بعد قرار ترامب إقالة جيمس كومي، رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالية في 13 فبراير 2017، بتحريض من ابنته إيفانكا وزوجها جاريد كوشنر، بسبب تحقيقاته في تدخل روسيا في الانتخابات الأمريكية، انفتحت في وجهه أبواب الجحيم، إذ جاءت ردود الفعل بشكل غير متوقع. فقد واعتبرت وسائل الإعلام الأمريكية أن ترامب بخطوته هذه استبق تحقيقات كومي في دور روسيا في الانتخابات الرئاسية، وحاول من خلالها عرقلة التحقيقات. فإقالة كومي، التي كان من المفترض، وفقا لإبنة الرئيس وزوجها، أن تكون حلا لكل المشاكل، أطلقت العنان لعواقب وخيمة. هذه الأزمة الجديدة فتحت، بالمقابل، الباب أمام عودة كبير المستشارين بالبيت الأبيض، ستيف بانون إلى قلب الإدارة من جديد، بعد تهميشه، إذ كان من بين المعارضين لقرار الإقالة. وأصبح بانون يتفاخر بذكائه أمام الجميع بالبيت الأبيض قائلا: "لقد قلت لترامب لا تفعلها. لا أحد يقيل مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية. لكن العباقرة – إيفانكا وزوجها جاريد – كان لديهما رأى آخر." وخلال فترة تهميشه، ومن منفاه الداخلي في البيت الأبيض، تنامى عداء بانون بشكل كبير لكوشنر وايفانكا وكان يصفهما دائما بأوصاف سيئة في السر. لكن الآن ومع تفاقم أزمة إقالة جيمس كومي من منصبه، أضحى بانون يطلق انتقاداته اللاذعة جهرا، معتبرا أنهما انتهيا كمركز قوة في البيت الأبيض وإذا لم ينتهيا، فإنهما سيقضيان على الرئيس بنصائحهما السيئة. وفي أحد الاجتماعات بمكتب ترامب ، هاجم بانون ايفانكا قائلا وهو يشير إليها وترامب ينظر: "أنت كذابة كبيرة." في الماضي كانت شكاوي ايفانكا إلى والدها تضعف مركز بانون. أما الآن ، فقد رفع ترامب يديه وقال لها: "قلت لك هذه وظيفة صعبة يا طفلتي." وفي ماي 2017 نشرت صحيفة واشنطن بوست تحقيقا كشفت فيه أنه خلال المرحلة الانتقالية وقبل تنصيب ترامب، التقى كوشنر والسفير الروسي في واشنطن سيرجي كيسلياك، بمبادرة من كوشنر لبحث امكانية إنشاء قناة اتصال خاصة بين الكرملين والفريق الانتقالي. بانون حاول استغلال التحقيق لمهاجمة إيفانكا وزوجها، إذ اعتبر أنهما ملوثين الآن بالفضيحة الروسية، ووجودهما بالبيت الأبيض أصبح يشكل خطرا على الرئيس. أما هو فكان يتباهى أمام موظفي البيت الأبيض قائلا: "أنا لم أزر روسيا أبدا. أنا لا أعرف أي شخص من روسيا، ولم أتحدث أبدا مع أي روسي. وأفضل ألا أتحدث مع اي شخص تحدث مع شخص روسي." لم يكن الأمر مجرد صراع سياسي داخلي، بل كانت مبارزة حتى موت. لكي يعيش بانون، يجب أن يفقد كوشنر مصداقيته تماما، يتم التحقيق معه، وربما حتى سجنه. وفي 31 ماي 2017، شرع بانون في تطبيق خطته لإقامة جدار مضاد، مكون من محامين أقوياء، لحماية الرئيس من فضيحة روسيا. ولجأ بانون إلى المحامي مارك كاسويتز، الذي عينه ترامب خلال حملته الانتخابية للترافع عنه في قضايا كان يمكن أن تقضي على الحملة من بينها شكاوي النساء اللواتي اتهمن ترامب بالتحرش الجنسي. واتفق بانون مع كاسويتز، بوصفه محامي الرئيس، على توجيه نصيحة إلى ترامب فحواها: "أرسل الأطفال إلى المنزل." أو بعبارة أخرى، أطرد كوشنر وايفانكا من البيت الأبيض وأعدهما إلى نيويورك. لكن الرياح هبت بغير ما يشتهيه بانون، إذ أصبحت الأجواء متوترة داخل البيت الأبيض مع بدء تحقيقات روبرت مولر الرئيس الجديد لمكتب التحقيقات الفيدرالية. فكل موظفي الإدارة الذين استقالوا أو تم اقالتهم يمكن أن يكونوا شهودا أو يتعاونوا مع التحقيقات بأدلة. وهنا استحال مجددا طرد إيفانكا وزوجها من بيت الأبيض. هذا المستجد انعكس مجددا على علاقات ترامب وبانون. ومرة أخرى همش الرئيس كبير مخططيه الاستراتيجيين، بانون. وفي كل الحالات صارت تصورات بانون بأنه عاد بقوة إلى قلب القرار في البيت الأبيض مجرد أوهام. فهناك فريق وحيد قوي ومقرب جدا من الرئيس لا يريده ،وعلى رأس هذا الفريق ابنة ترامب وزوجها ودينا باول، نائبة رئيس مجلس الأمن القومي الأمريكي، وجاري كوهين، المستشار الإقتصادي للرئيس، ومستشار الأمن القومي الجديد، ماكماستر الذي جاء محل مايكل فلين. كما أن عودة بانون المفترضة تناقضت مع قواعد بيت ترامب الأبيض. وأهم هذه القواعد:" الأسرة أولا وفوق كل شيء.".