رب سائل يتساءل هل هناك مدرسة إدارية إسلامية قائمة بذاتها لها أسسها ومبادئها؟ ولئن وجدت الم تتعرض للتقادم مثل باقي المدارس؟ وهل يمكن تطبيقها في الوقت الراهن؟ أسئلة صائبة ومشروعة، لكن المتتبع لمسار الفكر الإداري الإسلامي سيستنبط أن الفكر الإداري الإسلامي كان ولا يزال أسلوبا إداريا ناجحا ومنارة إشعاع يهتدى بها في المجال الإداري منذ قرون خلت، بالإضافة أن مجمل مبادئ وأسس النظريات سواء الكلاسيكية منها أو المعاصرة مصدرها الفكر الإداري الإسلامي أكانت تدري أو لا تدري وهذه حقيقة أرخت لها جملة من المؤلفات والكتابات و هذا ليس غلو وانحياز فكري. من ناحية أخرى هناك من يعتقد أن الدين الإسلامي دين تعبدي أخروي وليس دنيوي ولا صلة له بالحياة الدنيوية ، وهذا فهم خاطئ لان الإسلام يتواشج بين ما هو أخروي ودنيوي يقول جلا وعلا« وابتغ فيما آتاك الدار الآخرة ولا تنسى نصيبك من الدنيا» سورة القصص، فالإسلام دين دنيا ولا يقتصر على الأركان الخمسة بل يشمل المجال السياسي والاقتصادي والإداري وما إلى ذلك، فمنذ صدر الإسلام وبعد لملمة القبائل على كلمة سواء أقيمت دولة منقطعة النظير ليس كمثلها دولة ممتدة الجذور في أعماق التاريخ. وكما هو معلوم أن كل إدارة ومنها الإدارة اليابانية وغيرها تستند على جملة من المفاهيم و الركائز كالتخطيط والتنظيم والتوظيف والتحفيز والتوجيه والتنسيق ثم الرقابة، فان هذه المفاهيم كانت سمات الإدارة في العهد النبوي، وتحدثت عنها مجموعة من الأدبيات الصادرة بإسهاب. 1) التوظيف في الإدارة الإسلامية: إن أساس التوظيف في الإسلام قائم على الجدارة و الكفاءة وتولية الأصلح، قال رسول الله( من ولى من أمر المسلمين شيئا فولى رجلا وهو يجد من هو الأصلح للمسلمين منه فقد خان الله ورسوله) وقال أيضا ( أيما رجل استعمل رجلا على عشرة أنفس علم انه في العشرة أفضل ممن استعمل فقد غش الله ورسوله وغش جماعة المسلمين ) ويروى أن أبا ذر الغفاري قال للرسول عليه الصلاة و السلام "ألا تستعملني" فقال الرسول ( يا أبا ذر إنك ضعيف واني أحب لك ما أحبه لنفسي وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيه ). ومن هنا فان الإسلام حث على اختيار الأجدر والأكفأ و إسناد الوظائف لمن يستحقها وأهل لها، واعتمد قبل الاختيار على عملية الاختبار المعمول بها حاليا، وكمثال على عملية الاختبار وأشهرها اختبار معاذ بن جبل قبل توليه منصب القضاء عندما سأله رسول الله صلوات الله وسلامه عليه بما تقضي؟ فأجاب: بكتاب الله.فسأله فان لم تجد؟ أجاب : بسنة رسول الله.فسأله فن لم تجد؟ أجاب: اجتهد رأيي ولا آلو. فقال الرسول: الحمد لله الذي وفق رسول رسول لله لما يرضي الله ورسوله. 2) التدريب في الإدارة الإسلامية ويقصد بالتدريب تطوير وتنمية معارف ومدارك وخبرات العاملين ومواكبة كل المتغيرات والتطورات،وقد عمل الإسلام على تأهيل الأفراد وحث على العلم والمعرفة باعتبارهما منطلق أي علم، فكل علم له جانب نظري أولي يليه في المقام الثاني الجانب التطبيقي. قال تعالى «وقل ربي زدني علما»، ويقول رسول الله( اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد ) فطلب العلم و تجديد المفاهيم وسبر أغوار النفس وصقلها لا ينقطع أبد الدهر. 3) التحفيز في الإدارة الإسلامية لقد اصطبغ العمل الإداري الإسلامي بعملية تحفيزية تتأرجح بين حوافز مادية ومعنوية ، يقول جلا وعلا«إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا»، وقال رسول الله(من ولي لنا عملا وليس له منزلا فليتخذ منزلا، أو ليس له زوجة فليتزوج، أو ليس له خادم فليتخذ خادما، أو ليس له دابة فليتخذ دابة. ومن أصاب شيئا سوى ذالك فهو غال )؛ ويعتبر هذا الحديث منبع الكثير من النظريات الحديثة، واليوم نلاحظ مجموعة من المنظمات بمختلف مشاربها تأخذ بمضمونه وتوفر للعمال مسكن وظيفي و سيارة...والتحفيز في الإسلام يكون على قدر العمل والإتقان والإنتاج قال تعالى (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى، وان سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى) سورة النجم... 4) القيادة الإدارية في الإسلام: تعتبر القيادة ضرورة حتمية انطلاقا من قول رسولا لله (لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا آمرو عليهم أحدهم ) ويقول أيضا (إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا عليهم احدهم) ومن هنا أمر الرسول صلى الله وعليه وسلم كل جماعة يفوق عدده ثلاثة أن يؤمروا عليهم قائدا لتلافي الخلافات وتضارب الآراء مما ينتج عنه تشظي وتشرذم. وتتميز القيادة في الإسلام بمجموعة من المميزات يقول جلا وعلا «فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظة القلب لنفض من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين». فالقائد يجب أن يعمل بمبدأ التشاور والصفح وإعمال العقل لا العاطفة، وكذا يجب أن يكون قدوة يحتدى به ، كما انه يلقى على عاتقه مسؤولية ورعاية الأفراد لقول رسول الله (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)... هذا بخصوص جزء من الفكر الإداري الإسلامي، وقد اقتصرت على نتف منه لان التطرق إلى الفكر الإداري الإسلامي من الصعب في مقال واحد الإحاطة بكل جوانبه وبالتالي اقتصرت على المفاهيم المتداولة بكثرة في الإدارة المعاصرة وقد تم التطرق اليها بإيجاز لان الغرض هو شد الانتباه بوجود إدارة إسلامية صدرت بشأنها مؤلفات كثيرة عملت على تأصيل مبادئها وأسسها وتحدثت عن روادها. من جانب ثاني فإن المدارس الحديثة استقت مبادئها من الفكري الإداري الإسلامي نأخذ على سبيل المثال الإدارة اليابانية أو ما يطلق عليها بنظرية Z التي ترتكز على ثلاثة أسس: الثقة و الحذق والمهارة والألفة، فهذه الركائز كان للإسلام الريادة والسبق في إقرارها - الثقة: إن بناء صرح إداري متين يقوم على قاعدة الثقة فبدونها يتهدم هذا الصرح، والرسول صلى الله وعليه وسلم كان يتحسس الرجال الثقة لتكليفهم بالمهام، والثقة في الإسلام ذات صلة وطيدة بالوفاء بالعهود والأمانة والإسلام حرص على الوفاء وأداء الأمانة في كثير من أية كريمة وحديث نبوي. - الحذق والمهارة: من أوصاف المؤمنين الفطنة والحذق قال رسول الله ( المؤمن كيس فطن حذر)، أما المهارة في أصل كل الإعمال في الإسلام قال رسول الله( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه). ولم يقف الإسلام عند هذا الحد بل فتح باب الاجتهاد وكافأ المجتهد سواء اخطأ أو أصاب فقد روي عن النبي في الحديث الصحيح(من اجتهد فأصاب فله أجران وان أخطأ فله اجر.) - الألفة والمودة: يقول النبي صلى الله وعليه وسلم ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) فمنطوق الحديث يؤثث لصورة ايثارية رفيعة من الحب والتواد والتراحم في كل مجال من مجالات الحياة سواء في العمل أو خارجه. ولو اقتصرت على هذا الحديث لكفى فما أعظمه من بيان شافي وكافي في الألفة والمودة لكن لا ضير أن أسوق كذلك حديثا للرسول لله ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه) ويقول تعالى(إنما المؤمنون إخوة) سورة الحجرات ختاما أقول انه لا حري بالكتابات الغزيرة حول المدارس الإدارية الغربية أن ترجع إلا المنبع الصافي الأصيل لكل المرجعيات و النظريات بغية إظهار عمق الفكر الإداري الإسلامي ونجاعته وما يرتكز عليه من أسس راقية وسامية.