منذ تجديد الثقة في عبد العزيز بوتفليقة كرئيس عليها للولاية الرابعة رغم ظهوره مُقعدا وغير قادر على الكلام، بعد عودته من فرنسا بسبب أزمة صحية، تعيش دولة الجزائر فراغا فعليا في كرسي الرئاسة، وبدا واضحا أن هناك نظاماً تحكم في انتخابات الرئيس بتجديد ولاية بوتفليقة وتمويه الشعب الجزائري أن الرئيس حاضر في كل المناسبات الوطنية، بل وتفننوا في إخراج فيديوهات وصور لتبرير أن الرئيس المُقعد يواكب كل ما يجرى في البلاد، ويستطيع من خلال كرسيه المتحرك تحريك الجيش على الحدود ومحاربة "جند الخلافة" وعقد الاتفاقات. فما الغاية من هذا كله؟ ومن خلال هذا كله يتضح جليا أن الغاية من إبقاء الرئيس المُقعد خدمة مصالح الجهات المتربصة بالحكم التي تعودت على الاستثراء بالسرقات التي تنخر شعبًا يملك من المدخرات النفطية ومن الغاز الطبيعي الشيء الكثير. إذن من يحكم الجزائر؟ الجيش هو الذي حكم ويحكم الجزائر منذ 1962، فهو الذي أتى ببوتفليقة الذي كان وزيرا للخارجية، تحت ذريعة خطة المصالحة الوطنية والحسم نهائيا في الحرب ضد الإرهاب التي خلفت أكثر من 200 ألف قتيلا وتسببت في خسارة ما يقارب 20 مليار دولار ليتم انتخابه رئيسا على التوالي سنة 1999 و 2004 ثم 2009 بعد تعديل الدستور وأخيرا سنة 2014 وهو مقعد على كرسي متحرك وبالتالي فالجيش يتحكم في مؤسسات الدولة بحيث يتدخل في تعيين كل المسؤولين على جميع المستويات بما في ذلك الدوائر المحلية. وأين الشعب من هذا كله؟ الشعب الجزائري للأسف الشديد مغيب كليا في أجندة مُسيري الرئيس المُقعد، وهذا ما أكدته تقارير الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان الشهر الماضي، حيث قالت بان نحو 14 مليون جزائري يعيشون تحت خط الفقر حسب المقاييس العالمية المحددة للفقر، وأضافت الرابطة خلال دراسة أجرتها، نشرت أن ما يعادل 35% من الجزائريين يعانون من الفقر، حيث أن هذه الدراسة شملت 4500 عائلة، 93% منها أكدت تدهور وضعها المعيشي منذ تراجع أسعار النفط. وأوضحت الدراسة أن 80% من ثروات البلاد يتحكم فيها 10% من الجزائريين مشيرة إلى أن هذا الفارق يعود إلى التوزيع غير العادل للثروات بين أبناء الشعب، مؤكدة أن عدد الجزائريين الذين يعيشون تحت خط الفقر وصل إلى أكثر من 9 ملايين في عام 2014، بزيادة 304 ألف عائلة عن عام 2013. إلى أين تسير الجزائر؟ الكل يعلم أن الشعب الجزائري لن يقف مكثوف الأيدي، وراء الصمت الواضح، خصوصا بعدما تلاطمت عناصر كثيرة ومتشابكة والتي جعلت الجزائر مفتوحة على جميع الاحتمالات، وقابلة للتفاعل مع مختلف السيناريوهات. هذا ما لاحظناه مند نهاية سنة 2014، حيث تصاعدت وتيرة الاحتجاجات الشعبية والسياسية بشكل يكاد يكون غير مسبوق، انطلقت شرارتها جنوب البلاد، قادها مجموعة من الشباب الرافضين لعمليات استكشاف الغاز الصخري بعين صالح باعتباره خطرا على البيئة، وعلى المياه الجوفية أساسا، وعلى هذا الأساس طالبو بتدخل عاجل للرئيس المُقعد بوتفليقة من اجل وقف عملية الحفر . وأمام إصرار الحكومة الجزائرية على المضي قدما في المشروع الذي تبلغ قيمته نحو 70 مليار دولار، واتهام المحتجين بخدمة مصالح جهات أجنبية، والغياب الواضح للرئيس بوتفليقة، توسعت الاحتجاجات لتصل إلى المناطق الشمالية من البلاد، صاحبتها تدخلات عنيفة لرجال الأمن، أوصلت الشعب الجزائري المقهور إلى نقطة اللارجوع، خصوصا بعدما فقد الثقة في قيادة همها الوحيد هو دعم عصابات البوليساريو من أجل زعزعة استقرار المغرب الذي أظهر للعالم أنه بلد الأمن والأمان، وجعل المحللين السياسيين يفضلونه عن الجزائر التي تمتلك النفط والغاز. أمام هذا الوضع الكارثي الذي وصلت إليه البلاد، سارع مجموعة من الشخصيات السياسية والثقافية، أغلبها مصنفة ضمن المحسوبين على الرئيس الجزائري، (سارعت) إلى التوقيع على رسالة تتضمن طلب عقد لقاء مع الرئيس المُقعد، لمناقشة هذا الوضع الخطير الذي تعيشه دولة الجزائر. رئيس شبح ونهاية باتت وشيكة؟ دخول شخصيات كانت إلى وقت قريب تصنف ضمن المدافعين عن الرئيس وسياساته في قائمة المطالبين بلقائه، يُؤكد الغياب الفعلي للرئيس المُقعد عن الساحة الجزائرية، ويُعطي انطباعا بأن الانشقاق أصبح الان واقعا حتى بين المساندين للرئيس، خصوصا بعد تشكيك البعض بقدراته الذهنية، بل ودفع الشعب الجزائري بعامته إلى التساؤل أين الرئيس الجزائري؟ أليس من حق الشعب أن يرى رئيسه وسط شوارع المدن، على غرار الملك محمد السادس الذي ظهر مؤخرا يتجول بشوارع مدينة العيون عاصمة الصحراء التي يعتبرها النظام الجزائري محل نزاع بين المغرب والبوليساريو المدعوم من طرف الجزائر، ويتبادل التحية مع سكانها الذين حجوا بكثرة لاستقباله بمناسبة الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء التي اختار عاهل البلاد مخاطبة شعبه وتوجيه رسائل قوية لخصوم الوحدة الترابية منها.