أجمع مؤرخون وأكاديميون عرب وفرنسيون على أن شعوبا عربية ومغاربية ومشرقية وعثمانية ساهمت في بناء التاريخ السياسي والثقافي والعسكري والديني والفني والاقتصادي لفرنسا، وذلك على مدى 13 قرنا، دون أن يذكروا هذه الشعوب بالاسم. جاء ذلك خلال لقاء حول موضوع: "فرنسا العربية المشرقية" شارك فيه الباحث التونسي عبد الوهاب مؤدب، والشاعر الفرنسي ذو الأصول التونسية هوبير حداد، والكاتب الموريتاني الفرنسي كريم مسك، والمؤرخ الفرنسي نيكولا بونسيل، والكاتب الفرنسي المولود بالجزائر، جون ماري بلاس دوروبليس، في وقت متأخر من مساء السبت، في الرباط، في إطار المهرجان الدولي للكتاب والفيلم "مسافرون مذهلون". وقال المؤرخ الفرنسي، نيكولا بونسيل، إن "التأثير الذي مارسه المشرق والعالم العربي على فرنسا كبير حدا، وما زال مستمرا إلى الآن"، مشيرا إلى أن بلاده "تمثل البلد الأوروبي النموذجي الذي يظهر فيه هذا التأثير بشكل جلي على مدى 13 قرنا". ونوه بونسيل إلى أن هذا التأثير هو الذي دفع دار النشر الفرنسية "لاديكوفيرت" إلى إصدار كتاب ضخم بعنوان: "فرنسا العربية المشرقية"، وهو ثمرة عمل جماعي، يسرد تاريخ فرنسا في علاقتها بالعالم العربي مشرقا ومغربا، منذ القرن السابع وبداية الفتوحات العربية، وحتى العصر الراهن. ويشار إلى أن بونسيل ضمن أربعين مؤرخا شاركوا في تأليف هذا الكتاب. وأكد بونسيل أيضا أن بلاده شهدت "على مدى ثلاثة عشر قرنا، بشكل أو بآخر، حضور شعوب عربية ومغاربية ومشرقية وعثمانية على التراب الفرنسي، حضورا ساهم في بناء تاريخ فرنسا السياسي والثقافي والعسكري والديني والفني والاقتصادي". ومضى قائلا: "أن يكون المرء عربيا مشرقيا في فرنسا، بصرف النظر عن دولته أو ديانته، معناه أنه يندرج في حكاية جماعية يسكنها الأبطال، والمعارك، والأساطير، والأحلام، وتندرج أيضا ضمن الهويات المتعددة التي تعتبر جزءا لا يتجزأ من فرنسا في القرن 21". من جهته، رأى الكاتب والمفكر التونسي عبد الوهاب مؤدب، وهو متخصص في فلسفة الإسلام، ويشرف على برنامج فكري في القناة الفرنسية الثالثة، أن الهوية الفرنسية تطرح اليوم أكثر من سؤال، خاصة أن البلد يعج بالجنسيات المتعددة، وبالثقافات المختلفة، ومن بينها الثقافة العربية والإسلامية. وأكد مؤدب (الذي صدر له ول "بنجامين اسْتورا"، مؤخرا، كتابا بعنوان: "تاريخ العلاقات بين اليهود والمسلمين")، أن فرنسا تأثرت بالفلسفة والفكر العربي الإسلامي، واغتنت من تاريخه ومن إنتاجاته الفكرية، والأدبية، والفنية، التي ما زالت مستمرة إلى الآن، مشيرا إلى أن مجموعة قصص "ألف ليلة وليلة" (تدور في أغلبها بشخصيات وبيئات عربية)، ما زالت تمارس سحرها على الثقافة الفرنسية حتى الآن. كما قال الكاتب الموريتاني الفرنسي كريم مسك، إن "فرنسا اليوم مختلطة، ولم تعد مثلما يتذكرها في طفولته، فرنساالبيضاء والمسيحية"، مذكرا بمحاولته طرح أسئلة الهوية بفرنسا في روايته "عرب الجاز". ونوه مسك إلى أنه سعى من خلال إصدار هذه الرواية إلى " إثارة الانتباه إلى الحضور العربي والمشرقي في التاريخ والذاكرة المشتركة بفرنسا". ويسدل الستار اليوم الأحد على فعاليات هذا المهرجان، الذي تنظمه مؤسسة مهرجان "مسافرون مذهلون" الفرنسية، بمدينتي الرباط وسلا، بتنسيق مع مجلس الجالية المغربية بالخارج والمعهد الثقافي الفرنسي(مؤسسة فرنسية رسمية) في إطار موسمه الثقافي "فرنسا – المغرب 2014". يذكر أن مهرجان "مسافرون مذهلون" تأسس سنة 1990 من طرف الكاتب الفرنسي ميشال لوبري، بمشاركة كتاب آخرين ، اقتبسوا اسم المهرجان من قصيدة للشاعر الفرنسي شارل بودلير. ويهدف هذا المهرجان، حسب افتتاحية مؤسسه ميشال لوبري، إلى مساءلة مختلف الوجوه الثقافية والفنية والفكرية في العالم، حول التحولات التي تعرفها مجتمعاتنا وقيمنا، ولعل هذا هو السبب الذي جعل هذا المهرجان يتنقل بين البلدان (أمريكا، ألمانيا، فلسطين، الكونغو الديمقراطية)، ليكون المهرجان الفرانكفوني الوحيد الذي يخلق هذه الروابط العالمية. ويضم هذا المهرجان المتنقل، الذي يحمل شعار "عالم يتحرك"، والذي حط رحاله السنة الماضية ببرازافيل بالكونغو الديمقراطية، عروضا سينمائية ومسرحية وموسيقية، ولقاءات أدبية وفكرية، وورشات للحكاية، والشعر. ويأتي اختيار المغرب في دورة 2014 من طرف مهرجان "مسافرون مذهلون"، حسب ميشال لوبري دائما، لكون المغرب بلدا "يعرف تحولات كبيرة، وغليانا ثقافيا"، إضافة إلى كونه ملتقى مختلف الثقافات العالمية، وهذا ما يمنحه الأصالة والقوة. ويعرف هذا المهرجان عرض مجموعة من الأفلام السينمائية والوثائقية عن الثورات العربية، ولقاءات مع مخرجيها، كما سيخصص لقاءات احتفائية بمجموعة من الكتاب المغاربة والأجانب، وتوقيعات لمؤلفين ومكتبة متنقلة، إضافة إلى يومين مخصصين للقاءات المدرسية والجامعية.