تحولت جلسة المساءلة الشهرية لرئيس الحكومة أمام مجلس النواب، أول أمس، إلى جدل صاخب حول الأحكام القضائية التي صدرت مؤخرا في حق معتقلي حراك الريف، والتي وصلت إلى 20 عاما سجنا في حق قائد الحراك ناصر الزفزافي. العديد من البرلمانيين انتقدوا بشدة الأحكام ووصفوها بالقاسية، في حين اعتبر العثماني أن "القضاء مستقل" ولا يمكنه كرئيس حكومة أن يتدخل فيه، لكنه عبر عن تعاطفه مع المعتلقين قائلا: "كرئيس حكومة ومواطن مغربي لا أفرح لاعتقال أي مواطن"، وذكر بما سبق أن تعرض له من اعتقال في معتقل درب مولاي الشريف قائلا: "كنت معصوب العينين والأصفاد في يدي وممنوع علي الكلام"، وأضاف "من عاش تجربة أليمة لا يمكن إلا أن يشعر بألم أي مواطن يعيش تجربة مماثلة"، مؤكدا على أنه يشعر بآلام الأمهات والآباء. لكن رئيس الحكومة شدد على أن القضاء المغربي بات "مستقلا وفق أحدث المعايير الدولية"، وأن البرلمان "ساهم في تعزيز هذه الاستقلالية على المستوى التشريعي"، لكنه أشار إلى أن المطروح اليوم، هو "رفع منسوب النزاهة والشفافية"، وهو أمر "منوط بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية". العثماني قال إنه لم يطلع على وثائق ملف الأحكام ضد معتقلي الريف، ولا على حيثيات الحكم، وقال: "لست مخولا لإبداء رأيي"، ودعا البرلمانيين إلى عدم التهجم على القضاء، قائلا: "إذا صدر حكم لا يعجبنا، لا يحب أن نحطم السلطة القضائية". انتقاد برلماني للأحكام وجاءت كلمة العثماني بعد انتقادات عدد من البرلمانيين من فرق مختلفة للأحكام الأخيرة. إدريس الأزمي، رئيس فريق البيجيدي، وصف الأحكام بأنها "قاسية" وشكلت "صدمة"، مشيرا إلى أن هناك قلقا ومخاوف لدى الرأي العام،" خاصة أن هناك "مؤشرات مقلقة في بعض الملفات، مشددا على أنه "لا يمكن أن نتغاضى عن التعبير عما يعتمل في مجتمعنا، وعن صدمتنا جراء الأحكام الصادرة"، مشددا على أن "هذه القضية لا يمكن التطرق إليها بمعزل عن السياق السياسي الذي حكمها". ومن جهته، هاجم نور الدين مضيان، رئيس الفريق الاستقلالي، بشدة تعامل الحكومة مع حراك الريف، منتقدا التضييق على الحريات ومنع التعبير السلمي وعدم ترخيص للجمعيات، والتضييق على الحقوقيين والصحافيين، والاعتقالات العشوائية، وتراجع الوضع الحقوقي ببلادنا. وقال "هناك قلق حقوقي واسع من تراجع الحريات تتحمل فيه الحكومة المسؤولية". واعتبر مضيان أن سوء تعامل الحكومة مع الاحتجاجات أجج الوضع، وخاصة بعد اتهام المتظاهرين في الريف بالانفصاليين، وتساءل "هل المقاربة الأمنية هي الحل؟". ووصف الأحكام التي صدرت بأنها "قاسيةّ وخلفت ردود فعل وطنيا ودوليا"، داعيا إلى مصالحة ومعالجة الجروح التاريخية واستشراف غد مشرق، محذرا من "خلق أسباب محاكمات صورية بناء على محاضر مفبركة". الاتحاديون: لسنا في سنوات رصاص من جهته، تفادى شقران أمام، رئيس فريق الاتحاد الاشتراكي، انتقاد الأحكام، لكنه انتقد بالمقابل من يصف الوضع في المغرب بأنه "عودة لسنوات الرصاص"، قائلا: "يصعب الحديث عن العودة لسنوات الرصاص"، معتبرا أن "مغرب اليوم، ليس هو مغرب الأمس". أما سعاد الزيدي، عن المجموعة النيابية للتقدم والاشتراكية، فدعت إلى التعامل "الذكي والحكيم" مع هذا الملف و"بعث نفسٍ ديمقراطي جديد"، معبرة عن استغراب المجموعة "لقساوة الأحكام"، ودعت إلى معالجة حقوقية وسياسية للملف، وتوسيع فضاء الديمقراطية وتلبية المطالب المشروعة. أما مصطفى الشناوي، برلماني فدرالية اليسار، فاستغرب من حكومة العثماني لكونها "تندد بخروقات في فنيزويلا ولا تتحدث عن الخروقات في المغرب"، وانتقد الحكومة لكونها "قامت ب"تخوين" المحتجين في الريف، وأزالت الغطاء السياسي عنهم "تمهيدا لاعتقالهم والحكم عليهم بالسجن". وخاطب الشناوي رئيس الحكومة الحكومة قائلا: "لا يكفي إعداد النصوص، بل يجب أن تكون حقوق الإنسان ممارسة"، محذرا من عودة سنوات الرصاص، ودعها إلى الإفراج عن المعتقلين، مشيرا إلى أنه تقدم بمقترح قانون العفو العام. من جهته، انتقد توفيق ميموني، برلماني البام، التعامل الأمني مع الاحتجاجات، مطالبا بإطلاق سرح المعتقلين واتخاذ إجراءات لبناء الثقة والتجاوب مع مطالب الساكنة، أما فريق الأحرار فتحدث بلهجة مغايرة وحذر مولود بركايو، عضو الفريق، ما وصفه ب"الفوضى وسياسة الشارع"، ودعا إلى "احترام قرارات القضاء بعيدا عن الأحكام الجاهزة وخدمة أي أجندة"، وقال إن فريقه يرفض أي تدخل أجنبي في سير القضاء المغربي، في إشارة إلى انتقادات بعض الدول، منها هولندا للأحكام، واعتبر بركايو أن القضاء المغربي "يراقب نفسه ذاتيا، ولا يراقب في الشارع". ورد رئيس الحكومة، بالدفاع عن "جو الحرية في بلادنا"، منتقدا تشبيه المغرب بما يحدث في فنيزويلا، قائلا: "ارحموا بلدكم. لسنا مثل فينزويلا التي قتل فيها 60 متظاهرا في الشارع"، مضيفا "بزاف تقولوا المغرب عاد لسنوات الرصاص".