يحتار المرء وهو يرى بعض الظواهر تقع في هذا البلد السعيد تسيء لسمعة وصورة الوطن أمام العالم. ففي الوقت الذي تتصارع الحكومة كل سنة مع المنظمات الحقوقية العالمية، من أجل الدفع عنها تهم المساس بحقوق الإنسان والتضييق على حرية التعبير، يأبى بعض المسؤولين إلا أن يزيدوا الطين بلة، ويطبقوا مقولة "واش كتعرف العلم، قال ليه كنعرف نزيد فيه أمولاي". فإذا كانت سنة 2017 الحقوقية بعنوان: سجن صحافيين بتهم واهية، منها "الصياح في ساحات عمومية"، فإن العام 2018 يبدأ بمفاجأة من العيار الثقيل بطلها رئيس مجلس المستشارين، حكيم بنشماش، الذي رفع دعوى قضائية ضد أربعة صحافيين، من أربعة منابر دفعة واحدة، بتهمة نشر تقرير عن الوضع المالي للصندوق المغربي للتقاعد، قيل إنه سرب من لجنة تقصي الحقائق! السيد رئيس مجلس المستشارين كان حريا بك أن تبحث داخل مجلسك كما تشاء، لا أن تركب على "الحيط القصير"، أي الإعلام. والواقع أنك وقعت في مطب كبير، على اعتبار أن الصحافيين الأربعة قاموا بواجبهم فقط، بإخبار المغاربة بالوضع بالكارثي للصندوق إياه، إيمانا بالحق في الولوج إلى المعلومة التي يكفلها الدستور، وبالتالي، صرتم وأنتم الشخصية الرابعة في هرم الدولة تظهرون كمن يريد تكميم الأفواه جماعة. السيد رئيس مجلس المستشارين نقول لك إن هذه المحاكمة هدفها إلهاء المغاربة عن السبب الحقيقي في إفلاس الصندوق المغربي للتقاعد، وتبخر ملايير الدراهم في وجهات مجهولة. يجب عليك اليوم، أن تكون القدوة في تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وأن تسير في نفس اتجاه أعلى سلطة في البلاد، لا أن تعاكس هذه الإرادة التي بدأ أخيرا المواطن المغربي ينتظر منها خيرا. السيد رئيس مجلس المستشارين ننتظر منك أن تنشر خلاصات التقرير كاملا، وإلا اعتبرنا ذلك تسترا على نتائج "فيها إن"، وستتحمل المسؤولية الأخلاقية في ذلك. أما محاولة إلصاقك المتابعة بوزارة العدل، فهو هروب إلى الأمام لا يليق بك، لأنه وببساطة وزارة العدل كانت فقط، ساعي البريد لطرد ملغوم توصلت به من مكتب مجلسكم لتوصله إلى مكتب النيابة العامة. لذلك سنكرر على مسامعكم، محاكمة الإعلام ستكون محاكمة للدولة و"بارومترا" لاختبار الإرادة السياسية للبلد، في تفعيل الحق في الوصول إلى المعلومة وحرية التعبير والديمقراطية. أما المحاكمة الحقيقية التي ينتظرها المغاربة، ولن يغفلهم شيئا عنها، فهي محاكمة ناهبي المال العام والمسؤولين عن إفلاس صندوق التقاعد. السيد رئيس مجلس المستشارين تاريخ الجلسة الأولى لمحاكمة زملائنا الصحافيين سيكون عيدا لكل الإعلاميين المغاربة، والدعوة موجهة إليك لمشاركتنا هذا العيد. وكل عام وحرية التعبير بألف خير.