يحلو لكثير من العلمانيين والمتصهينين ببلادنا أن يقتنصوا الفرص السانحة للهجوم على الإسلام؛ أية فرصة؛ كيفما كان نوعها، أو حجمها، أو طبيعتها، أو وزنها الرمزي. المهم أنهم يرونها سانحة لتجديد الدين الإسلامي من زاوية التشويه. يرونها فرصة ملائمة لهدم مآذن القاهرة.. ومساجد إسطنبول.. ومنابر دمشق.. وكراسي فاس العلمية. من هنا يرى هؤلاء العلمانيون أن اغتصاب شيخ كبير السن لطفل صغير بإحدى الغرف الطينية القابعة تحت سفح جبل بقرية نائية، لم تعرها الدولة يوما أي اهتمام أو عناية، فرصة سانحة للهجوم على الإسلام بقرآنه وسنة نبيه العظيم، وعلمائه الصالحين الأبرار. فالشيخ، هنا، يمثل الإسلام: عقيدة وشريعة وقيما أخلاقية، رغم أن الشيخ يبلغ من العمر عتيا (أكثر من ثمانين سنة). أي أنه فاقد للأهلية لعتوه وخفة عقله وسفاهة سلوكه. والغرفة الطينية أضحت مسجدا يذكر فيه إسم الله، وتتلى فيه آيات بينات من الذكر الحكيم آناء الليل وأطراف النهار. والقرية النائية، التي لا مكان لها في جميع الخرائط الجغرافية التي أنجزتها الدولة منذ الاستقلال إلى اليوم، أجبرت قناة تلفزيونية على إنفاق الملايين من السنتيمات لزيارتها، وإجراء تحقيق صحفي بشأن وقائع يعرفها مجتمعنا منذ آلاف السنين.. ألم يكن من الواجب والأحرى أن تنفق هذه الملايين من أموال الشعب في توفير بنية تحتية حقيقية لهذه القرية من مدارس ومستشفيات ومعامل ؟ عجيب أمر هؤلاء العلمانيين. لقد حولوا هذا الشيخ المسن المعتوه إلى فقيه يعلم الناس دينهم، ويفسر قرآنهم، ويشرح أحاديث رسولهم، ويفتيهم في الواجب والمباح والحرام والمكروه والمندوب. وبنوا على أنقاض فعل الشيخ المشين أحكاما تقضي بهدم المساجد والكنائس والمعابد والبيع. وقرروا، بعد ذلك، أن كل من ارتاد المساجد هو من تجار دين، وأعداء الفكر الحر، وصناع العنف. بل اعتبروا كل من كان وجهه مغطى باللحية، مشاركا في جريمة الشيخ المسن، مؤيدا لها، محرضا عليها. يا سبحان الله "أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ". العلمانيون يعلمون، جيدا، أن أغلب المفكرين الذين صنعوا الحضارة الإنسانية كانوا من ذوي اللحى الطويلة، والتي بإمكانها أن تغطي غابة الأمازون. ويعرفون، جيدا، أن ليو تولستوي كان صاحب لحية مثيرة، وايفان تورغينيف لم يكن أقل من زميله الروسي في إعفاء لحيته، وأن دوستويفسكي كان ينافسهما في الظفر بفضيلة اللحية ومنافعها. بل إن زعيم الملحدين والعلمانيين كارل ماركس وزميله في التنوير اللاديني فريدريك إنجلز كانا حريصين على التقاط صورهما باللحية المهذبة والمشذبة والأنيقة. كما يعلم العلمانيون جيدا أن أعلام الحضارة الإنسانية المسلمين من أمثال الكندي والفارابي وابن سينا والغزالي وابن رشد وابن خلدون وابن طفيل كانوا أصحاب لحى، ولم يكونوا زناة. فما دخل اللحية في الزنا واقتراف الموبقات ؟ ثم كيف للعلمانيين أن تنتفض غيرتهم وحميتهم الأخلاقية ضد هذا الفعل المشين الذي اقترفه الشيخ المسن، وهم في حقيقتهم وجوهرهم الكينوني زناة بالفطرة ؟. كيف وهم، أصلا، مشروع فساد أخلاقي ؟. كيف وهم دعاة الرذيلة والفحشاء والمنكر ؟. كيف وهم لا يؤمنون بالدين ولا بمكارم الأخلاق ؟. كيف وهم من أشد الناس شراسة ودفاعا عن المثليين من اللواطيين والسحاقيات ؟. كيف وهم ممن يشجعون على إنتاج أفلام البورنو والخلاعة والحيوانية ؟. كيف وهم من الرافضين لتدريس مواد الدين والأخلاق بالمدارس والجامعات ؟. كيف أصبحوا اليوم، ومن حيثيات صغيرة لواقعة مشينة تعرفها مجتمعاتنا الإنسانية بأعداد وأرقام مخيفة، مجددين للدين ؟ منافحين عن الأخلاق والآداب الحميدة ؟ ومدافعين عن الطفولة الفقيرة والمعوزة والمهملة ؟. ألم يجدوا في هذه القرية النائية سوى هذه الحالة الفريدة والمعزولة والشاذة من السلوك المنحرف ليؤسسوا مجدهم في النضال والفروسية ؟. ألا يستحق أطفال هذه القرية الدفاع عن حقهم في التعليم، والتطبيب، والأكل النظيف، والماء الزلال ؟ وعن حقهم في مواطنة كاملة ؟ وفي الاستفادة من ثروات البلاد البحرية والبرية ؟. مساكين هؤلاء الزناة بالفطرة، لم يجدوا إلا جريمة شيخ مسن منتهي الصلاحية في حق طفل صغير ، ليجددوا كيدهم للإسلام ؟ ومساجده ؟ وعلمائه ؟ وقيمه النبيلة ؟.