عيوب القوانين الانتخابية كثيرة ومتعددة، لعل أبرزها منح الأدوار الاستدراكية للمتساقطين في امتحانات الحصول على ثقة الشعب، فبعد الياس العماري الذي لم يحصل سوى على 149 صوتا في منطقة نائية ودوار يحتاج الوصول إليه مجهرا وخريطة طبوغرافية، ها هو حكيم بنشماس الذي عاقبه الناخبون في مقاطعة يعقوب المنصور ولم يمنحوه ثقة تسيير المقاطعة لولاية جديدة، يمنح فرصة ذهبية ترفعه الى المنصب الرابع في البلد. واستطاع حكيم بنشماس أن يخلف رفيقه في الحزب، محمد الشيخ بيد الله، الذي يبدو أنه يُعد لتسلم منصب جديد قد يكون هو رئاسة المجلس الاستشاري للشؤون الصحراوية "كوركاس" أو سفارة ما، استطاع ذلك بفارق صوت واحد "قاتلٍ" عن منافسه في سباق رئاسة الغرفة الثانية، القيادي في حزب الاستقلال، عبد المصد قيوح. ففي الوقت الذي حصل فيه الأخير في جولة الإعادة على 57 صوتا، ظفر بنشماس ب 58 صوتا. فرق صوتٍ واحد فقط بين المتنافسين أماط اللثام عن حدة الصراع الذي اشتد في الدقائق الاخيرة التي تسبق جلسة التصويت، والذي خلط كل الأوراق التي اُعيد ترتيبها خارج منطق الأغلبية والمعارضة، وهكذا رأينا خليطا اعتبر من قبل بعض المحللين "هجينا"، فيما رآه آخرون "عودة إلى الأصل" و"خلطة طبيعية". وهكذا رأينا كيف وضع حزب العدالة والتنمية من جديد يده في يد حزب الاستقلال، حليفه السابق في الطبعة الاولى من الحكومة، وفي يد حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية رغم أنه في المعارضة، بالإضافة إلى حزب التقدم والاشتراكية، زيادة على نقابات الاتحاد الوطني للشغل، والاتحاد المغربي للشغل، والاتحاد العام للشغالين بالمغرب. جاء ذلك بالطبع بعد أن اشتم الPPS رائحة "الخيانة" من مستشاري حزب الحركة الشعبية، فسحب مرشح الأغلبية، عبد اللطيف أوعمو من السباق. في المقابل، تابعنا كيف أدار حزبا التجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية ظهريهما لأحزاب الأغلبية، ووضعا يديهما في يد حزب الأصالة والمعاصرة، وكيف سحب الاتحاد العام لمقاولات المغرب، مرشحته "نائلة التازي" في آخر لحظة مع تبرير اعتبر من قبل الكثيرين "مبهما" بل "مُضحكا"، كل ذلك من أجل إيصال بنشماس إلى كرسي الرئاسة. هذا التغير "المفاجئ" في مواقف حزبي "الحمامة" و"السنبلة" و"الباطرونا"، ذهب البعض إلى اعتبار أنه جاء نتيجة "الرعب" الذي زرعته وزارة الداخلية والنيابة العامة في المستشارين في محاولة ل"الضغط" عليهم وتوجيه عملية التصويت نحو مرشح "الجرار". وما إخراج لائحة المتهمين باستعمال المال في استمالة أصوات الناخبين في انتخاب أعضاء مجلس المستشارين بناء على "التنصت" على مكالماتهم الهاتفية، إلى العلن، بل وإذاعتها في قنوات الإعلام العمومي، إلا جزء من هذا الضغط. وحتى الذين لم ترد أسماؤهم في اللائحة ممن وزعوا الأموال تملكهم الخوف، مما جعل "البام" يضمن أصواتا إضافية لمرشحه بسهولة. وإلا فلماذا تم هذا الأمر في انتخابات أعضاء مجلس المستشارين فقط؟ ولماذا لم تقدم وزارة الداخلية على مثل هذا الإجراء بالنسبة لانتخابات اعضاء المجالس الجماعية والإقليمية والجهوية؟ وهل صدفة كان أكبر عدد المتهمين من حزب الاستقلال ضمنهم 10 مستشارين؟… زد على ذلك الإشاعات التي تم ترويجها بشكل مُلفت للانتباه، حول الشروع في اعتقال المتهمين ال26 في هذه القضية، قبل إجراء انتخابات رئاسة مجلس المستشارين.. فهل كل ذلك كان صدفة أم كان بتدبير مُدبر؟ ! وربما هذا ما جعل حكيم بنشماس يستعمل كلمة "خطف" في تعليقه على فوزه برئاسة الغرفة الثانية، حين قال: "بنشماش يخطف رئاسة مجلس المستشارين بفارق صوت واحد"، ولم يكتف بذلك بل أرفقها بخبر نشره أحد المواقع الإلكترونية يحمل الكلمة ذاتها "خطف". الكلمة جرت على بنشماس انتقادات كثيرة، منها من اعتبر أنها تعبير "صادقٌ" عن ما جرى بالفعل وأن كرسي رئاسة مجلس المستشارين خُطفَ من الاغلبية بالدرجة الأولى ومن حزب الاستقلال في مستوى ثانٍ، عن طريق "الضغط" الذي تبدو ملامحه ظاهرة للعيان. ومنها من ذهب إلى أنه من غير اللائق أن تصدر هذه الكلمة من رئيس مؤسسة دستورية هو الرابع في ترتيب هرم الدولة. نعم، لقد "خطف" حزب الأصالة والمعاصرة منصب رئاسة الغرفة الثانية، في حدث أظهر المعدن الحقيقي لبعض الأحزاب السياسية، خصوصا قابلية بعضها للانحناء للضغط والتحكم، وأعاد ترتيب المشهد السياسي المغربي على حقيقته وبدون صباغات تجميلية، استعدادا لموعد ديمقراطي جديد على بعد حوالي سنة، وهو الانتخابات التشريعية، موعد قد يُقبرُ التحكم إلى الأبد أو قد يُضيف أياما أو شهورا او أعواما إلى عمره الحالي.