مما يعجب له الإنسان في دولتنا المغربية عبر سياستها الخارجية أو تفاعلها مع قضايا الأمة، هو سياسة اللاسياق واللامحتوى، ففي هذه الايام الإعلام العمومي فاق من غفلته الطويلة وسكتته القلبية اتجاه ما يحدث في فلسطين من تهويد لمدينة القدس التي تطمس معالمها الإسلامية والحضارية كل يوم ، أوما يحدث في غزة العزة من غارات وتقتيل من طرف الكيان الصهيوني وحصار من طرف الكيان الغاشم، ينضاف إليه إغلاق معبر رفح المتكرر من طرف الإنقلابيين في مصر، كل هذا يجري وحصة القضية الفلسطينية من الإعلام العمومي غائبة تماما، ومسكوت عنها من طرف الفاعلين السياسيين وخاصة المطبعين منهم. إنه زمن إنتاج اللامعنى. ففي الوقت الذي يجب على الدولة المغربية ان تتدخل فيه بكل جرءة لانقاذ ما يمكن إنقاذه في لحظات حرجة عاشتها القضية الفلسطينية كما حدث مرارا وتكرارا في الحروب المتوالية على غزة، فالأنظمة العربية في مثل هاته المواقف تخر ساجدة لامريكا وإسرائيل، مباركة الإجتياحات وتقتيل الأطفال والنساء، واغتصاب الكرامة والعزة. على عكس الشعوب التي تتحرك في كل أقطار العالم لكنها غالبا ما يصل مستوى تحركها إلى مسيرات واحتجاجات، سرعان ما تنخمد نارها ويخفت بريقها وواقع الحال هو هو ، فبدأت الشعوب العربية وعلى رأسها الأنظمة تتعامل برد الفعل وليس الفعل، فلا عجب إذن إن فقدنا القدس، وعكا، وتل الربيع، وحيفا، والجولان،..ولا غرابة من تلاعب هذا الكيان وأمريكا بالأنظمة كيف ما تشاء ووقت ما تشاء. عندما تسمع اليوم هذا الخطاب الفضفاض والكبير عن حجمه، كون المغرب رئيس لجنة القدس تشعر في الوهلة الأولى بنوع من الفخر والإعتزاز، تشعر وي كأن المغرب يقود الأمة لتحرير القدس، وقد كنا نستمتع بإحدى الوصلات الإشهارية بالقناة الأولى الخاصة بدعم لجنة القدس وكانت تحرك فينا نوعا من الإحساس العميق بعمق القضية، كما هو الشأن عندما درسنا درس القضية الفلسطينية في مادة الاجتماعيات بالسلك الثانوي، أو الأيام الثقافية والتضامنية مع الشعب الفلسطيني في المرحلة الثانوية أو الجامعية. لكن الذي لا يستصاغ هو هذا التعامل المناسباتي مع قضية عقدية بالدرجة الأولى على حد قناعتنا، لأنها في الحقيقة قضية الهوية، الأرض، حق العودة والتاريخ، وما لا يقبل أيضا هو المتاجرة بهذه القضية وتوظيفها في غير ما لا ينبغي أن توظف فيه، يجب اليوم على الدولة وكل الفاعلين السياسين وأصحاب السلطة أن يصارحوا القضية، وأن يعترفوا بأنهم غير قادرين على فعل شيء أمام مصالحهم الإستراتيجية. فبيع الوهم لم يعد ممكنا، أمام الدروس تلوى الدروس التي قدمتها القضية الفلسطينة، أمام الدروس التي قدمتها المقاومة الفلسطينة في غزة فكفى من سياسة الكيل بمكيالين. إن الرهان في حل القضية الفلسطينية على التفاوض والتنازل مع مغتصب الأرض والتاريخ والهوية، الكيان الصهيوني الغاشم، لا يخرج عن مطاردة السراب والساحرات، فالخيار الذي تنهجه حركة فتح وعباس لم يعد مجدي وأثبتته التجارب على الأرض، والأولى من عقد مؤتمر لجنة القدس الرهان على وحدة الصف الداخلي الفلسطيني الممزق، فالقدس لن تعود إلا بعزة وكرامة، إلا من منطلق موقع القوة العلمية، والميدانية والاقتصادية والإيمانية، كما فعل نور الدين زنكي وبعده صلاح الدين الأيوبي الذي وحد الأمة آنذاك. فكيف للدول التي فوضت اسرائيل احتلال الأرض ان تشارك في هذا المؤتمر من دول الإستكبار العالمي التي كانت تعطي الضوء الأخضر دوما لهذا الكيان في قتل الأبرياء واستعمال الأسلحة الفتاكة.. أن تسعى اليوم إلى تحقيق السلام على الأرض، وأن تحفظ ما تبقى من رفات الثقافة والتراث الاسلامي. فالأمر بين وواضح فهيئة الأممالمتحدة صنيعة دول الحلفاء، أو غيرها من القوى لن تصنع شيئا أمام اللوبي الصهيوني، فلن يرجع الأرض -بكل تجلياتها- سوى أصحاب الأرض. عبدالعالي الصغيري