أعد الملف: هاجر الريسوني/ المهدي هنان/ إسماعيل حمودي فجّرت مسيرة فلسطين، التي دعا حزب العدالة والتنمية إلى المشاركة فيها بكثافة، دون أن يتحقق له ذلك، جدلا واسعا حول ما إذا كان جمهور الحزب بصدد التخلي عنه. الجدل بدأ على صفحات «الفايسبوك»، لكن سرعان ما التقطه قياديون في الحزب، رأوا في المشاركة الهزيلة للمواطنين في تلك المسيرة رسالة تقريع لقيادته يجب التقاطها «قبل فوات الأوان». غير أن مسيرة فلسطين لم تكن وحدها التي أثارت النقاش حول تراجع شعبية الحزب. هنالك مؤشرات أخرى تعضد القول بتراجع جاذبيته ومكانته لدى المواطنين، من أبرزها الانتخابات التشريعية الجزئية. ففي أزيد من 11 دائرة انتخابية عبر التراب الوطني أعيدت فيها الانتخابات، وشارك الحزب في أغلبها بمرشحين، فاز في دائرة واحدة فقط هي تطوان، علما أنها المدينة التي عرفت أدنى نسبة للمشاركة في الانتخابات، حيث لم تتجاوز 7 في المائة، كما عرفت امتناع جل الأحزاب عن المشاركة فيها دعما لمرشح «البيجيدي». ولم يستطع الحزب الفوز في دوائر تعد مراكز نفوذه الانتخابي، مثل أكادير وتارودانت والجديدة وبني ملال. كانت تلك النتائج «مفاجئة بالنسبة إلى حزب العدالة والتنمية»، على حد قول عبد الحق العربي، المدير العام للحزب آنذاك. وعبّر العربي عن تخوفه من أن تكون نسبة المشاركة الهزيلة في تلك الانتخابات «تعبيرا عن فقدان الثقة في المسلسل الانتخابي برمته»، وليس «فقدان الثقة في حزب العدالة والتنمية فقط». ويتكرر الحديث عن هذا الهاجس باستمرار في صفوف قواعد الحزب وبعض قياداته، كلما جرى الحديث عن الحضور الإعلامي الضعيف لقيادات الحزب. ذلك أن متتبع مهرجانات الحزب، التي حضرها أمينه العام ورئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، سواء في الدشيرة أو إنزكان، يلاحظ تراجع الإقبال على أنشطة الحزب، خلافا لما كان سابقا في عهد الأمين العام السابق، عبد الإله بنكيران. وهو تراجع «لا يمكن تبريره بالقول إن العثماني ليس خطيبا مفوها مثل بنكيران، بل بخفوت وضعف حماسة وفاعلية الأعضاء والمتعاطفين مع الحزب في التعبئة لمثل هذه المهرجانات. أصبح الكثير من الأعضاء لا يجدون ما يقنعون به المواطنين من أجل تعبئتهم لحضور نشاط حزبي معين»، على حد قول مصطفى بوكرن، الكاتب والباحث السياسي. غضب المواطنين من قيادة الحزب ومواقفها يظهر بوضوح في التعليقات التي تعقب أنشطة هذه القيادة بصفتها الحكومية. على سبيل المثال، علّق نشطاء فايسبوكيون على خبر قصير يتعلق بانعقاد المجلس الحكومي وجدول أعماله، أول أمس، على الصفحة الرسمية لرئيس الحكومة، بتعليقات ساخطة وساخرة من قبيل: «تتعذر الآن متابعة الأخبار التافهة»، و«مكاينش بو الوقت.. تتعذر متابعة الأخبار التافهة»، و«مقاطعون وصائمون وصامدون»، وهو الغضب الذي يتكرر ويتصاعد كلما مرّ العثماني من البرلمان في الجلسة الشهرية. ماذا يعني ذلك؟ يرى عبد الحفيظ اليونسي، أستاذ القانون العام، أن كل حزب سياسي يدبر الشأن العام من الموقع الحكومي أو المحلي «يكون معرضا لكي يفقد بعض شعبيته»، وبالتالي، «لا يجب أن يتصور البعض أن حزب العدالة والتنمية سيكون استثناء من هذه القاعدة»، غير أنه استدرك بالقول إن مما يزيد من تعميق الأزمة أن «القيادة الحالية دون أطروحة، ولم تستطع، إلى حد الآن، بلورة خطاب قادر على تعبئة المواطنين ويجيب عن أسئلتهم». ويرى اليونسي أن «غياب طرح متماسك لدى القيادة، يؤثر على جاذبية الحزب التي تتعرض للتآكل بالتدريج». لكن مصطفى بوكرن، الكاتب والباحث سياسي، يذهب إلى أبعد من ذلك، معتبرا أن «الحزب سيبقى قوة تنظيمية، لأن وراءه هيئات شريكة تدعمه وتحتضنه»، لكنه «في بداية النهاية شعبيا» باعتباره قوة سياسية، لأن المواطن الذي صدّق بنكيران حين قال: «اعطيوني أصواتكم وخليوني مني ليهم»، استفاق على واقع آخر: «مشا بنكيران وخلاه». وقد أدرك هذا الجمهور أن الحزب الذي علّق عليه آمالا عريضة في الدفاع عن مصالحه، حزب «خوّاف». أما عباس بوغالم، أستاذ العلوم السياسية، فقد اعتبر أن الحزب دخل «منعرجا صعبا»، يجعل الحديث عن إمكانية استرجاع مكانته السياسية «سابقا لأوانه وأمرا غير وارد في المنظور القريب». ما تبقى له هو الحفاظ على «الآلة التنظيمية»، ومحاولة «رأب الصدع الداخلي لتحصين أعضائه من حالة اليأس والإحباط». أما استعادة المكانة السياسية، فتتطلب من الحزب «مصالحة مع ذاته»، والتي «لن تتم إلا من خلال مراجعة نقدية لكافة خيارات الحزب وتقديراته السياسية». بداية أفول العدالة والتنمية «شعبنا الكريم، أنت فخرنا في رضاك وغضبك، وفي احتضانك إيانا، كما في رفضك وتقريعك»، كان هذا أحد أهم التعليقات التي صدرت عن امحمد الهلالي، القيادي في حزب العدالة والتنمية، في سياق التعقيب على الحضور الهزيل في مسيرة فلسطين التي دعا إليها الحزب، وعرفت مشاركة هزيلة من أعضائه وأنصاره وعموم المواطنين.يعترف الهلالي، على خلاف قياديين آخرين، بأن هناك غضبا شعبيا تجاه الحزب الذي يقود الحكومة، «لا نعطي الحساب إلا أمامك، واحتجاجك رسالة وصلت، وستجدنا في المكان والموقف اللذين ترضاهما لنا بحول الله. قد نخطئ في التقدير، في قراءة حدث، وقد نتوه في موقف، لكننا بحول الله لن نضيع أمانتك، ولن نبيع القضية، ولن نخطئ البوصلة في طريق الإصلاح في ظل الاستقرار. خدمتك شرف لنا، والانحناء أمام رفضك بعض مواقفنا قوة وليس ضعفا». فهل تراجعت شعبية حزب العدالة والتنمية حقا؟ ما هي المؤشرات الدالة على ذلك؟ وهل هو سحب للثقة الشعبية منه، أم مجرد غضب مؤقت؟ وما هي الخيارات الممكنة أمام قيادة الحزب الذي يقود الحكومة لاسترجاع مكانته وسط المواطنين؟ تآكل الشعبية يعود الجدل حول تآكل شعبية حزب العدالة والتنمية إلى المشاركة الهزيلة لأعضائه وأنصاره في المسيرة الوطنية لدعم فلسطين، يوم 13 ماي الجاري. ذلك أن الحزب الأول والهيئات الشريكة له، وهي الأكثر تنظيما في المجتمع، مثل حركة التوحيد والإصلاح، لم تستطع تعبئة ما يكفي من المواطنين للتظاهر نصرة لقضية فلسطين، التي لم يتردد المغاربة يوما في التضامن معها من شتى المدن والمناطق. ما حصل أن الأمانة العامة للحزب وجّهت نداء إلى أعضاء الحزب وأنصاره، وهي الخطوة التي أقدمت عليها كذلك الهيئات الشريكة، كما أسهم في حملة التعبئة بواسطة كلمات مسجّلة لأبرز الناشطين في دعم القضية، منهم الفقيه المقاصدي أحمد الريسوني، والبرلماني والجامعي المقرئ الإدريسي أبوزيد، والكاتب العام للمرصد المغربي لمناهضة التطبيع، عزيز هناوي، بل إن الحزب قرّر تأجيل مختلف أنشطته، التي تزامنت مع يوم المسيرة، من أجل الحضور المكثف فيها. لكن المفاجأة أن حجم المشاركة أثار جدلا، فقد لاحظ صحافيون ونشطاء، داخل الحزب وخارجه، أن المسيرة لم تكن في مستوى الحدث، أي مرور 70 عاما على نكبة فلسطين، ولم يكن حجم المشاركة ليثير الجدل لو لم يكن دون مستوى التطلعات والتوقعات. هل هو تمرد من القواعد على القيادة؟ في المعتاد، حينما يتعلق الأمر بمسيرة تضامنية مع فلسطين، كانت الهيئات المحلية والإقليمية للحزب وشركاؤه يعملون على توفير النقل للمواطنين، بعد حملة تعبئة واسعة. باستحضار هذا المعطى، يمكن القول أن نداء الأمانة العامة لم يقابل بالحماسة المعتادة في صفوف الحزب، فكثيرون هم الأعضاء الذين يقطنون الرباط ونواحيها، ولم يكلفوا أنفسهم عناء التحرك من أجل المشاركة في المسيرة. ضعف تفاعل الهيئات مع نداء الأمانة العامة للحزب رأى فيه بلال التليدي، أستاذ باحث وقيادي في الحزب، أحد مؤشرات «ضعف شرعية» القيادة الحالية للحزب، التي وصفها ب«القيادة الخائفة»، وأضاف: «ما وقع هو نتيجة لوجود قيادة خائفة، تبدو غير قادرة على فرض سيطرتها على التنظيم»، مؤكدا أنه «حين تدعو القيادة التنظيم الحزبي إلى الانخراط في مسيرة شعبية، تضامنا مع قضية مركزية مثل فلسطين، ثم تكون الاستجابة ضعيفة، فهذا يعني أن أزمة الشرعية تعمقت أكثر». وأرجع التليدي هذه النتيجة إلى «السياق الذي نظمت فيه المسيرة، والذي يعرف حملة شعبية لمقاطعة منتجات استهلاكية، والتي لم تحسن قيادة الحزب التصرف إزاءها، سواء من الناحية السياسية أو من الناحية التواصلية». لكن البعض الآخر لا يستسيغ اعتبار ضعف المشاركة في المسيرة رفضا واعيا ومقصودا لنداء الأمانة العامة للحزب، ويرى أنه «لا يمكن الحكم على شعبية العدالة والتنمية انطلاقا من مسيرة شعبية لم يثبت أنه كان فاعلا رئيسا فيها من قبل»، يقول أحمد البوز، أستاذ العلوم السياسية، الذي أضاف: «لم يكن العدالة والتنمية قوة ضاربة في المسيرات الشعبية السابقة. كان مؤثرا، لكنه لم يكن المشارك الرئيس في أي منها»، على خلاف جماعة العدل والإحسان التي «كانت ولاتزال القوة الرئيسة شعبيا». لكن، ليست مسيرة فلسطين سوى النقطة التي أفاضت النقاش حول بداية أفول حزب العدالة والتنمية وتراجع شعبيته. هنالك مؤشرات أخرى تعضد القول بتراجع جاذبية الحزب لدى المواطنين، أبرزها الانتخابات التشريعية الجزئية. ففي أزيد من 11 دائرة انتخابية عبر التراب الوطني أعيدت فيها الانتخابات، وشارك الحزب في أغلبها بمرشحين، فاز في دائرة واحدة فقط هي تطوان، علما أنها المدينة التي عرفت أدنى نسبة للمشاركة، حيث لم تتجاوز 7 في المائة، حيث امتنعت جل الأحزاب عن المشاركة فيها دعما لمرشح «البيجيدي». ولم يستطع الحزب الفوز في دوائر تعد مراكز نفوذه الانتخابي، مثل أكادير وتارودانت والجديدة وبني ملال. حينها قال عبد الحق العربي، المدير العام لحزب العدالة والتنمية، إن نتائج الانتخابات الجزئية الأخيرة «بعثت رسائل قوية جدا»، وإن العزوف عن التصويت يبين أن الناخب «خاب ظنه وانتظاراته من العملية السياسية برمتها». بل إن العربي أقرّ، صراحة، بأن النتائج في أكادير وتارودانت وبني ملال كانت «مفاجئة لحزب العدالة والتنمية»، لأن «الناخبين في المدن لديهم وعي سياسي مقدر»، ما يعني أن المواطن «أرسل رسائل قوية يجب التقاطها»، وهي رسائل تعبر، حسب رأي العربي، عن «غضب هذه الفئة مما وقع أخيرا في بلادنا»، في إشارة إلى «الانقلاب» الناعم الذي تم على نتائج انتخابات 7 أكتوبر 2016. وعبّر العربي عن تخوفه من أن تكون نسبة المشاركة الهزيلة في تلك الانتخابات «تعبيرا عن فقدان الثقة في المسلسل الانتخابي برمته»، وليس «فقدان الثقة في حزب العدالة والتنمية فقط». حضور إعلامي ضعيف المؤشر الثالث الذي يمكن التقاطه يتعلق بالحضور الضعيف لقيادة الحزب، سواء في إثراء النقاش السياسي أو في التأطير العام للمواطنين. فمتتبع مهرجانات الحزب التي حضرها أمينه العام ورئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، سواء في الدشيرة أو إنزكان، يلاحظ تراجع الإقبال على أنشطة الحزب، على خلاف ما كان يحدث سابقا مع الأمين العام السابق، عبد الإله بنكيران. مصطفى بوكرن، باحث سياسي، يرى أن تراجع حضور مهرجانات الحزب، التي يؤطرها العثماني، «لا يمكن تبريره بالقول إن العثماني ليس خطيبا مفوها مثل بنكيران، بل لأن حماسة وفاعلية الأعضاء والمتعاطفين في التعبئة لمثل هذه المهرجانات خفتت وضعفت. أصبح الكثير من الأعضاء لا يجدون ما يقنعون به المواطنين من أجل تعبئتهم لحضور نشاط حزبي معين».لكن أن القيادة يبدو غير مقنعة ليس فحسب في ما يتعلق بالتأطير الميداني في المهرجانات التي كان يُضرب بها المثل مع بنكيران، بل كذلك في ما يخص الحضور الإعلامي كذلك. لا يتعلق الأمر هنا بعدد الخرجات الإعلامية لرئيس الحكومة أو وزراء الحزب، على قلّتها، بل بتفاعل المواطنين معها. في هذا السياق، تقدم لنا صفحة رئيس الحكومة على الفايسبوك نموذجا حيّا بشأن نوعية التفاعل. فنشر خبر قصير حول انعقاد المجلس الحكومي وجدول أعماله تزامن مع فاتح رمضان، أول أمس، أثار تعليقات ساخطة من قبيل: «يتعذر الآن متابعة الأخبار التافهة»، «مكاينش بو الوقت.. يتعذر متابعة الأخبار التافهة»، ويرد آخر «مقاطعون وصائمون وصامدون»، في حين كتب رابع: «بصفتك المسؤول الأول في الحكومة، هل ستطالب بإرجاع 17 مليار درهم التي نهبوها في قطاع المحروقات إلى خزينة الدولة؟»، في إشارة إلى المعطيات التي كشفها عبد الله بوانو، رئيس اللجنة الاستطلاعية حول أسعار المحروقات. المؤشر الآخر في سياق الحضور الإعلامي الباهت لقادة الحزب يتعلق بحجم متابعة الجلسات الشهرية لرئيس الحكومية. فبالنسبة إلى الصحافيين، مثلا، كان انتظار الجلسة الشهرية في عهد بنكيران جزءا رئيسا من أجندتهم، بل، في كثير من الأحيان، تحولت الجلسة الشهرية إلى موضوع نقاش عمومي ساخن بين بنكيران ومعارضيه، وحظيت بمتابعة مكثفة من قبل عموم المواطنين. أما مع العثماني، فإن الجلسة الشهرية تمر، في كثير من الأحيان، دون أن يعلم بها أحد. مصطفى بوكرن يرى أنه في الوقت الذي كانت «الجلسة الشهرية ترعب المعارضة في زمن بنكيران، لم تعد تخيف أحدا في زمن العثماني». ومن نتائج ضعف تواصل القيادة، أن أعضاء الحزب باتوا أبرز معارضي قرارات الحكومة وما يصدر عنها من مواقف. ظهر ذلك بوضوح شديد خلال الحملة الشعبية لمقاطعة منتجات «أفريقيا غاز» و«سنطرال» و«سيدي علي»، ففي الوقت الذي عبر فيه وزراء الحزب عن مواقف ملتبسة من حملة المقاطعة، كمصطفى الرميد أو لحسن الداودي أو مصطفى الخلفي، تبرأ العديد من أعضاء الحزب من تصريحاتهم، معتبرين أنها «لا تمثل الحزب، ولا خطه السياسي». أمينة ماء العينين، البرلمانية والقيادية في الحزب نفسه، كتبت ردّا على تصريحات وزراء الحزب ضد حملة المقاطعة قائلة: «واضح ومعلوم أن الخرجات غير المحسوبة لبعض الوزراء كانت كارثية، فبعدما اجتهد المجتهدون في اتهام الحزب بإطلاق حملة المقاطعة وتوجيهها، وبعدما أثبت المغاربة المشاركون في المقاطعة كذب الادعاء، وبعدما ثبتت جدية المبادرة المدنية، استُدرج بعض وزراء الحزب للدخول في مواجهة مباشرة مع حركة مدنية متنامية». عبد العزيز أفتاتي، القيادي في الحزب نفسه، تصدى بدوره لتصريحات وزراء حزبه، وقال إن «موقف الحكومة من المقاطعة خاطئ وغير سليم، لأن النقاش حول المقاطعة يتعلق بحرية الرأي والتعبير، ويجب أن يجابه بنقاش آخر تحترم فيه هذه الحرية». وردّا على تهديدات الحكومة على لسان الناطق الرسمي باسمها، مصطفى الخلفي، بملاحقة من ينشر الأخبار الزائفة في سياق حملة المقاطعة، ردّ أفتاتي بأن «إثارة مسألة الأخبار الزائفة ليس لها أي معنى، لأن السؤال المطروح هو: هل هناك منافسة في المغرب أم لا، خاصة في بعض المواد الاستهلاكية الأولية؟ وهل هناك تواطؤ واحتكار وهيمنة على السوق أم لا؟». فقدان للثقة أم غضب عابر ماذا يعني تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية، من خلال المؤشرات السابقة؟ يرى عبد الحفيظ اليونسي، أستاذ القانون العام، أن كل حزب سياسي يدبر الشأن العام من الموقع الحكومي أو المحلي «يكون معرضا لكي يفقد بعض شعبيته»، وبالتالي، «لا يجب أن يتصور البعض أن حزب العدالة والتنمية سيكون استثناء عن هذه القاعدة»، وأضاف قائلا: «صحيح أن الحزب لم تتضرر شعبيته في عهد أمينه العام السابق، عبد الإله بنكيران، لكن تلك المرحلة استثنائية قام فيها بنكيران بدور استثنائي». اليونسي تحدث عن ظروف موضوعية وأخرى ذاتية قد تسهم في تراجع شعبية الحزب، فمن الظروف الموضوعية، حسب تقديره، هناك التحديات الاجتماعية والاقتصادية المتفاقمة، والتي تفرض على الحكومة اتخاذ قرارات مؤلمة أحيانا ولاشعبية، من شأنها أن تنعكس سلبا على شعبية الحكومة والحزب الذي يقودها. العامل الثاني الذي قد يسهم في تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية يتعلق بطبيعة التحالف الحكومي، فهو «تحالف بات همّه الرئيس تحضير الأجواء المناسبة لمعاقبة حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المقبلة، وليس تنفيذ البرنامج الحكومي وحل مشاكل المواطنين». في حين تتعلق العوامل الذاتية بواقع الحزب منذ إعفاء أمينه العام السابق، عبد الإله بنكيران، من رئاسة الحكومة بعد 6 أشهر من البلوكاج. اليونسي يرى أن الإعفاء الملكي، وطريقة تشكيل حكومة العثماني «أديا إلى أزمة داخل الحزب لم يستطع تجاوزها إلى حد الآن، رغم نجاحه في عقد مؤتمره الوطني»، إذ «لايزال هناك انقسام في التوجهات بشأن طبيعة المرحلة وكيفية التعامل معها». «لقد نجح الحزب في تنظيم مؤتمراته، لكنه يعيش حاليا دون مضمون سياسي»، يقول اليونسي، مضيفا: «في السابق، عبّأ بنكيران المواطنين بخطاب سياسي واضح يدور حول مواجهة التحكم، لكن القيادة الحالية دون أطروحة، ولم تستطع لحد الآن بلورة خطاب قادر على تعبئة المواطنين والإجابة عن أسئلتهم». ويرى اليونسي أنه «نتيجة لغياب طرح متماسك لدى القيادة، فإن جاذبية الحزب تتعرض للتآكل بالتدريج». مصطفى بوكرن، باحث سياسي، يرى أن الحزب «باعتباره قوة تنظيمية سيبقى، لأن وراءه هيئات شريكة تدعمه وتحتضنه، بل وتعتبره مجرد واجهة من واجهات العمل العام»، في إشارة إلى حركة التوحيد والإصلاح، لكنه يرى أن «الحزب انتهى شعبيا»، ذلك أن المواطن الذي صدّق بنكيران وهو يقول له «اعطيوني أصواتكم وخليوني مني ليهم»، استفاق على واقع آخر، «مشى بنكيران وخلاهم». لقد أدرك جمهور هذا الحزب أنه إزاء حزب «خوّاف»، حيث «تنصاع القيادة الحالية لما يملى عليها بخضوع مطلق وخوف غريب. فكيف سيستمر الشعب في الالتفاف حول حزب يخاف ظله؟ أما مسيرة فلسطين هي مجرد مؤشر في سياق تدهور شعبية الحزب». خيارات للإنقاذ هل هي بداية فقدان الثقة في حزب منحه المواطنون ثقتهم ولم يقدرها حق قدرها، أم هو مجرد غضب مؤقت يمكن تجاوزه عبر تغيير التعاطي مع قضايا المواطنين، حيث ترتفع اليوم داخل الحزب وخارجه أصوات تدعو إلى التصحيح؟ بلال التليدي، القيادي في الحزب، دعا إلى التحرك «قبل فوات الأوان»، وأضاف أن «الوقائع تثبت أن التقدير السياسي لقيادة العدالة والتنمية كان خاطئا»، مؤكدا أن «الحزب تخلى عن قيادته الرمزية، وانخرط في أجندة التوافق غير المتكافئ، والاستسلام لأطروحة الخوف والمحافظة وعدم الانتباه إلى مؤشرات إنهاء الدور، فانتهى الأمر بهذه القيادة إلى مواجهة تحديات تجييش الشارع ضد المشروع بكل الوسائل الخبيثة». واستحضر التليدي ما سماه «رسالة مؤتمر حزب التقدم والاشتراكية التي يجب التقاطها… حيث صمد هذا الحزب والتف حول قيادته، وقاوم البلاغات والسياسات، والتخويف والحرب الإعلامية»، مخاطبا قيادة الحزب قائلا: «مازال الوقت أمامكم لاستعادة المبادرة، والعودة إلى الصواب، والمصالحة مع القيادة الرمزية، وإعادة بناء القيادة بمنطق الاستيعاب وتقوية الصف قبل فوات الأوان». لكن هذا الخيار لا يتقاسمه الجميع من خارج الحزب. عباس بوغالم، أستاذ العلوم السياسية بوجدة، يرى أن الوضع الذي آل إليه حزب العدالة والتنمية، بعد مرور أزيد من سنة على تحمل القيادة الجديدة للحزب مسؤولية التدبير الحكومي، «هو وضع صعب ومعقد»، وقال إن «الرهان الأول المتاح الآن بالنسبة إلى الحزب هو الحفاظ على الآلة التنظيمية للحزب، من خلال رأب الصدع الداخلي، وتحصين أعضائه والمتعاطفين معه ضد حالة الإحباط واليأس المفضيين إلى مغادرة سفينة الحزب». أما الرهان الثاني فهو «الحفاظ على ما تبقى من رصيده الشعبي في الأوساط الشعبية والطبقات المتوسطة التي بوأته موقع المسؤولية». غير أن بوغالم استدرك قائلا إن هذه الأهداف لن تتحقق إلا «من خلال المصالحة مع الذات، والتي لن تتم بدورها إلا من خلال مراجعة نقدية لكافة خيارات الحزب وتقديراته السياسية، وذلك عبر معالجة الأسئلة الجدية والجريئة المطروحة أمام الحزب، والتي تعتبر المدخل الرئيس للخروج والفكاك من الأزمة التي يتخبط فيها الحزب، وليس أقلها سؤال جدوى البقاء في الحكومة الحالية».