عباس الجيراري، مفكر وأكاديمي مغربي مرموق، ومستشار للملك محمد السادس. أغنى المكتبة المغربية والعربية بعشرات الكتب في الفكر الإسلامي وقضايا الثقافة والتراث. في هذه السلسلة الحوارية، يفتح الجيراري قلبه وعقله ل«أخبار اليوم» حول كل شيء. هناك من يعتبر أن الدارجة المغربية بدورها تتعرض لمؤامرة، شأنها شأن اللغة العربية. هل تتفق مع هذا الرأي؟ الدارجة المغربية أنواع، هناك الدارجة الراقية المتضمنة صورا وخيالا ومفردات راقية، وهي الدارجة التي نجدها مثلا في الملحون، وهناك عامية أخرى «واطية»، وهي عامية الشارع. ما يحدث اليوم مقصود بهدف إفساد لهجة العوام، والمدرسة الكبرى التي تمارس ذلك هي الإعلام. وما يعلمه الإعلام للنشء هو أكبر مما تعلمه المدرسة، وأكثر مما تعلمه الأسرة. للأسف، ورغم وجود طاقات فنية وطاقات تقنية كبيرة، سواء في التمثيل أو الإعلام وما قاربه، فإننا لا نجد شيئا من ذلك ينعكس على الإعلام، بل على العكس نجد صورة أخرى، لا نتردد في وصفها بأنها صورة منحطة، وكأننا نقصد إفساد الذوق وإفساد الفكر وإفساد اللسان. طيب، كيف يمكن تقويم الإعلام، هذا اللسان الذي يخاطب المجتمع ليفسده اليوم؟ أي مظهر من مظاهر الفساد يحتاج إلى من يقومه ويصلحه. لكن من بيده ذلك؟ فإذا كان رجال التعليم أنفسهم يستعملون الدارجة، فإن ذلك يقودنا إلى التساؤل عن سبب تأخر المنظومة التعليمية وتتناسل الأسئلة. التعليم له دور في التقويم المفترض، لكنه تعثر منذ الاستقلال إلى الآن، ولا يزداد إلا تعثرا يوما بعد يوم، انطلاقا من لغة التعليم ومناهجه ومقرراته. ففي كل مرة تولد مجموعة من المشاكل وتتفاقم. والجهة الثانية التي يمكن أن نتحدث عنها هي الأسرة، فالأب يشتغل والأم تشتغل، والحمل كله ألقي على المدرسة، التي لم تعد قادرة على التحكم في التربية. فنحن اليوم منشغلون بالتعليم ونسينا التربية. التفكير كله اليوم منصب على كيف نقوّم التعليم نفسه، ولا أحد يلتفت إلى التربية، رغم أنه يفترض أن المدرسة تعلم وتربي. هل يحتاج التلفزيون المغربي إلى أطر واعية بضرورة هذا التقويم؟ أنا لا أشك في أن هناك وطنيين بين القائمين على شؤون الإعلام، وبينهم أطر وأشخاص أكفاء ولهم غيرة على القيم وعلى الهوية، لكن هناك تيارا جارفا… الميزات التي تحدثت عنها، أستاذنا، إذا توفرت حقا، يفترض أن تتجسد في أفعال لا في التنظيرات؟ هذا ما نريد أن نقوم به، فما ينشده المخلصون، سواء في الإعلام أو غيره، من إصلاح يحتاج إلى إرادة. والإرادة هنا ليست إرادتي أو إرادتك وإنما هي إرادة سياسية، أي الإرادة الكبرى التي يمكن أن توجه وتتحكم. وهذه الإرادة ينبغي أن يؤمن بها وينادي بها ويطبقها الجميع، بدءا من القائمين على شؤون الأمر. ولا يقبل من مسؤول مكلف أن يخرج ليقول: نحتاج إلى إرادة سياسية، لأنه في موقع المسؤولية ويجب أن يفعل لا أن يتكلم. هل تقصد الحكومة وأهل السياسة؟ السياسيون، الحكومة… وهنا أقول إن الأحزاب السياسية تخلت عن مهمتها التأطيرية للمواطن، بعدما كانت تضطلع بها أيام الحماية وفترة الوطنية، وتركت المجال فارغا، وأصبح صراعها الوحيد اليوم حول الانتخابات وعلى البرلمان وعلى المجالس. وبكل أسف، هذه هي العملة الوحيدة التي صارت تتعامل بها، وتركت المجال فارغا. وحتى السياسة نفسها أصبحت تتجاوز الأحزاب الوطنية، وأصبح يتسرب إليها من هب ودب. فماذا ننتظر بعد هذا؟ بكل أسف، الذين من مهمتهم توعية المواطنين وتأطيرهم وإنقاذهم مما هم فيه، وفتح الطريق أمامهم لما فيه خير الأمة وخير المجتمع، تخلوا عن كل ذلك. وأفراد الشعب اليوم متروكون للفراغ، لما يسمعونه من المسلسلات بتفسخها وعنفها، وما يسمعونه من لغة بذيئة في الشارع.