كانت ولا تزال تهمة معاداة السامية ورقة حمراء يرفعها الكيان الصهيوني وأتباعه من المطبعين في وجه كل من سولت له نفسه انتقاد المشروع الصهيوني التوسعي، والمتتبع يلاحظ كيف تعمد هؤلاء الخلط بين التهجم على المشروع الصهيوني كفكرة وممارسة، وبين التهجم على اليهود كقوم لهم نفس الحقوق التي لغيرهم بغض النظر عن معتقداتهم وأعراقهم. مناسبة هذا الكلام هو هذا الضجيج المفتعل حول نكتة عابرة أوردها المقرئ الإدريسي أبو زيد عن التاجر السوسي البخيل في محاضرة ألقاها بالكويت منذ حوالي أربع سنوات. وأنا هنا لست بصدد الدفاع عن المقرئ الإدريسي، بقدر ما أود التنبيه إلى خطورة الخلط المتعمد للأوراق قصد النيل من الأصوات التي لم ترق لمن تعمد هذا الخلط. والشاهد عندي أن الصهيونية تعمدت الخلط بين مفهومي الصهيونية واليهودية لإسكات كل صوت معارض لمشروعها، والخشية من أن تصبح "معاداة الأمازيغية" تهمة جاهزة تستدعيها لوبيات الفساد كلما رغبت في مطاردة خصم سياسي، أو قلم حر. إن المحاضر لم يزد عن أن وظف نكتة من مخزون ثقافي نحفظه جميعا في مخيالنا الشعبي. فمتى كان توظيف مثل هذا المخزون دعوة عنصرية؟ لقد تحاشى المحاضر تسمية "السوسي" مخافة أن يتهم بالعنصرية، وكأنه على علم بأن هناك من يتربص به، ويتحين الفرصة للاصطياد في الماء العكر. لكن لماذا فهمنا جميعا أن المقصود من كلام المحاضر هو التاجر السوسي وليس الأطلسي أو الريفي؟ لأننا جميعا ، وبكل بساطة، نعرف النكتة، ونتداولها فيما بيننا كما نتداول غيرها من النكت عن "الشلح" و"أعراب" و"الجبلي" "والصحراوي"... حتى لا تكاد قرية ولا قبيلة تخلو من نكت تتداولها عن غيرها من القبائل والعشائر. إن أخطر ما في الأمر ليس زلة المقرئ الإدريسي إذا صح أن نعتبر توظيفه لهذه النكتة زلة، بل الأخطر هو هذا الخلط المتعمد الذي أراد منه صانعوه أن يجعلوا من "معاداة الأمازيغية" تهمة يخرصون بها صوتا حرا لم تنل منه كراسي البرلمان الوثيرة، ولا قيادة حزبه للحكومة، بل ظل صوتا مجلجلا يقض مضجع المفسدين في هذا الوطن. ويبدو أن هذه اللعبة القذرة قد كشرت عن أنيابها، فرأينا فعاليات وجمعيات أمازيغية سارعت لمقاضاة المقرئ أبو زيد بتهمة "القذف وممارسة العنصرية ضد الأمازيغ"، وطالبت الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة "أزطا أمازيغ" مكتب مجلس النواب برفع الحصانة البرلمانية عن النائب البرلماني عن فريق العدالة والتنمية، و"اتخاذ المقتضيات القانونية ذات الصلة بالتمييز والعنصرية". إن المتأمل في قائمة الأفراد والهيآت المتهمة بالعداء للسامية، سيلاحظ أنها لم تقتصر على تيار سياسي أو أيديولوجي معين، لكن الجامع بين المتهمين هو انتقادهم للطرح الصهيوني. وأخشى أن تصبح "معاداة الأمازيغية" تهمة جاهزة تحركها الدوائر الراعية للفساد، وكهنة الدولة العميقة لمطاردة الأصوات والأقلام الحرة قصد إسكاتها أو تدجينها، لتنضاف بذلك إلى قائمة التهم الجاهزة التي ما فتئ المخزن يوظفها ضد معارضيه من قبيل "الفساد الأخلاقي"(نادية ياسين نموذجا) و"الإرهاب" (ملف علي أنوزلا) والقائمة طويلة... ولعل ما يعضد هذا التخوف هو ما تناسل من أسئلة على هامش هذا الحدث: منتعمد النبش في محاضرة مر على إلقائها أزيد من أربع سنوات؟ ولماذا تم اجتزاء هذا المقطع من سياق محاضرة امتدت 81 دقيقة؟ وما الغاية من توظيفه في هذا الوقت بالذات؟ولِمَ لَم تُحرك مثل هذه الدعوى القضائية أو تتعالى أصوات الجمعيات الأمازيغية برفع الحصانة البرلمانية عن رئيس الفريق البرلماني للأصالة والمعاصرة عبد اللطيف وهبي حين تحدث عن "الشلح مول الزريعة"؟ إني أربأ بالمناضلين الأمازيغ أن يتم توظيفهم – بوعي منهم أو بدون وعي – من قبل جهات تتعمد خلط الأوراق لتصفية حساباتها مع مناوئيها، وآمل أن يصوبوا سهامهم نحو الهدف الصحيح، وألا يسمحوا بتوظيف الأمازيغية في الصراعات السياسية. إن من تعمدوا خلط الأوراق في نكتة التاجر السوسي يعلمون جيدا أن المحاضر ليس عنصريا، وهو المناضل الذي أفنى عمره في الدفاع عن حق الشعوب في الحياة الكريمة، لكنهم يتصيدون مثل هذه الفرص، ويلعبون على وتر العنصرية لتعميق الهوة بين أفراد الشعب الواحد من جهة، ولإسكات كل صوت حر لا ينبطح تحت إغراء أو تهديد لوبيات الفساد من جهة ثانية. ومع أني لست صوتا يزعزع أركان الفساد، إلا أني قد أتابع أنا أيضا بتهمة "معاداة الأمازيغية" بدعوى أنني قارنتها بالصهيوينة، وأنا أوقع هذا المقال أعلن براءتي من هذه التهمة، فأنا أمازيغي أبا عن جد لكن أرفض أن تتم المتاجرة بقضيتي !!