ليس من المبالغة في شيء إذا قلنا بأن العنف من داخل الجامعات المغربية لا سواء أكان ماديا أم معنويا، قد أضحى ثابت من ثوابتها التي لا ترتفع، إذ أصبح من المألوف في جامعاتنا أن تسمع بين الفينة والأخرى عن جريمة "تعنيف" واعتداء على أحد طلاب الجامعة بدون حق، اللهم إلا ما يفرضه النضال الغير الشرعي المؤسس على منطق "الوصاية" والإقصاء من استباحة وانتهاك لحرمات الجامعة، تحت دعوى "الدفاع عن مصالح الطلاب" . ولعله من النافل القول بأن ظاهرة العنف بالجامعة تعتبر ظاهرة تطبع جميع نواحيها، والمتأمل في هندسة الجامعة وطريقة اشتغالها يجد بأن العنف قد أضحى جزء من بنيتها، بل وتخصص من تخصصاتها ! بحيث يمارس على الطالب نوع من "التعنيف المعنوي" منذ أن تطأ قدمه أرض الجامعة، ابتداء من الصعوبات الإدارية التي تعترضه في عملية التسجيل، وما يجده في مسيرته العملية من نقص في أساسيات وشروط البحث والتحصيل العملي، الشيء الذي يؤدي إلى خلق جيل من الطلاب بنفسية سلبية كارهة للجامعة ونابذة لها، وساخطة على كل ما يأتي منها؛ جيل منعزل عن محيطه وأبعد ما يكون عن الانخراط الايجابي في قضايا أمته. إذا ما تجاوزنا دائرة العنف الإداري الذي يعكس ترهل العملية التعليمية، وعجزها عن استيعاب متغيرات محيطها السياسي والاجتماعي.. واتجهنا صوب العنف "الفصائلي" الذي تتبناه بعض المكونات من داخل الجامعة، سنجده أكثر تعقيدا، وهو الذي يتخذ أشكل وألوان متعددة، من "محاكمة" أو "ابتزاز" أو تهديد بالتصفية الجسدية أو اعتداء مباشر بالسلاح كما حصل في جامعة فاس الأسبوع الماضي، وكما يحصل في العديد من المواقع الجامعية، ولعل ما يميز هذا العنف هو ارتباطه الشديد بأسباب وخلفيات اجتماعية وسياسية توظف مصالح الطلاب في المزايدة والاسترزاق عليها. وليس هناك أدنى مبرر لتبني العنف كخيار في التعامل مع المخالف، اللهم إلا التغطية عن الفراغ الفكري الذي تتخبط فيه مكونات العنف والإقصاء من داخل الجامعة، وهذا أكبر دليل على تآكل المرجعية الأيديولوجية على حساب المصالح الضيقة، التي تستلزم الانسياق وراء والمواقف العدمية والتي تكون سبب في الإجهاز على كل المكتسبات التي راكمتها الحركة الطلابية، عن طريق تحويل الجامعة من فضاء للعلم والتثاقف ومقارعة الحجة بالحجة إلى فضاء للدماء والرعب والترهيب و الاستعراضات العسكرية المفزعة. وبهذا نستطيع أن نتلمس زيف بريق الشعارات المنقطعة الصلة عن الواقع الاجتماعي والسياسي لطلاب الجامعة والتي تنادي بها "فصائل العنف" وهي شعارات تعمل على دغدغة وتهييج عواطف الجماهير الطلابية، من دون إضافة أي شيء ملموس في الواقع المتأزم، وإلا كيف نفهم ممارسة العمل النقابي من دون رؤية واضحة ولا برنامج نضالي مفصل من طرف جهات العنف؟ ! إذ من المعروف أن الالتحام الحقيقي بقضايا الطلاب وهمومهم والتعاطي مع مشاكلهم، يقتضي الصراحة المطلقة في ممارسة الفعل النقابي الراشد من داخل الجامعة، من أجل إعطائه صبغة مسؤولة قابلة للمحاسبة، وعدم العمل بنهج العصابات المغلقة التي لا هوية لها إلا اللهث وراء تأزيم الأوضاع وإيصالها إلى الأبواب المسدودة. وهكذا يتواطأ العُنفين الإداري والفصائلي على قتل روح العلم والمعرفة في نفسية الطالب المغربي وتيئيسه من المستقبل ودفع إلى التفكير في خيارات وبدائل أخرى تبعده عن مسلك تعاطي العلم والثقافة. لقد باتت ظاهرة العنف شاهدة على مسؤولية المكونات الفصائلية في تعميق أزمة الحركة الطلابية المغربية وتكريسها، وتبدو الحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى ماسة من أجل الوقوف المتأني معها ، خاصة و الأيام لا تزيدها إلا استفحالا، الشيء الذي يحتم ضرورة توافر إرادات حقيقة لمواجهتها والتصدي لها، وتخليص الجامعة من هذا الشر المستطير حتى لا تبقى في أدنى دركات التخلف لا تشملها أي محاولات إصلاحية من شأنها أن تخرجها من وضعيتها المتأزمة.