عاد القيادي في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، محمد بوبكري، المغضوب عليه من طرف الكاتب الأول إدريس لشكر، إلى مهاجمته من جديد، واصفا قيادته لحزب الوردة ب«الديموكلاطية». وذهب بوبكري، في مقال رأي، إلى أن لشكر «لا يدرك» معاني «التغيير والبناء» اللذين يتحدث عنهما، ووصفه ب«الزعيم الذي يخدم ذاته». وفي ما يلي النص الكامل للمقال: يتكلم «الزعيم» عن «التغيير» و«البناء» دون أن يُدرك معانيهما، إذ لا يمكن الحديث عنهما، ولا عن الحياة بدون التسليم بوجوب، بل وبحتمية، التحوُّل المستمر. فللمفهومين مبادئ وقيم وأبعاد إنسانية، كما ينبغي أن يحملا باستمرار أشياء أفضل من تلك التي يسعيان إلى تغييرها وبنائها. ومادام «الزعيم» لا يخدم إلا ذاته، فقد تحوّل إلى كائن غريب ليس عن تنظيمه فحسب، بل وكذلك عن نفسه، لأنه يسير بنا إلى الهاوية عبر اعتماد أساليب مضادّة لتغيير الذات والمجتمع والدولة وإعادة بنائهما، بل إنه ينسف هذه المؤسسات برمَّتها، ما جعل كلا من الاتحاديين والمجتمع يرفضان هذه «الزعامة» باسم المبادئ والقيم... لقد فشلت هذه «الزعامة» على جميع المستويات، بل إنها تشكل أحد أسس الفشل الذي لحق بالحزب، لأن صاحبنا يسعى إلى الاستيلاء على كل مؤسساته بهدف الانفراد بكل القرارات والتحكم في كل الموارد، ما حال –وسيحول- دون تغيير أي شيء، فآلَ الأمر بالاتحاد إلى أن تحوَّل إلى جزء من البنيات التقليدية الأساسية للواقع الراهن التي لا يمكن تحقيق تغيير ولا ديمقراطية ولا تنمية بدون تغييرها وتحديثها... يتحدث الرجل عن ضرورة «استقلالية» مؤسسات الحزب بهدف الظهور بمظهر المتفتح، لكنه يسعى في العمق إلى عزلها ليربطها بشخصه أو بجهات أخرى خارج الاتحاد. وبالتالي، فهو يروم تفتيته وفصل مؤسساته عن بعضها البعض، وخلق التناقضات داخلها وبينها من أجل بتر مختلف أذرع هذا التنظيم حتى يتسنى له الاستئثار شخصيا بقراراته وتقويضه... ويعود ذلك إلى أنه مأخوذ بشهوة السلطة والمال... لا يتوقف «الزعيم» عند المسمَّيات لمعرفة معناها، إذ إنه مأخوذ بالأسماء لأنه لا يهتم إلا بالأشكال والمظاهر، ما جعله يعتقد أن مفاهيم «الحداثة» و«الديمقراطية» و«الحرية»... هي مجرّد ألفاظ يتم تداولها في ذاتها بمعزلٍ عن سياقها، و«هويتها»، وتاريخيّتها، ونسبيتها. وقد ترتب عن ذلك تحريفها وتشويهها عبر إفراغها من معناها الأصليّ. كما أنه لا يستخدمها باعتبارها أفقاً مفتوحا، وإنما بوصفها أدواتٍ عمليّة تخدمه لتحقيق أهدافه، إذ إنه كائن عجيني قابل للصبِّ في أي قالب من أجل الاستفادة من الريع... وإذا كان لمفهومي «التغيير» و«البناء» معنى أوّل مباشر هو الانتقال من حالة سيّئة إلى حالةٍ أفضل، أي من الحاضر الذي يضع قيودا على الإنسان إلى المستقبل الذي يحرّره ويطلق سراح عقله وخياله وكل طاقاته... فإن مفهوم «التغيير» عند «الزعيم» يعني عبادة شخصه والامتثال لأهوائه ورغباته وشهواته ومخيّلاته، أي لكل ما يتناقض مع الطبيعة على كل المستويات. إنه «تغيير» يغتال العقل والخيال والابتكار، ما يعني قتل الإنسان في حد ذاته... ويدل ذلك على تخلّف وعي «الزعيم» نفسه، وافتقاره إلى أي أفق حضاري – إنساني.... هكذا، فهو يختزل مفهومي الحزب والمجتمع، على تنوّعهما وغناهما وتعدّدهما واتّساعهما، في شخصه، حيث يرى أنّ «كلامه» مطلق فوق الإنسان، ما يجسد بلوغه ذُروةَ الانغلاق الفكريّ الذي يتعارض جذريا مع طبيعة الحياة والإنسان في آن، لأنه يُحوِّل الحياة إلى جحيم، والإنسان إلى عبد أو آلة، والوجود إلى سجن كبير ذي أسوار شاهقة العُلوّ. إذا كان الوازع الوطني الأساس يقتضي العمل على أن يكون المغرب «أفضل وأعدل وأجمل وأغنى»، فإن المحرك الأول للزعيم هو الوصولية وبلوغ السلطة وتحقيق الثراء الفاحش... ونظرا إلى كون الأعيان الوسخين يستعملون الأموال الفاسدة لشراء أصوات الناخبين، فإنه يسعى إلى الوصول إلى السلطة عن طريق ترشيحهم باسم الحزب في الانتخابات المقبلة، ويعني ذلك أنه حوَّل السياسة إلى فضاء لسائر أنواع التجارة والتبعيّة والفساد، فأصبح يشعر بأنّ شخصه أكثر أهمية من الوطن والمجتمع والحزب، إذ لم يَعُدْ لهذين أية أهمية، في اعتقاده... وهكذا أصبح يؤمن بأنه بإمكانه أن يحقق لذاته كل رغباتها الجامحة، ما يجسّد العبث في أجلى صوره. وللمزيد من التوضيح، فقد سبق أن وجه العديد من الملاحظين نقدا حادّا إلى الزعيم حول محاربته للمثقفين لأنه يخاف مساءلتهم له وكشف انحرافاته... وللردّ على هؤلاء، فقد قام بعمليتين اثنتين: أولاهما، زيارة معرض الكتاب والتقاط صور له هناك، تم نشر مجموعة منها في جريدة الحزب. لكن، هل يمكن أن يصير الشخص مثقفا بمجرد زيارته للمعرض والتقاط صور شخصية فيه؟! وهل كل الذين يزورونه يؤمنون بجدوى الثقافة والمثقفين؟ ألا يعدو الأمر مجرد تعمية وتمويه؟ أما العملية الثانية، فهي تنظيم ندوة ثقافية مع «اتحاد كتاب المغرب»، ومنح بعض المثقفين هدايا اعترافية. لكن مثل هذا السلوك لن ينزع عنه صفة الاستخفاف بالمثقفين، إذ لا علاقة له بالثقافة وأهلها. فهل يمكن لمن لا يؤمن بالحرية أن يؤمن بالفكر؟ ألا تنطوي البنية العقلية والثقافية للزعيم على عنف كبير يتمثل، خاصة، في عدم الاعتراف بالآخر المختلف؟ وهل يتعايش عشقه للريع مع الفكر؟ وهل عرض على المشاركين في هذه الندوة مشروعه الثقافي لمناقشته؟ إنه يرفض ذلك، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، ما يفسر قحطه وتصحُّره الفكريين القاتلين الناجمين عن نفوره من مثقفي حزبه ومعاداتهم خوفا من أسئلتهم وشعوره بالعجز أمامهم. إضافة إلى ذلك، هل يقبل «الزعيم» من المثقفين أن يضعوا خطابه وسلوكه محط نقاش فكري؟ إنه لا يقبل ذلك مخافة أن ينكشف أمره ويفقد شرعيته ويسقط سقطة مدوية... يمكن تفسير عداء «الزعيم» للثقافة بفراغه الفكري وعجزه عن بذل أي مجهود يُمَكّن الحزب من الدخول في عمليات تغيير اجتماعي وثقافي عميقة.. وقد نجم ذلك عن تخلّيه عن الفئات الوسطى، وفي طليعتها المثقفون الذين يشكلون العمود الفقري لحزبه، وشلِّهم لكي لا تحتل هذه الفئات مكانتها وموقعها في السياق الاجتماعي والثقافي، وتؤسس للحداثة، وتحارب القيم الأبوية الإقطاعية التي يرسخها الأعيان الوسخون الذين يعملُ «الزعيم» على استقطابهم إلى الحزب... فهؤلاء لا يؤسسون إلا للتخلف وعدم الاستقرار، على عكس الفئات الوسطى القادرة وحدها على وضع أسس اجتماعية وثقافية لعملية تحديث تاريخية وثقافية واجتماعية... إنه يعادي الحداثة والديمقراطية لأنهما تتعارضان مع طبيعة زعامته ومطامعه... فضلا عن ذلك، لقد قام «الزعيم» مؤخرا بزيارة لإقليم بولمان بحثا عن ترميم شرعيته بدون مشروع، وذلك عبر المشاركة في افتتاح المؤتمر الإقليمي للحزب بهذا الإقليم. لكن ما أثار استياء المناضلين والملاحظين هو ما ورد في كلمته التي سعى من خلالها إلى تحريف التاريخ، حيث قال لهم: «إن المرحوم سي عبد الرحيم بوعبيد ورفيقيه سي محمد اليازغي وسي محمد الحبابي لم يكونوا معتقلين في مدينة ميسور، بل كانوا ضيوفا على سكانها». يدل مثل هذا الكلام على أنه لا همّ لهذا «الزعيم» سوى مسخ ذاكرة الحزب النضالية ومحوها بغية الانحراف عن مبادئه وقيمه وسرقته ووأده. فهو يشعر بضعفه وصغره أمام كل الذين ضحوا لأنه غير قادر على التشبع بتلك القيم والعمل على تحقيقها، ما يُعرِّيه أمام المغاربة ويكشف كراهيته لقيم التضحية من أجل الوطن والبناء الديمقراطي... ويعود ذلك إلى أن هذه القيم تتعارض مع قيمه الذاتية وطبيعة شخصيته، وبالتالي تحول دون استفادته من الريع، لأن السياسة في اعتقاده هي فن التموقع من أجل الاستفادة الشخصية... علاوة على ذلك، لقد بعث «الزعيم» مؤخرا برسالة إلى كل القطاعات الحزبية يطلب منها فيها تسديد مساهماتهم المالية الحزبية، ومثل هذا الإجراء يقتضي، في رأيي، تقديم جملة ملاحظات، أهمها: أولا: يشكل تأخير التسديد موقفا من غياب الشفافية في تعامل «الزعيم» مع صرف المال الحزبي، إذ لم يقدم أمام اللجنة الإدارية للحزب تقريرا مفصَّلا حول طبيعة النفقات، ولا حول الكيفية التي صرفت بها ميزانية السنة الفارطة التي تتكون أساسا من مساهمات المناضلين ودعم الدولة... وهذا ما يؤكد أن «الزعيم» يتهرب من الشفافية لكونه يرفض المراقبة والمحاسبة، ما يجعل مفهومه للديمقراطية خاليا من أي مضمون. ثانيا: يشكو المناضلون توظيف «الزعيم» ميزانية الحزب أساسا ضد معارضيه في الحزب بغية مسخ هويته ومحو ذاكرته، وإفراغه من مناضليه، واستبدالهم بأعيان وسخين وببلطجيتهم... كما أنه حوّله إلى وكالة أسفار يتبرع، من خلالها، أساسا على من يعملون لحسابه بالتنقل بين مختلف عواصم العالم باسم ما يسميه «الدبلوماسية الحزبية». أضف إلى ذلك أنه حوَّل إقامته إلى مطعم مفتوح ليلا ونهارا، ما جعل المناضلين يتساءلون عن طبيعة هذا السخاء، وعن مصدر تمويل هذه الولائم المستدامة... وهذا ما يعصف بشرعية «الزعيم»، ويقضي بعدم تمكنه من تحصيل المساهمات المالية من المناضلين الذين امتنعوا عن تسديدها لكي لا يوظفها لصالحه الخاص. لكن هذا لا يعفيهم من أدائها، بل يجب أن يواصلوا دفعها للمسؤولين الشرعيين لقطاعاتهم لكي يحتفظوا بها حتى تعود الشرعية الحزبية. ثالثا: نظرا لكون هذا «الزعيم» يعتقد أنه ولِد ليكون زعيما أبديا للحزب، فإنه يحتكر كل المسؤوليات، حيث يقوم بدور الآمر بالصرف والأمين والمحاسب في آن واحد، وهو أمر مرفوض قانونا، إذ يلزم أن تخضع عملية الصرف لضوابط قانونية موضوعية مستقلة عن إرادة الآمر بالصرف حتى لا تُصرَف الميزانية في غير الوجوه المُسَخَّرة لها، وحسب هوى الآمر بصرفها... إنه لا يؤمن إلا ب«الديموكلاطية» (نسبة إلى «الكلاطة»، أي البندقية)، لأنه يجد لذة في طرد المثقفين والمناضلين من الحزب بهدف الوصول إلى السلطة ومراكمة الأموال... لكن ما لا يعيه هذا «الزعيم» هو أن الثورة المعلوماتية تساعد الشباب الصاعد على تأسيس علاقات جديدة تفتح آفاقاً جديدة لظهور إنسان من طراز مختلف، جديد، يقظ، واع، مُدهش، وفعّال. كثيرا ما يسعى بعض المواطنين إلى فهم ما يجري في الاتحاد حاليا، عبر طرح أسئلة وتبادل وجهات النظر في مقاه وغيرها من الأمكنة العمومية. فقبل يومين، استوقفني في طريقي إلى العمل شخص كان يحمل كتبا في يده، لم أعد أذكر اسمه، إذ لم تكن ملامح وجهه غريبة عني. وبعد التحية، بدأ يتحدث بمرارة عما آل إليه الاتحاد من أوضاع مزرية... ثم ختم كلامه بأن رحيل «الزعيم» قد أصبح مطلبا مجتمعيا، لا اتحاديا فقط. ففهمت من كلامه وكلام غيره ممن تتأتى لي فرصة تجاذب أطراف الحديث معهم حول الاتحاد أن هذا الحزب مازال حيّا في وجدان شريحة واسعة من المجتمع المغربي، وألا خوف عليه. محمد بوبكري عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.