ترجمة: عزيز عليلو بعد إقالة مايكل فلين، مستشار الأمن القومي في 13 فبراير 2017، ظن دونالد ترامب أنه قد وضع حدا بذلك لتحقيقات مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) حول التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، خصوصا وأن التحقيقات كانت تركز على علاقات فلين المشبوهة بالروس. لكنه كان مخطئا، إذ مثل جيمس كومي، رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالية، في 20 مارس 2017، أمام لجنة المخابرات في مجلس الشيوخ، وقال في شهادته بوضوح: "بما أن مكافحة التجسس تدخل ضمن تخصصات المكتب المركزي للأبحاث القضائية، فقد كلفتني وزارة العدل بالتحقيق في مساعي روسيا للتدخل في الانتخابات الرئاسية وطبيعة الصلة التي كانت تربط أشخاصا ضمن طاقم حملة ترامب الانتخابية بروسيا ومساعيها للتدخل في الانتخابات… وبما أن هذه التحقيقات مستمرة وتحمل طابع السرية، فإنني لا أستطيع أن أكشف المزيد حول الموضوع". ولكن بهذه الشهادة كشف كومي الكثير، إذ كانت شهادته كافية لتأكيد صحة التحقيقات والتسريبات التي نُشرت شهر فبراير 2017 حول تدخل روسيا في الانتخابات الامريكية ودورها في فوز ترامب وخسارة هيلاري كلينتون. وفي مساء نفس اليوم، كان جميع الموظفين في البيت الأبيض متأكدين أن نهاية التحقيقات سوف تكون مؤلمة. مستشار ترامب وصهره، جاريد كوشنر استشاط غضبا من تطور التحقيقات، وكان يدرك تماما تصادم والده مع وزارة العدل. فاعتقد أن ملاحقة ترامب، قد تجر معها ملاحقة المعاملات المالية لأسرة كوشنر، خاصة بعد تسرب تقارير من وزارة العدل الأمريكية إلي صحيفة «نيويورك تايمز» في يناير 2017 بشأن شبهات حول معاملات مالية بين شركات كوشنر ومستثمر إسرائيلي في التعدين والماس، وملياردير عقارات روسي. وكان كبير المستشارين لدى ترامب، ستيف بانون قد حذّر ترامب خلال الفترة الانتقالية من جيمس كومي، الذي كان قد عينه أوباما رئيسا لمكتب ال (FBI). لكن ترامب طمأن بانون قائلا: "لا تقلق، سأتولى أمره بنفسي،" مُعتقدا أن قليلا من التودد لكومي ستجعله يغير مشاعره تجاهه، إن لم يرضخ له بالكامل. وفي يوم 22 يناير 2017، وبعد يومين فقط من استلام ترامب مقاليد الحكم رسميا، أقام الرئيس ترامب حفل عشاء على شرف كومي، وطلب منه أن يبقى رئيسا لمكتب ال (FBI). كان ترامب ، وبمنطقه البسيط في فهم الأمور، يعتقد أنه بهذا العرض السَخي – أي تركه لكومي في منصبه – سيدفع كومي لترك تحقيقاته، فكما سانده ترامب سيُسانده هو بالمُقابل. ولكن الآن جاءت شهادة كومي أمام الكونغرس لتدمر كل توقعات ترامب. فأضحى كومي مشكلة بالنسبة للرئيس تفوق الوصف، وأصبحت الإطاحة به هي الحل البديهي. ووصف ترامب، في أحد الاجتماعات، كومي بالفأر الذي قد يُسقطه. هذه المرة اختلف موقف بانون، وأخبر الرئيس أن إقالة كومي في ظرف كهذا الظرف سيُحول قضية روسيا، وهي «قضية من الدرجة الثالثة» حسب بانون، «لأكبر قضية في العالم». أما كوشنر خصم بانون اللدود، فقد حفّز ترامب على طرد كومي. عبثا حاول بانون أن يشرح لترامب أن التحقيق ليس تحقيق كومي، وإنما تحقيق يُجريه مكتب التحقيقات الفيدرالي، إلا أنه في 9 ماي 2017، قرر ترامب أن يُقيل كومي بشكل مُفاجئ وبقرار شخصي، ولم يُخبر أحدا سوى عائلته، ابنته إيفانكا وزوجها كوشنر. ترامب أقال كومي، دون حتى عرض الموضوع بجوانبه القانونية والسياسية المختلفة على مستشاريه. إقالة كومي هزت واشنطن علي نحو مذهل، بشكل لم يتوقعه ترامب. فقد افترض أن سلطات الرئيس تخول له الإقدام علي أي خطوة دون مساءلة. لكن إقالة كومي لم تكن أي خطوة، فهي المرة الأولي في تاريخ أمريكا التي يقيل فيها الرئيس مدير ال (FBI). واعتبرت وسائل الإعلام الأمريكية أن ترامب بخطوته هذه استبق تحقيقات كومي في دور روسيا في الانتخابات الرئاسية، وحاول من خلالها عرقلة التحقيقات. وفي خضم العاصفة، حان ميعاد أول جولة خارجية لترامب التي قادته إلى السعودية وإسرائيل وروما وبروكسل، والتي كانت معدة بشكل مسبق وقبل إقالة كومي. هذه الرحلة كانت بمثابة فرصة لترامب للهرب من الأزمة، لكنه كان مخطئا مجددا. فروبرت مولر، الذي تم تعيينه مكان كومي، قرر استئناف التحقيقات، لتظل قضية روسيا مسدسا موجه لرأسه.