فاجعة وفاة الطفلة "إيديا" بسبب الإهمال بأحد مستشفيات فاس، في أبريل الماضي، كادت تتكرر، يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين، بمدن مريرت وخنيفرةومكناسوبني ملال، هذه المرة مع الطفل اليتيم محمد اليوسفي، البالغ من العمر 10 سنوات، والذي يدرس في المستوى الثاني ابتدائي، إذ رفضت مستشفيات المدن الأربع علاجه، بعد إصابته بحروق خطيرة على إثر انفجار قنينة الغاز في بيت الأسرة بمدينة مريرت، مساء يوم الثلاثاء الماضي. الآن يوجد الطفل، محمد، في قسم الإنعاش بمستشفى ابن رشد بعد مغامرة سيزيفية دامت لأكثر من يومين بين أربع مدن. في هذا الصدد، يحكي ميلود، قريب الطفل محمد الذي يوجد في حالة خطيرة، بحرقة ل" اليوم 24″ قائلا: "ولو اطلعت على حالة الطفل اليتيم ما غادي تاكل الخبز، الدموع لا تسمح لي بحكاية هذه المغامرة، ما ذنب الطفل، هل فقط لأنه ولد في المغرب غير النافع؟". يحكي ملود، الذي رافق الطفل محمد منذ انفجار قنينة الغاز، قائلا: "بعد انفجار القنينة، حمل الطفل ووالدته إلى مستشفى المستعجلات بمدينة مريرت، حيث تم الاحتفاظ بوالدته في ما أخبرونا بأنه يتوجب علينا نقل الطفل إلى المستشفى الإقليمي بمدينة خنيفرة، التي تتبع لها مريرت". وأضاف أنهم وصلوا إلى مدينة خنيفرة حوالي الساعة الثامنة من يوم الثلاثاء الماضي، غير أنهم لم يجدوا الطبيب في المستشفى، فيما أخبرتهم إحدى الممرضات بأنها لا يمكنها فعل أي شيء، وأن عليهم انتظار الطبيب. وحوالي الساعة الثامنة من الليلة نفسها بمستشفى خنيفرة، يقول ملود: "دخلت علينا ممرضة أو طبيبة وأخبرتنا بأن إمكانيات المستشفى محدودة ولا يمكنهم علاج الطفل. وأمرتنا بنقله إلى مستشفى محمد الخامس بمدينة مكناس". غير أن إشكالا آخر واجه الشخص المرافق للطفل، إذ طلبوا منه بطاقة الرميد من أجل السماح له بنقله إلى مكناس، وبما أن "الرميد" لم تكن معهم، اضطروا إلى الاتصال ببعض المتطوعين بمريرت الذين حملوا "الرميد" من بيت الطفل إلى خنيفرة، التي تبعد عن مريرت ب30 كيلومترا (30 دقيقة)، حينها كانت الساعة تشير إلى 12 ليلا. بعدها انطلقت رحلة الطفل إلى مكناس التي تبعد عن خنيفرة ب120 كيلومترا(ساعتان). لكن بعد الوصول إلى مستشفى محمد الخامس بمكناس، حوالي الثالثة صباحا، يوم أول أمس الأربعاء، بدأت حكاية أخرى غريبة لا وجود لها إلا في المغرب، في هذا يقول ملود: "دخلنا إلى مستشفى مكناس والطفل بين الحياة والموت، غير أن الطبيبة بدل أن تسعفه، سألتنا من أي مدينة جئنا، فأخبرتها بأننا من مريرت، وردت: "ماذا تفعلون هنا؟ عليكم بالتوجه إلى مستشفى جهتكم ببني ملال وليس مكناس"، غير أن ملود أكد للطبيبة أن الطفل لديه بطاقة الرميد، ويمكن دفع أي ثمن، "لكن المهم الآن هو إنقاذ الطفل"، إلا أن ملود وجَدّةَ الطفل التي كانت ترافقه أيضا، صدما بالطبيبة ترد عليهما: "لن نستقبله، إذا بقي في باب المستشفى فإن القطط ستلتهمه، خذوه"، يقول ملود، ويضيف: "أمام هذا الوضع أخبرت الطبيبة بأن الجهات تفرقنا، لكن الملك يوحدنا، وملكنا واحد"، غير أن الطبيبة لم تهتم لكلامه وانصرفت. رحلة العودة القاتلة هكذا اضطر ملود والجدة إلى إعادة الطفل، محمد، من جديد، إلى المستشفى الإقليمي بخنيفرة، حيث ظل في المستشفى ينتظر الموت بسبب تحالف البرد الشديد في قمم الأطلس والنار التي تأكل جلده، وفي حدود ال11 من صباح يوم الأربعاء، دخلت عليهم الطبيبة نفسها التي أمرتهم بنقل الطفل إلى مكناس، لتأمرهم هذه المرة بنقله إلى بني ملال، وهو الشيء الذي استجاب له ملود، وحمل الطفل في سيارة إسعاف على وجه السرعة إلى بني ملال، وحوالي الساعة الثالثة زوالا دخلوا إلى المستشفى الجهوي ببني ملال، لتبدأ مغامرة أخرى مع المسؤولين ومندوب الصحة. هكذا أخبر ملود بأن الطفل لا يمكن علاجه في بني ملال، ويتوجب هذه المرة نقله إلى مستشفى ابن رشد بالدارالبيضاء. في هذا يقول ملود: "قلت لهم اعطوني سيارة إسعاف، المهم هو إنقاذ الطفل من الموت"، غير أن المسؤولين أخبروه بأنه عليه دفع 1150 درهما مقابل الاستفادة من سيارة الإسعاف. ويشرح ملود قائلا: "حاولت الحديث إلى مندوب الصحة في بني ملال، لكنه أغلق الباب في وجهي. أمام هذا الوضع اتصلت برئيس بلدية مريرت على بعد 120 كيلومترا من بني ملال، وأكدت له أنهم طلبوا منا 1150 درهما، وليس معنا سوى 500 درهم". بعدها قام رئيس بلدية مريرت بإرسال سيارة إسعاف من مريرت إلى بني ملال. حوالي الساعة 11 ليلا من أول أمس الأربعاء، وصلت سيارة الإسعاف من مريرت إلى بني ملال، ونقل الطفل، من جديد، عبر خنيفرة ومريرت ومكناس إلى الدارالبيضاء، حيث استقبل الطفل في مستشفى ابن رشد، صباح أمس الخميس، ويخضع الآن للعلاج للخروج من مرحلة الخطورة، خاصة وأن الحروق تضاعفت بسبب التأخر في إسعافه. أما الأم فلازالت في بيتها بمريرت، لأن حروقها غير خطيرة، فيما تكفل المحسنون بشراء الأدوية لها. في هذا قالت بحرقة ل"أخبار اليوم": "حياتي لا تهمني، ما يهمني هو أن يعود إلي ابني. لقد تعذب يومين بين المستشفيات التي كانت تتقاذفه قبل أن يصل إلى الدارالبيضاء.