قد يبدو قرار إزالة ضرس العقل في كثير من الأحيان وكأنه جزء روتيني من مرحلة الشباب، ولكن العديد من الأشخاص بدأوا يتسآلون فيما إذا كان الضروري دائماً القيام بهذا الإجراء، حيث أن معارضي إقتلاع تلك الأضراس الأربعة يقولون بأنهم يفضلون الانتظار ومراقبة ما سيحدث، لأنه من الممكن أن تبقى تلك الأسنان وأنسجة اللثة المحيطة بها بحالتها الطبيعية، وبهذه الحالة ستكون العملية الجراحية مجرد نفقات لا لزوم لها. يرجع العلماء سبب ظهور أضراس العقل- والتي أخذت اسمها لأنها تنمو بعد بلوغ الإنسان- إلى أن البشر كانوا سابقاً بحاجة لاستخدام مثل هذه الأسنان بالفعل، لأن نظامهم الغذائي كان يعتمد إلى حد كبير على الجذور واللحوم القاسية والمواد الغذائية الخام، لذلك فإن تناول هذه الأطعمة الصلبة ليلاً ونهاراً، جعل من عملية مضغ الطعام وطحنه قبل ابتلاعه مهمة صعبة جداً على الفك البشري، لذا فقد ساعدت الأسنان الإضافية – أضراس العقل – على انجاز هذه المهمة، وإضافة لذلك يقول العلماء أن الفك البشري كان أكبر حجماً، الأمر الذي أعطى مجالاً واسعاً لهذه الأضراس لتنمو. هذه الأسنان الأربعة التي توجد في الناحية الخلفية من الفك، تسمى أيضاً بالأضراس الثالثة – لأنها تظهر بالمرحلة الثالثة في الفك بعد الأسنان اللبنية والأسنان الدائمة-، وهي تبدأ عادة بالظهور ما بين سن ال 17 و25، وعندما يخرج جزئ صغير فقط من أضراس العقل من خلال اللثة، وذلك يكون غالباً بسبب عدم وجود مساحة كافية في الفك، يتم اعتبارها بأنها انطمارية، وهذا النوع من الأسنان يمكن أن يؤدي إلى حدوث تسوس، أو تشكل طبقة من الجير أو غيرها من المشاكل، وهذا ما يدعو العديد من أطباء الأسنان ليقترحوا إزالتها على الرغم من عدم وجود أية مشاكل ظاهرة فيها. ولأن الخلاف ما يزال دائراً ما بين معارضي إزالة أضراس العقل ومناصري إزالتها للتخفيف من الازدحام في الفك – وهو ما كان منذ زمن قريب السبب الشائع لإزالتها-، بدأ فريق من الباحثين من مختبرات كوكرين في عام 2012 بمراجعة التجارب السريرية العشوائية المتعلقة بأسنان العقل، للبحث عن أدلة يمكن أن تدعّم موقف أحد جانبي النقاش، ولكن الفريق وجد في نهاية بحثه أنه لا توجد بيانات كافية تشير إلى أن اقتلاع أضراس العقل خفّض ازدحام الأسنان المتبقية في الفك على مدى خمس سنوات. إن انتزاع ضرس عقل واحد، يمكن أن يكلف ما بين 300 إلى 600 دولاراً، وذلك اعتماداً على مدى تعقيد الإجراءات، وحالة الأسنان والمكان الذي يعيش فيه الشخص في البلاد، والسبب الوحيد الذي يدفع معظم الأشخاص لاتخاذ هذا النوع من الإجراءات، هو تغطية التأمين الصحي لها، حيث يشير (جاي فريدمان)، وهو طبيب أسنان عام، أن الأشخاص الذين يمتلكون تأميناً جيداً على الأسنان، قد لا يضطرون لدفع أكثر من 20٪ من التكلفة، أي ما يقدر مابين 320 إلى 500 دولاراً لاقتلاع أضراس العقل الأربعة. حالياً لا يوجد إحصائية دقيقة تبيّن عدد أضراس العقل السليمة التي تمت إزالتها، حيث أنه لا يتم تتبع الإجراءات الطبية للأسنان بذات المعايير الدولية التي يتم فيها تتبع البيانات الإحصائية لباقي النواحي الطبية الأخرى، ولكن بحسب الدكتور (جون ياماموتو) من مركز دلتا للأسنان في كاليفورنيا، أنه بناء على البيانات الموجودة في المركز عن الربع الأول من عام 2014، فإن ما يقرب من 80٪ من عمليات الأسنان التي يقوم بها جراحو الفم كانت لأضراس العقل، أما ما تبقى فقد كان يشمل الإجراءات الأخرى مثل زراعة الأسنان وجراحة الفك التصحيحية والجراحة التجميلية للشفة المشقوقة والحنك. المخاطر هناك مخاطر توجد في جميع العمليات الجراحية، وحتى الروتينية منها، لذلك عند القيام بتقييم مخاطر إزالة ضرس العقل، قم بسؤال نفسك: "ما هي الفوائد التي يمكن أن أحصل عليها؟" فإذا كان ضرس العقل متضرراً عندها ناقش موضوع اقتلاعه، أما إن لم يكن كذلك فاتركه، هذا ما ينصح به (ريتشارد نيديرمان)، مدير مركز طب الأسنان في جامعة نيويورك، كما أنه يحث المرضى وأطباء الأسنان للتركيز على الحالة الراهنة لصحة الأسنان وتجنب التصرف وفقاً لتوقعات قد لا تثبت صحتها. التخدير معظم عمليات اقتلاع أضراس العقل تتم تحت تخدير موضعي، وهو التخدير الذي يكون خلاله المريض مستيقظاً وقادراً على التواصل مع طبيب الأسنان، ولكن العديد من الأطباء يحولون المريض بشكل روتيني لجراحي الفم، الذين يقومون بتخدير المريض تخديراً عاماً، وهذا ما يجعل المريض فاقداً تماماً للوعي، مما يزيد من تكاليف العلاج، ويعزى استعمال الأطباء لهذا النوع من التخدير لكونه يعود على الطبيب بربح أكبر، بالإضافة إلى أنه يجعل عمل الطبيب في الفم أكثر سهولة، والخطر في هذا النوع من التخدير، هو أن الفك يمكن أن يُفتح بشكل واسع جداً، مما قد يتسبب بحدوث إصابات في الفك، وهذه الإصابات يمكن أن تصيب العصب في حالات نادرة، مما يترك المريض مصاباً بحالة من الخدر الدائم في شفتيه ولسانه وخديه بعد إزالة ضرس العقل. الإبقاء على الأضراس بحسب الدكتور (توماس دودسون)، وهو أستاذ في جراحة الفم والوجه والفكين في جامعة واشنطن، فإن هناك مخاطر أيضاً للإبقاء على أضراس العقل، فقد يؤدي الاحتفاظ بها لالتهابات اللثة أو إمكانية تطور الحالة مما يستدعي إجراء عملية جراحية طارئة، ولأن الدراسات الحديثة أظهرت أن الأضراس الثالثة لا يمكن التنبؤ بحالتها المستقبلية، يقوم حوالي 60٪ من المرضى باختيار إزالة أضراس العقل، أما بالنسبة للذين يحتفظون بأسنانهم، فلا بد أن تتم متابعتهم من قبل أطباء الأسنان وأن يقوم المرضى برعاية هذه الأضراس والاهتمام بها جيداً. بعض الأطباء يعتبرون إزالة أضراس العقل الصحيحة لا تختلف عن إزالة الزائدة الدودية الصحيحة التي لا يمكن أن تنفجر سوى في حالات نادرة، وهذا النوع من العمليات الوقائية قد توقف العمل به منذ زمن بعيد، ولم يبقَ أحد يقوم بها إلّا إذا كان هناك أدلة قوية جداً على إمكانية تطور الوضع إلى حالة أكثر خطورة.