لماذا هذه المفارقة الغريبة في تعاطي وزارة الداخلية مع موضوع المهرجانات في الساحات المفتوحة؟ سؤال يتبادر إلى الذهن مع توارد معطيات ومعلومات تؤكد قيام وزارة الداخلية، بإحياء أساليبها كوزارة "أم" حتى على رئاسة الحكومة، او بالأحرى على شخص رئيس الحكومة، ومحاولتها تحجيم مساحات حريته في التواصل مع الشعب. ولأن الأمر فيه من الغرابة ما فيه فإن المتتبعين للشأن السياسي اليوم يطرحون سؤال محرجا على الوزارة المعنية، وعلى الجهة التي تسدي لها هذه الخدمات، خصوصا وأن وزارة الداخلية استندت في منعها حزب العدالة والتنمية من عقد التجمعات والمهرجانات في الساحات العمومية المفتوحة بمبرر "الأسباب الأمنية"، السؤال هو كيف يتم منع حزب سياسي من عقد مهرجاناته السياسية لأسباب أمنية بينما يتم تجييش مختلف الوسائل والموارد البشرية الأمنية لإنجاح مهرجان "موازين"؟ ومن المتتبعين من يذهب أبعد من ذلك، حيث يعتبر أن الأولى بالإلغاء في حال وجود معلومات ومعطيات تفيد بوجود "تهديدات أمنية" يمكن أن تطال التجمعات في الساحات الأمنية، هو مهرجان "موازين" الذي لقي اعتراضا شعبيا واسعا، وواكبته احتجاجات كثيرة إبان حراك 20 فبراير، للمطالبة بإلغائه باعتباره ميدانا لتبذير المال العام في دولة محدودة الموارد وتعاني مشاكل اجتماعية كبيرة. حذاقة المتابع أسقطت ورقة التوت عن هذه الادعاءات بشأن "مبررات" المنع، وذهبت لتطرح الفرضيات القريبة إلى الحقيقة أو التي تعبر عن الأسباب الرئيسية لمنع تجمعات حزب "المصباح" في الساحات العمومية، فالقرار الذي قامت الوزارة بإقناع رئيس الحكومة بضرورة اتخاذه ل"أسباب أمنية"، جاء أياما قليلة بعد مطالبة حزب الأصالة والمعاصرة على لسان الكاتب الوطني لحزب الاتحاد الاشتراكي في إطار "صفقة التبادل"، بمنع وزراء الحكومة من عقد التجمعات في الساحات العمومية قبل انتخابات شهر أكتوبر المقبل. فالأمر حسب هذه الفرضية التي تعبر عن وجه الحقيقة يستحضر الأجواء التي مرت فيها الانتخابات الجماعية، والتي أحصت فيها "أعين" وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية أعداد المتابعين لخطابات رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران في مهرجانات ضخمة وغير مسبوقة في تاريخ السياسي الحديث بالمغرب، أدت في نهاية المطاف إلى اكتساح حزب العدالة والتنمية للمدن، ودحض حزب "التحكم" إلى البوادي التي استخدم فيها الأعيان والأموال، والذين يجمع المحللون السياسيون أنهم لا ولاء لهم لحزب "البام" غير التقاء مصالح بعينها في ظرفية الانتخابات لا غير. ولتعضيد هذا الطرح يمكن قراءة الأمر في سياق ال"الكوكتيل" الذي تقدمت به وزارة الداخلية في تقديمها لأكبر الخدمات لحزب "التحكم"، والتي من ضمنها خفض العتبة إلى 3 بالمائة عوض 6 بالمائة الحالية، وتسجيل أعداد معينة لإسكات الابتزاز الذي ينهجه البام بمساءلة ماكرة لوزارة الداخلية عن تسجيل أعداد لصالح البيجيدي، وشن حرب شاملة على مختلف المواقع التي يسيرها حزب المصباح، وملف عمدة الرباط، وغيرها من الملفات التي صار الجميع يقرأها قراءة واحدة، باعتبارها استعمالا مفرطا ل"وزارة الداخلية" لمصلحة جهة معينة أداته "البام". وبافتضاح الأمر لم يعد المتابع بحاجة إلى فرضيات أخرى، فالغاية مما سبق يرمي إلى قص أجنحة رئيس الحكومة، ومحاولة تكبيله، والتشويش على مساره باللجوء الدائم إلى شماعات بعينها، أبرزها التحليل الماكر لبعض خطاباته، وقراءتها بما يقربها من اصطناع "صراع بينه وبين القصر"، وهي عمليات سرعان ما تنفضح، بسبب لجوء من يتم تقويته بشكل دائم إلى "رقصات الذيك المذبوح" بإطلاق فقاعات إعلامية، وهو الشيء الذي عبر عنه أحد النشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي بالقول:" لقد سقط التحكم يوم اعتمد ورقة محترقة".