كانت الإشارة التي بعث بها الملك محمد السادس إلى الأحزاب السياسية، في خطاب عيد العرش الذي ألقاه مساء أمس الأحد، واضحة فحواها أنَّ هذه الأحزاب بحاجة ماسّة إلى ضخّ دماء جديدة في هياكلها، لتطوير أدائها، باستقطاب نُخب جديدة وتعبئة الشباب للانخراط في العمَل السياسي. ويبدو أنَّ ما دفع الملك إلى دعوة الأحزاب السياسية إلى استقطاب نخب جديدة هو فشل الأحزاب في القيام بدور الوساطة بين الدولة والمجتمع. وقد تجلّى ذلك الفشل بوضوح خلال الحركات الاجتماعية التي عرفها المغرب في الآونة الأخيرة، حيث ظلّ دور الأحزاب السياسية شبْه غائب. ولمّح الملك في خطاب العرش إلى عجز الأحزاب السياسية المغربية عن القيام بدور الوساطة بالقول: "يتعين عليها استقطاب نخب جديدة، وتعبئة الشباب للانخراط في العمل السياسي؛ لأن أبناء اليوم هم الذين يعرفون مشاكل ومتطلبات اليوم. كما يجب عليها العمل على تجديد أساليب وآليات اشتغالها". وبلغة مباشرة أكثر، دعا الملك الأحزاب السياسية إلى القيام بدورها، قائلا "فالمنتظر من مختلف الهيئات السياسية والحزبية التجاوب المستمر مع مطالب المواطنين، والتفاعل مع الأحداث والتطورات التي يعرفها المجتمع فور وقوعها، بل واستباقها، بدل تركها تتفاقم، وكأنها غير معنية بما يحدث". السعيدي: مشهد معطوب أمين السعيدي، باحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، يفسّر دعوات الملك المستمرة إلى الأحزاب بتجديد أسلوب عملها ب"محاولة إبعاد الدولة عن المواجهة المباشرة مع المجتمع وتطويق إيقاع الطلب المجتمعي الاحتجاجي المتزايد الذي يفوق بكثير عمل هيئات الوساطة". ويتوقع السعيدي ألّا تغيّر الأحزاب السياسية نهج عملها، بالرغم من الرسائل القوية التي حمَلها خطاب العرش الأخير، قائلا "المشهد السياسي سيظل معطوبا نظرا لغياب أحزاب حقيقية مستقلة عن الأعيان، كما أنَّ بِنية الهيئات الحزبية في المغرب استعصت على التغيير بفعل هيمنة ثقافة سلطوية أبوية لا تؤمن بالكفاءات وبالنخب الشابة". إشكالية "هيمنة الثقافة السلطوية الأبوية التي لا تؤمن بالكفاءات والنخب الشابة" على الأحزاب السياسية المغربية، يرى السعيدي أنها ستطرح تحدّيا مباشرا على الأحزاب غير المهيكِلة، ومدى قدرتها على الانفتاح على الشباب. وفي المقابل، فإنّ الخطاب الملكي الأخير قدّم عرضا للطاقات الشابة من أجل الانخراط في الأحزاب السياسية؛ وهو الأمر الذي سيشكل اختبارا قويا لمدى قدرة الشباب على ممارسة التدافع الداخلي من أجل تحقيق تطلعات المجتمع المغربي، يقول الباحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس الرباط. بودن: تحيز إيجابي دعوة الملك محمد السادس الأحزاب السياسية المغربية إلى تجديد نُخبها والانفتاح على الشباب، حسب محمد بودن، الباحث الجامعي في العلوم السياسية، يقوم على تصوُّر ذي ثلاثة أبعاد؛ وهي ضرورة تغيير طرق العمل، وتغيير العقليات بما يؤسس لتقاليد سياسية معاصرة ومعبّرة عن المتغيرات المجتمعية، وابتكار أفكار جديدة تقوم أجوبة عن التطلعات الملحّة للمجتمع. ويرى بودن أنَّ دعوة الملك الأحزابَ السياسية إلى الانفتاح على الشباب وفتح المجال أمامهم للانخراط في العمل الحزبي والسياسي "تعكس تفضيلا واضحا لتجديد النخب ورغبة في اضطلاع الشباب بدور مهم في المشروع الوطني"، مضيفا أنّ "الإشراك الحقيقي يجب أن يشمل مختلف مفاصل الحياة العامة؛ لأنه يمثل منطلقا عمليا للرفع من سرعة البلاد". وليست هذه المرة التي يدعو فيها الملك الأحزاب السياسية والحكومة إلى الانفتاح على الشباب وإشراكهم في الحياة العامة، إذ سبق له أن دعا الحكومة في خطاب افتتاح السنة التشريعية السابقة إلى وضع سياسة مندمجة للشباب. ويرى الباحث الجامعي في العلوم السياسية أنّ الرسائل التي تضمنها خطاب العرش الأخير "تؤكد أن الشباب ليس مكونا وافدا أو دخيلا أو مجهولا، وأنه ابن المشهد الوطني وابن عصره، ويجب أن يسهم في هذا العصر بشكل يوازي التزامه وطموحه"، مبرزا أن "الدعوة الملكية لتمكين الشباب وتشبيب النخب تمثل فرصة حقيقية لمحاصرة الشيخوخة في المفاصل السياسية". واستطرد المتحدث ذاته أنّ ما وصفه ب"التحيز الإيجابي للشباب" مطلوب في وقتنا الحاضر للتغلب على الستاتيكو (الجمود) الذي يطبع المشهد السياسي وينعكس على أدوار الأحزاب، خاصة أدوار التنشئة والوساطة والعمل الدبلوماسي الحزبي، وأردف "على الفاعلين السياسيين أن يتوقفوا عند الرسالة الملكية طويلا، وأعتقد أنهم سيلتقطون معناها جيدا". واعتبر بودن أنّ فكرة تشبيب المشهد السياسي التي حملها الخطاب الملكي "هي دعوة صريحة لخلق تنوع في قادة المشروع الوطني، وهو أمر طبيعي قبل أن يكون ضروريا ويمثل مظهرا من مظاهر فهم السياق جيدا، ومن شأنها دفع عدد الساسة إلى التخلي عن فكرة الترشح للمسؤوليات الوطنية في سن متقدم". وتابع الباحث الجامعي في العلوم السياسية: "على ضوء هذا التأكيد الملكي يتبين أن صوت الوطن في حاجة لحناجر شابة تعتنق الواقعية والموضوعية وتتملك خلفيات علمية وفكرية قوية، طالما ان متوسط أعمار القادة السياسيين في المغرب يتجاوز 62 سنة وهو معدل متقدم بالمقارنة مع متوسط أعمار القادة السياسيين في المحيط الإقليمي للمغرب".