أكد المتدخلون، في اللقاء التواصلي الثالث الذي نظمته وزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان بجامعة المحمدية أول أمس الاثنين، أن إشكالية الديمقراطية وحقوق الإنسان لا تكمن في الترسانة القانونية المعمول بها، بل في مدى ممارسة هذه الحقوق في الواقع الملموس، والضمانات الكفيلة بصيانتها وحمايتها، بدءا بحماية الاختيار الديمقراطي للمواطنات والمواطنين، وصولا إلى ضمان حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. واعترف المتدخلون في الندوة بأن المكتسبات التشريعية والمؤسساتية التي راكمها المغرب، على أهميتها وقيمتها في التطور السياسي والحقوقي للبلاد، لا يمكن أن تحول دون القول بأن ثمة اختلالات عديدة ينبغي إصلاحها، وأن هناك نقائص يتعين معالجتها. وفي هذا السياق، اعترف وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، مصطفى الرميد، بأن المغرب ينتظره مسار طويل من أجل تكريس الديمقراطية. وقال الرميد، الذي تحدث إلى طلبة كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالمحمدية، إن «المغرب يسير في اتجاه الديمقراطية، وقد قطعنا أشواطا، لكن لاتزال أمامنا أشواط أخرى، ولا ندعي أننا بلغنا شاطئ النجاة». وأشار الوزير، في معرض مداخلته، بحضور مجموعة من الأساتذة والباحثين والطلبة، إلى أن «المغرب يعيش مرحلة بناء ديمقراطي، ويوجد في سياق تقوية وتوطيد مؤسسات الدولة المرتكزة على التعددية والحكامة الجيدة»، مؤكدا أنه «لا يمكن الادعاء بأن المغرب أصبح جنة، لكن هناك تطورا للإصلاحات، والمشكل يكمن في التنزيل، إذ ينتظرنا الكثير من العمل لكسب رهان الديمقراطية». وأضاف المسؤول الحكومي، وهو يقدم خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، أن هذه الأخيرة لا يمكن القول إنه سيتم تنزيل كل مضامينها، «لكن سيتم تنزيل الجزء الأكبر منها»، واعتبر أن الوثيقة الدستورية الحالية شكلت نقلة نوعية لتأسيس الإصلاحات الأساسية للبلاد. وقال الرميد بهذا الخصوص إن الدستور الحالي للمملكة «صيغ بطريقة متقدمة جدا وتشاركية، وأسهمت فيه الأحزاب والنقابات والجمعيات، وكان متقدما جدا»، مضيفا: «صحيح أنه ليس بالدستور الذي لا يأتيه الباطل من خلفه ولا من أمامه، لكنه متقدم على دساتير البلدان المجاورة». ودافع الرميد عن السلطة القضائية، وأكد أنها «مستقلة تماما، وليس هناك أي مجال للتشكيك فيها، والقاضي مثل الصحافي يمكنه أن يبيع نفسه للشيطان ليتحكم فيه». وأوضح المسؤول الحكومي أن المغرب يعيش مرحلة بناء ديمقراطي» وراكم إصلاحات مهمة وهيكلية منذ التسعينات، وعلى رأسها دستور 2011 الذي تم وضعه بطريقة متقدمة جدا. وعاد الرميد ليؤكد أن إصلاح منظومة العدالة، الذي قاده عندما كان وزيرا للعدل، أسس استقلالا تاما للسلطة القضائية. وفي الوقت الذي نفى فيه المتحدث وجود التعذيب المنهجي، قال إن التعذيب الذي مصدره أشخاص مازال موجودا، وهو يحتاج إلى إثبات. وقال مصطفى الرميد إنه لا عذر لأحد أن ينحرف عن الصراط المستقيم، وعن أداء واجباته المهنية بطريقة نزيهة ومسؤولة في مجال العدالة، أو الادعاء بأن جهات تضغط عليه، وهو الادعاء الذي اعتبر الرميد أنه غير صحيح، خاصة إذا كانت هذه الجهات لا تملك التأثير عليه، لأن القضاء يمارس صلاحياته باستقلال تام عن أي جهة، والفصل 109 واضح في هذا الإطار، ونفى الرميد وجود أي نص تشريعي بإمكان أي جهة متنفذة أن تستعمله من أجل التأثير على القضاء المغربي. وشدد الرميد على أن قضاء التعليمات لم يعد قائما، وإذا كان هناك شخص يريد أن يبيع نفسه للشيطان فلا يمكن أن نمنعه، خصوصا إذا كان انحرافه انحرافا بينا. وقال الرميد، في عرضه أمام طلبة جامعة المحمدية، إن المكتسبات التشريعية والمؤسساتية، على أهميتها وقيمتها في التطور السياسي والحقوقي للبلاد، لا يمكن أن تحول دون القول بأن ثمة اختلالات عديدة، ينبغي إصلاحها، ونقائص يتعين معالجتها. وأضاف الرميد، في عرضه حول خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، أن مشروع هذه الخطة خضع لعمليات تحيين على ضوء دستور 2011، والبرنامج الحكومي والممارسة الاتفاقية، ومستجدات الإطار القانوني والمؤسساتي الوطني، وهو الأمر الذي مكن، حسب الرميد، من إعداد مشروع عرض أول مرة على مجلس الحكومة بتاريخ 22 ماي 2014. وأوضح وزير الدولة، وهو يستعرض محطات هذا التحيين التي مرت منها الخطة الحقوقية، أنه تبعا لمضامين البرنامج الحكومي 2016-2021، وخاصة ما نص على اعتماد سياسة حكومية مندمجة في مجال حقوق الإنسان وفق تخطيط استراتيجي تشاركي، وتحيين خطة العمل الوطنية بدءا من سنة 2018، تم استئناف عملية تحيينها التي انطلقت في يونيو الماضي عن طريق كتابة لجنة الإشراف، وتم الاستناد في هذا التحيين، الذي لايزال جاريا، إلى المبادئ والضمانات والأحكام الواردة في الدستور، وإلى التطورات الحاصلة في مجال الممارسة الاتفاقية ذات الصلة بحقوق الإنسان، وأعمال مؤسسات الديمقراطية التشاركية. وأكد الرميد، في لقائه الثالث مع الجامعات، أن وزارته حرصت على تفصيل وتدقيق الفقرات والمحاور الفرعية المتعلقة بالنزاهة والشفافية والشباب والمقاولة وحقوق الإنسان والنجاعة القضائية ومحاربة الفساد وعدم الإفلات من العقاب. وكشف الرميد أن القضايا الخلافية في المجال الحقوقي، تقرر مواصلة الحوار المجتمعي حولها، وفي مقدمتها عقوبة الإعدام، والمصادقة على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، واتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 87، وبعض القضايا المرتبطة بمدونة الأسرة، ومنها إلغاء المادة 20 وتعديل المادة 175 لتنص صراحة على عدم سقوط الحضانة عن الأم رغم زواجها، وتعديل المادتين 236 و238 للمساواة بين الأب والأم في الولاية على الأبناء، وتعديل المادة 53 بما يضمن الحماية الفعلية للزوج أو الزوجة من طرف النيابة العامة عند الرجوع إلى بيت الزوجية، وإعادة صياغة المادة 49 بما يضمن استيعاب مفهوم الكد والسعاية. وارتباطا بمسار إعداد خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، كشف الرميد، أيضا، أن عملية التحيين والتطوير التي شملت الخطة أسفرت عن تقوية مجموعة من التدابير، وإضافة أربعة محاور جديدة في الخطة همت الحكامة الأمنية ومكافحة الإفلات من العقاب والمقاولة وحقوق الإنسان وحقوق الشباب، وهو الأمر الذي أدى إلى انتقال عدد التدابير من 215 تدبيرا في الصيغة الأصلية إلى 436 تدبيرا في الصيغة الحالية. وأعلن وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان أن وزارته كلفت بإحداث آلية لتتبع وتقييم تنفيذ خطة الديمقراطية وحقوق الإنسان، من المنتظر أن تضم ممثلين عن القطاعات الحكومية المعنية والمؤسسات والهيئات الوطنية ومنظمات المجتمع المدني المهتمة بقضايا حقوق الإنسان، سيعهد إليها بإعداد مخطط إجرائي يحدد المسؤوليات والجدولة الزمنية للتنفيذ، ومؤشرات تتبع وتقييم التدابير المحددة في الخطة. وحسب الرميد دائما، فإن وزارته ملزمة بتقديم تقرير سنوي للحكومة، عن حصيلة إعمال الخطة بناء على التقارير القطاعية، كما ستعمل الوزارة على إصدار تقرير نصف مرحلي حول التقدم المحرز في تنفيذ الخطة، وتقرير نهائي حول حصيلة إنجاز الخطة. من جانبه، دعا محمد الصبار، الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، في اللقاء الذي نظمته وزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان، إلى تحويل الجامعات المغربية إلى فضاء للنقاش المجتمعي الهادئ، لمعالجة القضايا التي ينقسم بشأنها المجتمع المغربي. وقال الصبار إن مرحلة ما بعد إعلان خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، ستتطلب من الجامعة بذل مجهودات كبيرة لتنزيلها، وهو ما يتطلب إعداد المخطط الإجرائي وتحديد المسؤوليات والجدولة الزمنية ومؤشرات الإنجاز. ودعا الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى تفعيل التدابير المتعلقة بإيجاد آليات لربط مخرجات المنظومة التربوية بالحاجيات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبأهداف الخطط التنموية للمملكة، وتسيير شروط ولوج التعليم العالي، وتقوية وتثمين البحث العلمي، ورفع الميزانية المخصصة له. وأكد الصبار أن ما جاءت به خطة الرميد من تدابير جديدة، يراهن فيها على إسهام الجامعات في تقوية قيم التسامح والعيش المشترك واحترام حقوق الإنسان، ونبذ الكراهية والعنف والتطرف. وفي سياق متصل، اعتبر عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية بالمحمدية، جمال حطابي، في كلمته في اللقاء التواصلي مع وزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان، أن ما عرفه المغرب من احتجاج متسم بالمطالبة بالإصلاحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، استطاع من خلاله الذكاء الجماعي المغربي أن يقدم أجوبة دستورية عن مطالب حركة 20 فبراير بتحقيق الإصلاح والديمقراطية، مؤكدا أن دستور 2011 شكل ثروة حقيقية في ما يخص التنصيص على الديمقراطية وحقوق الإنسان، لأنه خص بابا للحريات والحقوق الأساسية، وأقر بالتشبث بحماية حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا. وشدد المتحدث على أن إشكالية الديمقراطية وحقوق الإنسان، لا تكمن الترسانة القانونية المعمول بها، بل في مدى ممارسة هذه الحقوق في الواقع الملموس، والضمانات الكفيلة بصيانتها وحمايتها، بدءا بحماية الاختيار الديمقراطي للمواطنات والمواطنين، وصولا إلى ضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وفي قراءته خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، والتي أعلنها الرميد أخيرا، قال الباحث، حسن طارق، إن هذه الخطة تطمح إلى أن تقدم نفسها مرجعية لتأسيس وإعادة تأسيس السياسات العمومية بناء على مقاربة منطلقة من حقوق الإنسان، مشددا، في عرض تقدم به أمام طلبة جامعة المحمدية، على أنها تثمن بذلك البعد الحقوقي داخل فلسفة الفعل العمومي. وعاد الأستاذ الجامعي ليؤكد أن الخطة تحمل نقاط قوتها، باعتبارها نصا مرجعياً للفعل العمومي، عندما تحتل، بشكل جيد، مكانتها بين السقف المعياري الوطني الممثل في الدستور، أو خلاصات الممارسة الاتفاقية، والحاجة إلى تفعيل هذه التوجهات العامة، مقترحا مسالك تشريعية أو تدبيرية أو مؤسساتية، كما هو الحال في المحاور الفرعية المتعلقة بالحكامة الأمنية ومكافحة الإفلات من العقاب، وحريات الاجتماع والتجمع والتظاهر السلمي. وأوضح المتحدث، الذي دعا الجامعات إلى تكوين مراكز بحث لتقييم سياسات حقوق الإنسان، أن الخطة تعلن منذ انطلاقها أنها تستند إلى المرجعيات الأساسية للبلاد، المنصوص عليها في الدستور المغربي، وتبدو منخرطةً بوضوح في منطق المرجعية الدولية وقيمها الكونية.