على أسوار قلعة«الصقالة« التاريخية فى مدينة الصويرة المغربية (400 كلم جنوب العاصمة الرباط)، تنطبع صفحات من حكاية المغرب مع جارته الأوروبية، تمتد فصولها، منذ أيام الغزوات المغربية فى اتجاه شبه الجزيرة الإيبرية (البرتغال وإسبانيا) لإقامة حضارة الأندلس فى الفترة بين عامى 711 و1492م. ومع الغزو الاستعمارى الذى شنته الدول الأوروبية على السواحل الجنوبية للبحر المتوسط بعد ضعف الدولة المركزية فى بلاد المغرب الأقصى أمام تطور الآلة العسكرية الأوربية مع نهاية القرن الرابع عشر وبدايات القرن الخامس عشر الميلادى، جاء إنشاء قلعة "الصقالة" على يد السلطان المغربى محمد بن عبد الله (فترة الدولة العلوية) فى القرن الثامن عشر؛ لحماية أمن الساحل المغربى. وصنفت منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو" قلعة "الصقالة"، ضمن التراث العالمى، وهى تشبه إلى حد بعيد القلاع العسكرية التى أنشأت لتأمين الدفاعات فى الثغور المغربية ضد الغزو الأوروبى. وبحسب جولة أجرتها مراسلة الأناضول فى مدينة الصويرة وزارت خلالها قلعة "الصقالة"، فإن القلعة تضفى على المدينة طابعا خاصا، يجعل منها ومن أزقتها القديمة المطوقة بأسوار تاريخية أشبه بحصن صغير، يطفو على سطح المدينة التى تحيط بها مياه المحيط الأطلسى من جنباتها الثلاث، وتطل شواطئها على جزيرة موكادور التاريخية. ورغم مرور عدة قرون على تشييدها، إلا أن هذه القلعة التاريخية وأسوارها لا تزال تحافظ على صلابتها وتماسكها فى مواجهة أمواج البحر العاتية ورطوبته المقيمة فى المدينة على امتداد فصول السنة. وتحاكى أسوار القلعة فى طريقة بنائها وتصميمها الطراز الأوروبى، على خلاف باقى الأسوار الداخلية للمدينة، التى ظلت محافظة على طراز المدن المغربية العتيقة الغنى بفن العمارة الأندلسية والطراز الموحدى (نسبة للإمبراطورية الموحدية التى حكمت المغرب بين عامى 1121 و1269م)، فى إقامة الأسوار والتحصينات الخارجية للمدن. فعلى الواجهة البحرية للمدينة أقيمت صقالتان (قلاع دفاعية) صقالة القصبة وصقالة البحر، وتشير الدراسات التاريخية إلى أن السلطان العلوى محمد بن عبد الله الذى يعد المؤسس التاريخى لمدينة الصويرة سنة 1760م، قد أولى اهتماما كبيرا لإنشاء هذه القلاع الدفاعية فى عدد من المدن المغربية وفى مقدمتها الصويرة نظرا لموقعها الجغرافى الإستراتيجية. وكانت تقام فى قمة هذه القلاع العسكرية أبراجا كبيرة للمراقبة وشرفات يتمركز بها جنود السواحل ضد الهجمات الإيبرية (الإسبانية والبرتغالية)، خاصة بعد الاحتلال الأسبانى والبرتغالى فى القرن الخامس عشر بعد ضعف السلطة المركزية فى المغرب زمن الدولة الوطاسية (1472- 1545) وعدم قدرة الجيش المغربى السلطانى على مواجهة التهديدات الخارجية، قبل أن يستعيد المغرب قوته العسكرية والسياسية فى عهد الدولة السعدية (1554- 1659). وقرب شاطئ مدينة الصويرة التاريخية تتواجد جزيرة موكادور، وهى عبارة عن مجموعة من الكتل الصخرية التى تنبسط فى مياه المحيط الأطلسى وتبعد عن شاطئ المدينة نحو كيلو متر واحد، حيث تعد الجزيرة الوحيدة على طول الساحل الأطلسى المغربى، إلى جانب جزر الكنارى الخاضعة للسيطرة الإسبانية. وتتحدث الروايات التاريخية عن أن هذه الجزيرة كانت محطة تجارية لسفن الفينقيين، الذين يرجح أنهم من أطلقوا عليها اسم موكادور ويعنى باللغة الفينيقية القديمة "ميكدول" أى الحصن الصغير. ولعبت هذه الجزيرة أدوارا دفاعية مهمة بالنسبة للمدينة، وبُنى بها سجن كان يوضع به المعتقلون، كما بنى بالجزيرة مسجد ذو طراز مميز مما أعطى الجزيرة منظرا ساحرا يجعل منها معلما سياحيا متميزا فى المغرب. كما توجد قرب شاطئ المدينة جزيرة أخرى صغيرة بها قلعة عسكرية، كانت بمثابة ثكنة للمراقبة العسكرية، لكن هذه الآثار التاريخية لهذا الأرخبيل الساحر على شواطئ مدينة الصويرة تعانى الآن بفعل رطوبة البحر وملوحة مياهه من خطر الانهيار حسبما يقول نشطاء محليون. وتكلف بناء هذه الآثار، التى تشبه إلى حد بعيد القلاع التاريخية الأوروبية، مبالغ باهظة وقت بنائها. وتتوفر فى القلاع العسكرية فى مدينة الصويرة،على غرار باقى المدن الساحلية المغربية، أبراج للمراقبة بها مدافع موجهة صوب البحر وبها نقوش تدل على أصلها الإيبرى، وهو ما يؤكد أن المغرب فى حينها كان يسعى إلى الاستفادة من التقدم الذى عرفته أوروبا فى المجال العسكرى من أجل الدفاع عن أراضيه تجاه الضغوط الاستعمارية المتلاحقة التى كان يتعرض لها خاصة فى ذلك الوقت. وفى عهد الدولة الوطاسية، تعرضت أغلب المدن الساحلية المغربية للاحتلال، الصويرة (جنوب)، الجديدة (وسط)، آسفى (وسط))، وقامت الزوايا الصوفية فى حينها بحملات الجهاد ضد الغزو الاستعماري. وتمكنت المقاومة المغربية بعد معركة واد المخازن الشهيرة من إنهاء التواجد الإيبرى فى المغرب سنة 1578م واستعادة الثغور المغربية باستثناء مدينتى سبتة ومليلة المطلتين على ساحل البحر المتوسط واللتين تخضعان للسيطرة الإسبانية حتى اليوم، رغم مطالبة المغرب بتسوية هذا الملف.