طالما كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب متهورا، لكنه لم يحب قط اتخاذ القرارات، خصوصا تلك التي تتطلب تحليلا دقيقا للمشكلة. ولعل القرار الأصعب الذي واجهه خلال المائة يوم الأولى من ولايته هو القرار المتعلق بقضية أفغانستان. القرار أصبح أكثر صعوبة بسبب الشرخ الذي أحدثته المسألة بين مستشاريه والعاملين في البيت الأبيض، إذ انقسموا بين من يريدون الحفاظ على الوضع القائم، ومن يريدون تغييره عبر المزيد من الانخراط العسكري الأمريكى فى أفغانستان. وكان كبير المخططين الإستراتيجيين ستيف بانون، الذي عادة ما يوصف بالتطرّف واليمينيّة، على رأس الفريق الذى رفض تعزيز الوجود الأمريكى فى أفغانستان وإرسال 50 ألف جندي. أما الفريق الآخر، فكان يتزعمه الجنرال السابق ومستشار الأمن القومي هربرت ماكماستر ، الذى أصبح العدو اللدود لستيف بانون. وكان ماكماستر يريد أن تعزز أمريكا وجودها العسكرى فى أفغانستان لوقف تقدم «طالبان» على الأرض. لكن ترامب، كان مثل بانون لا يحب ماكماستر، بل إن ضيقه منه ازداد مع الوقت بسبب ضغوطه لاتخاذ قرار بشأن أفغانستان، وكان فى حالات كثيرة يسخر مع بانون سرا من ماكماستر. وفي سياق الضغط على ترامب لانتزاع قرار منه بشأن القوات الأمريكية في أفغانستان؛ ضغط بانون بالتعاون مع مؤسس شركة «بلاكووتر» من أجل إقناع ترامب بسحب القوات الأمريكية واستبدال رجال الشركات الأمنيّة الخاصة بها وبعض رجال السي آي إيه (CIA) ومجموعة من المتعاقدين العسكريّين الخواص، وقد اقتنع ترامب بهذا الطرح بالفعل، لكن هذه الفكرة قوبلت بالاستهزاء من طرف وزارة الدفاع الأمريكية. وواصل ترامب تأجيل القرار حول أفغانستان، قائلا كلما أثير الموضوع معه، "إن أفغانستان مستنقع وهذه المسألة ليست مشكلتي. لقد ورثتها عن الرئيسين السابقين جورج بوش الابن وباراك أوباما." أما دينا باول، نائبة ماكماستر، فقد اقترحت إرسال ما بين 4 إلى 7 آلاف جندى على الأكثر كى تبدو أمريكا وكأنها تفعل شيئا دون أن يثير هذا الرأى العام الداخلي. وهو الاقتراح الذى أيدته ابنة ترامب إيفانكا وزوجها جاريد كوشنر. وفى يوليوز 2017 كان بانون واثقا من أن ترامب سيقوم بعزل ماكماستر من البيت الأبيض بحلول غشت 2017 على أبعد تقدير. لكن دينا باول وكوشنر سربا للصحافة أخبارا إلى "واشنطن بوست" و"نيويورك تايمز" تدافع عن ماكماستر، وتتهم ستيف بانون باستخدام وسائل الإعلام اليمينية، المقربة منه، لتلطيخ سمعة ماكماستر. التقارير دافعت أيضا على ماكماستر بوصفه «عامل استقرار» داخل إدارة ترامب، فيما وصفت بانون بأنه يشكل «عامل اضطراب». ودافعت واشنطن بوست ونيويورك تايمز عن ماكماستر، وهاجمتا بانون وموقع «بريتبارت» اليمينى الموالي لبانون. ومع أن حملة التسريبات وضعت بانون فى موقف الدفاع، إلا أنه ظل يعتقد أنه مسيطر على الأمور. ولما اقترب وقت اتخاذ القرار، قدم مجلس الأمن القومى ثلاثة خيارات إلى ترامب: الخيار الأول : زيادة عدد القوات الأمريكية على نحو كبير لكن هذا يتناقض مع شعار ترامب "أمريكا أولاً"، والرئيس لا يريد المزيد من التورط. الخيار الثاني: الانسحاب. لكن هذا يصور ترامب كرئيس خسر الحرب وتخلى عن أفغانستان لطالبان، وهو موقف لا يمكن الدفاع عنه. والخيار الثالث: إرسال عدد محدود من القوات، وهو خيار أيده وزير الخارجية ريكس تيلرسون ضمن آخرين. قيادة الأركان توقعت أن يدعم ترامب الخيار الثالث بسهولة، لكن فى 19 يوليوز وخلال اجتماع لفريق مجلس الأمن القومى انفجر ترامب. لمدة ساعتين تحدث الرئيس غاضباً عن الفوضى التى تولاها بعد أوباما. وهدد بفصل كل قيادات الجيش. فلم يفهم لماذا أخذت قيادات الجيش كل هذه الأشهر لتأتى بخطة لا تختلف كثيراً عن الموجود. وقلل من أهمية الاقتراحات التى جاء بها الجنرالات. وقال: "إذا كان يجب علينا أن نكون فى أفغانستان. لماذا لا يمكننا كسب المال من ذلك؟. لماذا تملك الصين حقوق تعدين، لكن أمريكا لا؟" بالنسبة لبانون، لقد كان ترامب يقف أمام الجنرالات بشجاعة ويعارضهم كلما حاولوا التبرير بالمصطلحات العسكرية. يقول بانون: "إن ترامب سحق خططهم الأفغانية". ورغم أنه لم يتم التلميح إلى استراتيجية بديلة خاصة بأفغانستان، إلا أن بانون كان واثقا أنه الفائز هنا وأن أمر ماكماستر قد انتهى.