كنت أقرأ كتابا حول مفهوم الثقافة، فقارنت في لحظة ما يتحدث عنه الكاتب الغربي، وما نفهمه نحن، فكان لا بد من جولة استطلاعية في الحي. المقدم: الثقافة هي الواجبات، واحترام الدولة، وليس مثل هؤلاء الشباب الذين يبغون الفساد في البلاد، يريدون تحويل وطننا لمثل ما يحدث في مصر، أو أوكرانيا، )على الأقل المقدم يعرف آخر تطورات الاحتجاج في أوكرانيا !!!) الشباب يحلمون، نحن في دولة القانون، والشرطة قادرة على لجم أفواه مشعلي الفتن. إمام الصلوات الخمس: الثقافة نعمة، يجب أن نفقه أولادنا في الدين، الأولاد اليوم لا يفقهون شيئا في الصلاة كما ينبغي، يخطئون حتى في الوضوء، ولا يحترمون آبائهم، وكل ذلك بسبب ضعف الثقافة الدينية لديهم. صحيح أنهم يدرسون في المدارس، لكنهم يدرسون موادا بدون ثقافة. الطراف "ساباطيرو": الثقافة..؟ الثقافة هي الذهاب للمدرسة، وأنا لم أذهب للمدرسة، فقد كان والدي فقيها في القرية، وكان يأخذني معه إلى "المسيد" لحفظ القرآن، لكني كنت أهرب دائما، وأعاقب على ذلك بشدة، وأنا اليوم لا أعرف حتى قراءة فاتورة الكهرباء جيدا، الثقافة هي كل شيء، بدون ثقافة نعيش في الذل، والحكرة، وقلة المال. الحاجة فاطمة: الثقافة، نحن لم نكن نعرف مثل هاته الأشياء التي تتكلمون عنها الآن، أنتم شباب اليوم؟، مثل الجن، تفهمون في كل شيء، وتريدون كل شيء، ولكنكم لا تصبرون، الثقافة عندنا نحن هي "عاش الملك". بلايني: شاب أمِّي خرج لتوه من السجن: الثقافة هي القراءة، والكتابة، والفهم، وبعد ذلك... )كلام بذيء) لكي لا نعيش في ظلم وحكرة "السيمي". وفي جرأة غير معهودة !! وقفت قرب شرطي مرور، كان ينظم ازدحام الشارع الرئيسي للحي، وألقيت عليه التحية، ثم وجهت إليه السؤال: في نظرك، ما هي الثقافة؟ انتصب شاربه، وتوسعت عيناه، وحدق مليا في تفاصيل شخصيتي، ثم أدار وجهه، وكأني خنت الوطن، حاولت إعادة طرح السؤال عليه، لكن ما الجدوى وقد عرفت الجواب، كأنه كان يقول في صمته الرهيب الذي أجابني به: الثقافة هي أن تبيت معنا الليلة في "البليقة". لا يعني أن تقرأ عن الثقافة، أنك صرت مثقفا، لكي تفهم الثقافة في وطننا الحبيب، عليك أن تكون من القلة الذين يسطرون التاريخ، لأنك ستجد الكل يتحدث عن الثقافة، وفي نفس الوقت، وفي حقيقة مرة، لا وجود للثقافة. المجتمع حين يتحدث عن الثقافة، ينطلق من حذر وشك في السؤال، ما المراد به؟ ولماذا تسألني أنا بالضبط؟ يخاف أن تكون مخبرا، يخاف من ضرائب جديدة، يخاف من رائحة الدولة في السؤال، الدولة التي احتكرت الثقافة، وجعلت لها نموذجا، على الجميع اتباعه. الثقافة سلاح ينقذنا من سيطرة فكرة الاستبداد، يحيي فينا الكرامة التي حاولت الدولة أن تختزل معناها في ترديد النشيد الوطني، كدت أفقد الأمل في وجود شيء اسمه الثقافة في مجتمعنا، لولا الإجابة الأخيرة، وكانت من طفل يدرس في الطور الإعدادي: الثقافة هي...؟ هي...؟ لم يعرف الجواب، لكنه وعدني بالبحث.