دستور داعش ومرجعها ومنهلها الفكري ومنه تتشبع بالبراديغم الفكري كتاب لعمر عبد الحكيم المكنى بأبو مصعب السوري والذي يلقبونه بالجنرال الفيلسوف يعد هذا الشخص من بين أكبر المنظرين لإيديولوجية القاعدة و داعش حاليا، كتابه "النظرية العسكرية و الحركية دعوة المقاومة الإسلامية العالمية "وهو عبارة عن موسوعة مكونة من ستة أجزاء وفيها تعريف مفهوم الجهاد للفرد والجماعة، في الكتاب هناك تفصيل كبير لرؤية الجهاد بالعين الأحادية كما توجد عديد الاستشهادات الكثيرة خاصة آيات من سورة التوبة في مجموعة من أبواب هذا الكتاب . يتحدث أبو مصعب عن نقاط عدة في الكتاب، منها نقطة أسماها ضرب الغزاة في بلادهم ،حيث يشير المنظر للأساليب التقليدية في بناء العمليات الارهابية قديما و يضع مجموعة من المناهج النظرية الحديثة في بناء العمليات أو ما أسماها "العصابات الجهادية" و هو مصطلح جديد دخل قاموس الجماعات الارهابية . أبو مصعب السوري لم يتوانى في شرح الإرهاب برؤيته واعتبر في أحد أبواب الكتاب أن "الإرهاب فريضة و الاغتيال سنة"، بل و قام بفصل تام بين نوعين من الإرهاب حيث قام بتفكيك لغوي واصطلاحي لمفهوم الإرهاب وقسمه بعد ذلك لصنفين "إرهاب مذموم" عندما يمارس من طرف الأعداء الصليبين و اليهود و أتباعهم من الطواغيت، و محمود عندما يمارس من أجل نصرة الحق ودفع الظلم عن المظلومين وهو الذي تتبناه اليوم داعش و أخواتها. ولا يمكن اعتبار أن العمليات التي قامت في فرنسا في لبنان في سيناء والكثير من الأماكن الأخرى في العالم لا تقوم دون استراتيجيات و لا بناء فكري مبني على الاستراتيجيات الحربية، فالمنظر أبو مصعب السوري وضع استراتيجيات أهمها تلك التي أسماها "استراتيجية الردع بالإرهاب" تقوم هذه النظرية على أساس ردع العدو بالخوف وذلك من أجل التراجع في حال فتح حرب مع تنظيم جهادي فيما أطلق عليها "الجبهات المفتوحة " ومن الأمثلة التي أفتخر بها ابو مصعب السوري نموذج اسبانيا و الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها مدريد في 11 مارس 2004 هذه الهجمات لخص فيها المنظر السوري للجماعات الإرهابية الكثير من الإنجازات على حد قوله، حيث اعتبر أنها كانت فعالة و أقنعت الخصم إلى التراجع عن أفغانستان و القتال فيها، مما أدى إلى سحب أنداك رئيس الحكومة الإسباني اليميني خوسي ماريا اثنار قوات بلاده من أفغانستان ، الامر الذي ألحق بأثنار و حزبه ضريبة سياسية غالية و هي الهزيمة في الانتخابات التي جاءت مباشرة بعد ذلك أمام مرشح الحزب الاشتراكي خوسي لويس زاباتيرو في سنة2004 الهزيمة السياسية و التراجع من أفغانستان من النقاط التي ركز عليها أبو مصعب السوري واعتبرها من النقاط المهمة في الصراع بينه وبين الاخر "العدو"، فإذا ما تمت مقارنة بين أحداث الامس واليوم ففي حادث باريس فالجمهورية الفرنسية مشاركة في التحالف الدولي ضد داعش و بالتالي المنهج الذي وضعه ابو مصعب السوري و هو إرهاب الأعداء من أجل التراجع في "الجبهة المفتوحة" و لما لا الهزيمة السياسية في الداخل، وفي هذه الحالة حدت داعش حدو القاعدة في السابق و أخدت بالمنهج الذي رسمه أبو مصعب السوري لتضرب الحزب الاشتراكي الفرنسي بعيد سنة و نصف من الانتخابات الرئاسية التي ستجري في 2017 و تساعد من أجل خلق حالة من لا إجماع حول الرئيس بل و البلبلة و الفتنة الداخلية أي تصدير الفتنة من قلب معركة الصراع إلى دار العدو وثني هذا العدو عن التراجع عن ضرب الرقة و مواقع داعش المسيطرة عليها خاصة في سوريا . وإذا ما تم الربط بين العمليات و أدائها فلا بد من منفذ أو منفذين كما تسمى في الأدبيات الجهادية للحركات المتبنية لهذا الفكر "بالذئاب المنفردة " ، وفي ما يخص هذا الجانب فصل أبو مصعب في هذه النقطة بشكل مستفيض حيث حث على تحويل المبادرات الفردية والتي وصفها بالرائعة إلى ظاهرة يتم توجيهها و استثمارها ولكي يتم ذلك يجب انتقاء الأفراد ومن هؤلاء الذين ينتقون يجب أن تتوفر فيهم شروط مهمة وهي التي أطلق عليها في كتابه الثقافة الإرهابية بعد ذلك تأتي المَلَكة الإرهابية وخاصة معرفة و مطالعة كتب حرب العصابات التي يبدو أن أبو مصعب السوري أحدث ثورة بالنسبة للجماعات الجهادية والتي أصبحت تستعين بمناهج حرب العصابات في السنوات الأخيرة الأمر الذي غير من تكتيك ومنهج العمليات الإرهابية المنفذ في العشرية الأخيرة . وإذا كان الكتاب و الذي حاول من خلاله أبو مصعب السوري الخروج من التأطير النظري لتكتيك الصراع و أساليب المواجهة حاول المنظر السوري تحليل الوضع السياسي والاقتصادي والمجتمعي في البلدان الغربية وربط العلاقة بينها و بين الدول العربية ،كما وضع منظر الفكر الجهادي مجموعة أفكار في البناء الهرمي لشكل التنظيم والأساليب و التكتيكات العسكرية لمواجهة كما يسمى العدو في المواجهات المفتوحة، أي عند التمكين و السيطرة على مساحة جغرافية مهمة كما كان سابقا في أفغانستان و الأن في حدود العراق و سوريا مع داعش أو عبر المواجهات الفردية كما يحدث اليوم في العواصم العربية والغربية . واعتبر أبو مصعب السوري الذي من خلال الإهداء الذي تضمنه الكتاب أن هذا المرجع يعتبر بمثابة دليل ليس لجيله الذي عاش ما كان يسمى إعلاميا بمرحلة "الجهاد الأفغاني" بل إلى الشباب الذي سيأتي مستقبلا و هم أباعود و كواشي و مراح وغيرهم من الشباب الذين سيطرت الايديولوجية الجهادية على عقولهم تم بعد ذلك على مسارات حياتهم وحياة عوائلهم. و في الأخير هناك نقاط كثيرة جاءت في الكتاب تؤطر نظريا المتشبعين بالفكر الإرهابي لداعش و قبلها القاعدة التي أصبحت تقرأ عند المهتمين بها بالمعتدلة مقارنة بدموية داعش المفرطة.