هل تواطأ وزير الاقتصاد والمالية محمد بوسعيد، مع زميله في الحزب والحكومة، مولاي حفيظ العلمي، لإعفاء صفقة هذا الأخير لبيع حصته في شركة "سهام للتأمين" بأكثر من مليار دولار، أم إن الأمر مجرّد صدفة خسرت معها خزينة الدولة أكثر من 40 مليار سنتيم كانت ستستخلصها كرسوم تسجيل بعد صفقة بيع فرع التأمينات لمجموعة "سهام" للعملاق الجنوب إفريقي "سانلام"؟ أسئلة تتردّد منذ الإعلان رسميا عن صفقة بيع الملياردير التجمعي لفرعه الخاص بالتأمينات، بقيمة مالية تجعلها أكبر الصفقات التي شهدها المغرب منذ أكثر من عقد من الزمن. مولاي حفيظ العلمي ردّ على سؤال " اليوم 24" حول هذا الموضوع، بالقول إنه يعتقد أن الصحافة قامت بتحليل هذا الموضوع كفاية. "ما رأيته وفهمته،هو أن واجبات التسجيل لا تهم البائعين. الآن لكم الحق في كتابة ما يبدو لكم صحيحا، هذا هو واجبكم". مشروعية السؤال تعود إلى كون مشروع القانون المالي للعام 2018، تضمّن فقرة عنونها وزير المالية التجمعي محمد بوسعيد، ب"إعفاء تفويتات الأسهم أو حصص المشاركة في الشركات". إعفاء برّرته مذكرة تقديم مشروع القانون المالي، بالسعي إلى "تشجيع إعادة هيكلة الشركات وتعزيز رأسمالها"، مقترحة "إعفاء التفويتات بعوض أو بدون عوض، والمتعلقة بحصص المشاركة أو أسهم في الشركات أو في المجموعات ذات النفع الاقتصادي". هذا المقترح الذي تمت المصادقة عليه من طرف البرلمان، أعفى صفقات تفويت الأسهم أو حصص المشاركة في الشركات، من رسم قيمته 4% من قيمة الصفقات، كان يؤدى باعتباره يتعلق بواجبات التسجيل. نسبة تعني أن عملية تفويت "سهام للتأمينات" من طرف مولاي حفيظ العلمي إلى العملاق الجنوب إفريقي، كانت ستضخ حوالي 400 مليون درهم (40 مليار سنتيم)، في خزينة الدولة، لولا هذا الإعفاء. الكاتب العام السابق للفرع المغربي من منظمة الشفافية "ترنسبرانسي"، فؤاد عبدالمومني، قال ل"أخبار اليوم" إن هذا النوع من الأمور «قابل للتقديرات المختلفة، لكن كوننا أمام حالة للجمع بين المال والسلطة، فإن الأمر يفتح الباب أمام إمكانية تضارب المصالح وأمام الشبهة". عبدالمومني أوضح أن مولاي حفيظ العلمي أو مسيري مجموعة "سهام"، يمكنهم القول إن "الإعفاء جاء في إطار السياسة العامة المتسمة بالليبرالية، وأن عملية البيع جاءت من باب الصدفة، لكن هذا الأمر يصعب أن يقتنع به الطرف "للي واكل الشحط"، والذي يرى كيف أنه يدفع ضرائب إضافية بينما يعفى آخرون منها". وخلص عبدالمومني إلى أنه «لا يمكن الجزم بوجود "التخلويض" في هذا الموضوع، لكن أكيد أن الريحة عاطية". مصدر برلماني تحدثت إليه "اليوم 24"، قال إن مقترح حذف هذه المرسوم، ظلّ يطرح منذ سنوات كلما حان موعد تقديم مشروع القانون المالي، وذلك من طرف الاتحاد العام لمقاولات المغرب. مقترح لم يكن يقبل إلى أن جاء أول مشروع قانون مالي لحكومة سعد الدين العثماني. مصادر مقربة من كل من وزير المالية ومدير الضرائب، قالت للزملاء في موقع "ميديا 24″ باللغة الفرنسية، إن الإعفاء لم يأت ليكون في مصلحة مجموعة "سهام"، بل هو في صالح جميع الفاعلين الوطنيين. المصادر نفسها أوضحت أن هذا القرار يعمّم الإعفاء الذي يستفيد منه عمليات بيع الأسهم في البورصة، ليشمل تفويت الحصص في الشركات، كما يقرّب هذا القرار المغرب من دول عديدة سبق لها إقراره. الأمر يتعلّق، حسب المصادر نفسها، بمحاولة لتسهيل انتقال ملكية المقاولات، وتحفيزها على إعادة هيكلة نفسها. وفوق كل ذلك، تضيف المصادر نفسها، فإن مولاي حفيظ العلمي ليس المستفيد من هذا الإعفاء في الصفقة الأخيرة، لكون المشتري هو من كان مطالبا بدفع رسوم التسجيل، وليس البائع. الخبير الاقتصادي والعضو في الجمعية المغربية لمحاربة الفساد، عز الدين أقصبي، قال ل"أخبار اليوم" إن كون المشتري هو المستفيد من الإعفاء الضريبي، لا يعني أن البائع (مولاي حفيظ العلمي) لم يستفد من هذا القرار. "فأن تعفي المشتري من كلفة مالية تقدّر بملايين الدراهم، يعني أنك تمنحه هدية كبيرة، وتسهّل بالتالي إبرام الصفقة". أقصبي أوضح أن هذه الصفقة مجرد نموذج جديد في حالات قال إنها كثيرة يعرفها المغرب في مجال تضارب المصالح. المغرب مازال يرفض إقرار قانون خاص بمحاربة تضارب المصالح، وهو ما يجعلنا نعيش العديد من الحالات لأشخاص يمكنهم الاستفادة من القانون المالي أو القرار الرسمي أو من مجرد معرفة المشاريع والمخططات المستقبلية للدولة". وشدّد أقصبي على أنه يجدد مطالبته بإقرار هذا القانون، "علما أننا لا نلمس أي رغبة حتى في فتح النقاش حول هذا الأمر، فبالأحرى موضوع القانون». وخلص أقصبي إلى أنه "إذا كانت هناك صفقة كبيرة مقبلة، وأصحابها لهم مواقع وإمكانيات للتأثير على القوانين والقرارات، فإن مشكل تضارب المصالح يطرح بدون أي شك". موضوع تضارب المصالح عاد إلى الواجهة بقوة في عهد الحكومة الحالية، والتي شهدت شهر يناير الماضي تعيين محسن الجزولي في منصب وزير منتدب في الخارجية، وهو المالك لأحد أكبر مكاتب الدراسات المرتبطة بعقود وصفقات مع مؤسسات عمومية من بينها وزارة الخارجية نفسها. فيما تثير وضعية وزير الفلاحة والصيد البحري عزيز أخنوش، تساؤلات عديدة، بالنظر إلى كون شركاته تعرف نموا مثيرا، لدرجة أن مجلة «فوربس» الأمريكية أعلنت صعوده إلى صدارة ترتيب أغنياء المغرب هذا العام، وتحدثت عن ارتفاع قيمة ثروته بنحو 700 مليون دولار في العام الماضي فقط. المادة 32 من القانون التنظيمي الخاص بالحكومة، تنص على أن الوظيفة الحكومية تتنافى مع عدد من المهام والانتدابات الانتخابية، فيما تقول المادة 33 أنه «يتعين على أعضاء الحكومة أن يتوقفوا، طوال مدة مزاولة مهامهم، عن ممارسة أي نشاط مهني أو تجاري في القطاع الخاص، ولا سيما مشاركتهم في أجهزة تسيير أو تدبير أو إدارة المنشآت الخاصة الهادفة إلى الحصول على ربح، وبصفة عامة كل نشاط قد يؤدي إلى تنازع المصالح، باستثناء الأنشطة التي ينحصر غرضها في اقتناء مساهمات في رأس المال وتسيير القيم المنقولة".