، عبر الإيمايل والفايسبوك وتويتر وواتساب… لقد كان الخطاب الملكي واضحا في هذا الصدد عندما ربط دعوته إلى تشبيب الأحزاب بتجديد أساليب وآليات اشتغالها: «والواقع أن الأحزاب تقوم بمجهودات من أجل النهوض بدورها، إلا أنه يتعين عليها استقطاب نخب جديدة، وتعبئة الشباب للانخراط في العمل السياسي، لأن أبناء اليوم هم الذين يعرفون مشاكل ومتطلبات اليوم. كما يجب عليها العمل على تجديد أساليب وآليات اشتغالها»، يقول الملك. لكن، هل يكفي تغيير آليات اشتغال الأحزاب ونفض الغبار عن بنيات استقبالها الشباب، إلى مصالحتهم مع السياسة، ونجاحها في تحويل طاقة الانتقاد والاحتجاج الشبابي، غير المنظم، إلى رأسمال اقتراحي وحركي منظم داخل الأحزاب وإطاراتها الموازية؟ لقد رأينا، خلال السنوات الأخيرة، أن الكثير من مستعملي وسائط الاتصال الحديثة هم شباب مستلبون بأفكار شيوخ التطرف، وهذا خلخل الاعتقاد الفلسفي الذي ساد طويلا عن أن «الآلة تخلق ميتافيزيقاها»، وأظهر أن التقنية الحديثة، في غياب دولة مؤسسات حديثة، تنتج أفكارا أكثر قدامة. إن ما قاله الملك عن أهمية تجديد الأحزاب أساليب وآليات اشتغالها، أمر مهم، لكنه يبقى غير كاف. وبالعودة إلى عزوف الشباب عن الأحزاب، وحتى لا نتوه كثيرا، فإقناع شاب بالخروج من الفايسبوك إلى حزب سياسي، لن يكون ذا فائدة إلا إذا ضمن له هذا الحزب منسوب الحرية التي يعبر بها في فايسبوك، وضمن له، أساسا، أن يوصل مطالبه وأحلام جيله بنفسه إلى مراكز القرار عبر وجوده في المراكز التمثيلية والتنفيذية، وهذا لن يتحقق إلا بوجود ديمقراطية حقيقية، وما يترتب عليها من حرية في التعبير واستقلالية في القرار، وهما شرطان تفتقر إليهما أغلب الأحزاب التي تشتغل داخل المؤسسات. لنكن واضحين، طالما أن سياسة الدولة بشأن الشباب قائمة على أولوية الوطنية على المواطنة، ويحكمها هاجس تفريخ شباب «وطنيين» من نوع «الشباب الملكي»، ممن يُشحنون من أحزمة البؤس لاستعمالهم في مواجهة شباب «مواطنين» مستقلين، ينشدون الكرامة والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، فإن نفور الشباب من المؤسسات يبقى ثابتا مهما فعلت الدولة لدفعهم إلى ممارسة السياسة من داخل الأحزاب، بل إن هذه السياسة لا تعي خطورتها الكامنة في الفصل بين الوطنية والمواطنة، إلى درجة أن أغلب المثقفين المستقلين أصبحوا يتجنبون استعمال عبارة وطني تجنبا لأي خلط بينهم وبين إعلام البروباغندا والأحزاب الإدارية التي ميعت استعمال هذا المفهوم النبيل. لذلك، فالتحاق الشباب بالأحزاب سيكون تلقائيا عندما يحسون بأن الأحزاب تملك قراراتها المستقلة عن الدولة، وأنها هي التي تقود الدولة عندما تصل إلى الحكومة. لعل الفترة الذهبية لانخراط الشباب في الأحزاب الديمقراطية كانت عندما كان الانتماء قائما على الانفتاح وليس الاستقطاب، لأن الاستقطاب يفترض وجود قطب مركزي، هو الحزب، يجذب إليه أفرادا ومجموعات من الهامش. لذلك، فلا معنى لمصالحة الشباب مع العمل الحزبي إذا لم ترفع الدولة يدها وهواجسها عن التنظيمات المستقلة للشباب، من قبيل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وتتوقف عن منع أنشطة قانونية، مثل المخيمات الشبابية للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، التي مر منها كثير من علمانيي حركة 20 فبراير، الذين أقاموا توازنا مهما مع الإسلاميين خلال حراك 2011.