تنطلق غدا، الثلاثاء 26 مارس 2014، الدورةُ العادية الخامسة والعشرون لمؤتمر القمة العربي في الكويت، في سياق إقليمي موسوم بالاستقطاب السياسي الحاد، والمفارقات التي لا يجد المنطق سبيلا لتفسيرها. فأول مظهر لهذه الاستقطابات والمفارقات الجدل الذي ميّز الاجتماعات التمهيدية لوفود الدول الأعضاء حول مقعد الدولة العربية السورية، ومن يمثلها في القمة ويتحدث باسمها، وما إذا كان الناطق بلسان ائتلاف المعارضة يمتلك صلاحية التمثيل وفقا لما تمّ الاتفاق عليه في قمة الدوحة السنة الماضية، أم أن الوقائع في الأرض لم تُمكّن المعارضة من إنجاز الخطوات التي تمت المراهنة عليها، وتأسيس قرار إخراج سوريا، من «بيت العرب»، أي من حظيرة جامعة الدول العربية. يبدو الخلاف الخليجي الخليجي أحد المظاهر القوية لاستقطابات قمة الكويت، وعنوانا بارزا للتداعيات التي طالت المنطقة العربية نتيجة الحراك العربي، والتدخلات الإقليمية العربية في تعرجاته، وهي تدخلات لم تقف عند حدود التأييد المعنوي، بل تجاوزته إلى المساهمة المادية والمشاركة في رسم السياسات والتوجهات. والمفارقة اللافتة في هذا الملف بالذات، استئثار منطقة الخليج النفطية بنصيب الأسد في تفاصيل تطور الأحداث في بلاد الحراك العربي، لاسيما في مصر وسوريا واليمن والبحرين، وبشكل أقل في تونس، وأسرع في ليبيا. والواقع أن الصراع الخليجي الخليجي لم يبدأ مع انطلاق الحراك مستهل العام 2011، بل تراكمت مظاهره، وإن بشكل غير حاد، منذ مدة. لنتذكر الاصطفاف الحاصل في أعقاب حرب إسرائيل على كل من لبنان صيف 2006 وغزة سنة 2008، والأزمة التي شقّت جسم الجامعة، وشلّت قدرتها على تنظيم قممها، والتفاعل الإيجابي مع ما ألمَّ باللبنانيين والفلسطينيين. وإذا كان الخلاف الخليجي الخليجي لا يبدو مستعصيا حتى الآن، وأنه يكتسي في مظهره طابع الخلاف القابل للاحتواء، أو في أقصى الحالات الممكن حلّه بالمفاوضات والحوار في نطاق مجلس التعاون الخليجي، فإنه يضمر في عمقه تعقيدات وصعوبات كبيرة، تعكِس طبيعة التغيرات البنيوية التي تدِبّ في منطقة الخليج، والتي سيلعب تداعيات الحراك العربي، والمواقف المتناقضة حُيالها، أدواراً مفصلية في تعميقها، وتأجيج انعكاساتها على دول الخليج نفسها. ثم إن الحاسِم، في تقديرنا، في ما يجري في الخليج، لا يُفسَّر بما تحمله الخطابات والتصريحات، بل بما تُقرره أبنية النسيج الاجتماعي في هذه الدول، وطبيعة التداخلات بين مجتمعات هذه المنطقة شعوبا وقبائل. فعلاقات القرابة بكل أنواعها قوية جدا، وذات أولوية قُصوى أمام ضعف الولاءات الأخرى بسبب ضعف حضور الدولة في المجال السياسي الخليجي، وغياب شرعية الاعتراف بالوسائط المدنية، من أحزاب، ونقابات ومنظمات وسيطة. ليس في جعبة قمة الكويت برامج عمل جديرة بالمراهنة والاهتمام. وحتى المعلومات حول جدول أعمال القمة شحيحة جدا، وغير مدققة ولا واضحة بما يكفي. وحده نبيل العربي، الأمين العام للجامعة، أشار في تصريح صحفي إلى أن ثمة وثيقة مُعدّة من قبل لجنة مستقلة، تتضمن خطة لإصلاح «بيت العرب»، وتقوية آليات اشتغاله، من قبيل تطوير المركز القانوني للأمين العام للجامعة، و «إنشاء محكمة عربية لحقوق الإنسان» وإحداث «مجلس عربي للسلم والأمن»، علاوة على السعي إلى تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية العربية البينية في أفق العام 2025. والحقيقة أن هذه المشاريع مُكررة، وسبق إدراجها لمرات كثيرة في قمم الجامعة، ولم تلق طريقها إلى التنفيذ. ليس ثمة رهانات جدية وجادة يُنتظر تحقيقها في قمة الكويت، فقد أصبح مألوفا أن دورات القمم العربية تُعقد إما للسعي إلى لمِّ الشمل وترضية الخواطر والعودة إلى ما قبل الأزمة إن استجدت أزمة، أو الاصطفاف والتكاتف من أجل تجميد عضوية بلد، أو إيقاف عضوية آخر، أو النظر في الإجراءات والعقوبات الممكن تطبيقها في الأزمات المستفحَلَة، غير القابلة للتحاور من أجل الحل..إنها العناوين الكبرى المميزة لمسيرة القمم العربية. لذلك، ليس صدفة أن تقهقرت صورة الجامعة العربية لدى الناس، ولو تمّ القيام باستطلاعات رأي عام ناجحة حول القيمة التي تمثلها الجامعة لدى المواطنين العرب، لكانت النتيجة مفجعة، حول مؤسسة جماعية يشرف عمرها على إطفاء شمعته السبعين [1945 2015].