اعتبر فؤاد أبو علي، الأستاذ الجامعي والباحث في اللغة العربية، أن ما تعيشه اللغة العربية في المغرب يمثل محرقة لغوية أو "هولوكوست لغوي" بكل تجلياته، وأكد على أن النقاش اللغوي لم يعد نقاشا عرضيا أو هامشيا، وأن السؤال اللغوي أصبح في عمق النقاش الوطني، وجزء لا يتجزأ من وجودنا اليومي. وتساءل أبو علي، ضمن ندوة:" اللغة العربية والتعليم" المنعقدة بمدينة أصيلة نهاية الأسبوع، عن توفر المغرب على سياسة لغوية، والتي قصد بها التخطيط الذي تضعه الحكومات، وتضبط به فسيفساء استعمال اللغة في المجتمع، باعتبار اللغة هي تعبير عن منظومة القيم. وقال أن اللغة بارتباطها بالسياسة لابد لها من تخطيط. مشيرا إلى أن الدول المتقدمة مثل فرنسا تعتبر اللغة جزءا من سيادتها الوطنية، حيث قامت هذه الأخيرة بترسيم اللغة الفرنسية سنة 1992 حفاظا عليها من المد الانجليزي، وأصدرت سنة 1994 قانونا يضبط استعمال الفرنسية في الإعلام. فؤاد ابو علي، وأثناء الندوة نفسها التي نظمتها جمعية آفاق الثقافية بتنسيق مع الائتلاف الوطني من اجل اللغة العربية احتفالا باليوم العالمي للغة العربية، أوضح أن التجزئة والتفرقة تبدأ لغويا فهوياتيا وقيميا ثم تنتقل إلى السياسة. وأضاف أن المغرب بعد الاستقلال عاش بعيدا عن التخطيط اللغوي، حيث الاهتمام باللغة العربية غائب من عقول وبرامج القائمين على الشأن العام المغربي، رغم وجود بعض المبادرات التي ولدت ميتة مثل: نموذج أكاديمية اللغة العربية التي لم ترى النور بعد، رغم وجود ظهير ينظم عملها. رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية أعرب عن استيائه من مما توصل إليه تقرير للبنك الدولي من أن الطالب المغربي هو طالب نموذجي لأنه الطالب الوحيد الذي يحصل على شهادة الإجازة ولا يتقن أية لغة. مبرزا أن اللغة جوهر أزمة التعليم بالمغرب. ومؤكدا انه لا يمكن تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية إلا باللغة الوطنية وان الخطر هو أن تقدم المعرفة بغير ذات اللغة ، وهي النتيجة التي توصلت إليها دراسة إحصائية قام بها مركز الدراسات بوجدة بتعاون مع كلية العلوم بنفس المدينة. وفيما يتعلق بالنقاش اللغوي الاثني، قال أبو علي انه نقاش مغلوط وعلى هامش التاريخ، والذي يجب أن يكون هو نقاش ثقافي، متسائلا عن الطريقة التي يمكن بها توظيف التراكم التعدد اللغوي بالمغرب. حيث اللغة هي لغة هوية. وأضاف ان المدافعين عن الفرانكفونية ليسوا مؤمنين بها ولكنهم تعودوا على ربط مصالحهم بفرنسا، ودعوة عيوش ليست بريئة وإنما تدخل في إطار هدم اللغة الوطنية لصالح المركز: "فرنسا". وختم د.علي مداخلته بسؤال اللغة والتنمية، حيث التنمية هي المفصل، وان اللغة العربية هي المؤهلة لتكون لغة المعرفة، لأنها توفر عمقا جيوستراتيجيا للمغرب: فضاء عربي إسلامي، عمق إفريقي، غرب أوروبي. كما دعا إلى ضرورة ضبط الجدولة اللغوية عبر تحديد مجال استعمال كل لغة ووظيفتها في المجتمع، ووجوب استحضار الروح التوافقية في حسم المسالة اللغوية بالمغرب. من جانبه قال رشيد الجرموني، وأثناء تناوله لمحور اللغة العربية والمناهج التعليمية بالمغرب بالندوة نفسها، إن المناهج التعليمية الذي تدرس بالمدرسة المغربية هي مناهج ضعيفة من ناحية القيم الدينية والوطنية وتخرج لنا أجيال ممسوخة وممسوحة الهوية. واصفا إياها "بالتسونامي المناهج التعليمية بالمغرب". واعتبر الجرموني أن ميثاق التربية والتكوين حاول الجمع بين متناقضين، ويتعلق الأمر القيم الكونية والقيم الإسلامية الوطنية، لكنه لم يفلح في ذلك. مشيرا إلى مقررات اللغة العربية التي تتوفر على مضامين لا تمس القضايا الجوهرية مثل تكون مجتمع المعرفة، وإنما تتطرق إلى قضايا غير مفيدة، كما أن لها إخراج رديء. وأضاف، في هذا الصدد، أن المجلس الأعلى للتعليم اعترف أن تنزيل المقررات الدراسية كان ارتجاليا وأن اللجان التي قدمت هذه المناهج لم تكن على مستوى عال من الكفاءة والإبداع. وطالب المتحدث نفسه الحكومة بان تضع بصمتها في هذه القضية، وتعمل على إخراج وثيقة تحسم المسالة اللغوية بالمغرب والتي تحتاج إلى ذكاء سياسي. كما دعا الحكومة إلى طرح حلول أخرى عوض القول بإزاحة الفرنسية، مقترحا فتح مدارس على سبيل التجريب تدرس اللغة العربية والانجليزية فقط.