ماذا لو سمعنا عن وجود "حي" صغير في إحدى المدن الإسلامية يحرم دخول النساء إليه بسبب "نجاستهن" ويعاقبهن بالسجن على ذلك؛ فكيف سيكون رد فعل دعاة "العلمانية" و"المساواة"؟ وكيف ستكون "ثورة" الحركة النسوية لمواجهة "الفكر الذكوري" و"المد الظلامي"؟ لكن هل سبق أن سمعتم في أوروبا الحضارة والحداثة والتقدم عن مكان يحرم فيه دخول النساء بسبب "نجاستهن" وفي القرن الواحد والعشرين، بل الأدهى من ذلك أن يكون هذا المكان في بلاد اليونان "مهد" الحضارة الإنسانية ومنبع "الديمقراطية" وبلاد الفلاسفة العظام (سقراط، أفلاطون، ارسطو،...)؛ قد يبدو الأمر غريبا للبعض وصادما للبعض الآخر، ولكن هل سبق أن سمعتم في إعلامنا "المعلمن" عن جبل "آثوس" في اليونان؟ وهل سبق لجمعياتنا النسوية "المناضلة" من أجل المساواة التامة أن ذكرت هذا الإسم في مطالبها "الثورية" لتحقيق المساواة الفعلية –المشاعية- بين الرجل والمرأة؟ فما هو هذا المكان؟ وما علاقته بالنساء؟ إنه جبل "آثوس" أو الجبل المقدس، يقع في شمال اليونان ويعتبر منطقة "نسكية"، يقيم فيه رهبان من مختلف الكنائس الأرثوذكسية، وعاصمة الجبل والبلدة الوحيدة فيه هي "كاريس"، وقد أدرج جبل "آثوس" ضمن قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونيسكو عام 1988. وتعرف المنطقة سياسيا بولاية الجبل المقدس النسكية المستقلة ذاتياً، وتخضع روحيا لسلطة بطريرك القسطنطينية المسكوني، ويسكن الجبل حوالي 2200 نسمة من الرهبان. في عام 1924 كتب دستور الجماعات الرهبانية في جبل "آثوس" وأقره الدستور اليوناني عام 1975، وينص هذا الدستور على وجود حاكم يمثل الحكومة اليونانية في المنطقة تعينه في منصبه هذا وزارة الخارجية، ولكن الإدارة الفعلية تكون بيد المجمع المقدس والذي يتكون من أعضاء يمثلون جميع أديرة الجبل. ويمنع دخول النساء منعا باتا لجميع مرافق المنطقة، الأمر الذي أكسب الجبل قدرا من الشهرة، وذلك من أجل الابتعاد عن الشهوة الجنسية، بل إن إناث الحيوانات الأليفة (مع استثناء بعض القطط، والدجاج والنحل) ممنوعة !!!؛ والسبب الآخر لاقتصار الجبل على الرجال فقط هو أن ثيوتوكوس ("والدة الإله" مريم العذراء باليونانية) ادعت أن هذا الجبل ملكها لهذا السبب لا يسمح لأي امرأة غيرها الدخول، لأنه المكان الوحيد محل تقدير "ثيوتوكوس"، ويدعى بحديقتها؛ والمكان الوحيد المسموح فيه للنساء بمشاهدة الجبل هو عند مرورهن بالسفن فقط. وكل امرأة تجرأت ودخلت الجبل تعاقب بالحبس من سنة إلى سنتين، ورغم أن برلمان الاتحاد الأوروبي دعا اليونان مرتين لتغيير هذا القانون، غير أن هذه الأخيرة رفضت الطلب. (المعلومات من موقع ويكيبديا وبعض المواقع المسيحية). وللعلم فإن تاريخ اليونان مع المرأة مرير، حيث كانت تعتبر في أيام "الديمقراطية اليونانية" ملك للرجل يفعل بها ما يشاء وكانت تمنع من الانتخاب والمشاركة في الحياة العامة. وقد كتبت "الأم" مريم (زكا) رئيسة دير "يوحنا المعمديين" بلبنان تصف الجبل "هناك يتواصل الليل بالنهار، فليل الرهبان يلتمع بنور الشموس المضاءة في تمتمات إسم يسوع وفي تراتيل وخدم أبقت على تراث الكنيسة الأرثوذكسيّة حتى يومنا هذا، هناك تطبّق الوصيّة الإنجيليّة في الحب والموت والقيامة، هناك ينزل الراهب إلى جحيم سقوطه ليرفعه الرب إلى قيامته والعالم حوله... كل دير أرثوذكسي هو جبل آثوس وجبل آثوس هو في معظم الأديار حيث تستقر الذخائر المقدّسة من الأحياء والراقدين والحياة التي لا نهاية لها، حياة التماس وحضور الرب يسوع... جبل آثوس اليوم هو بمثابة ثابور كل نفس ارتهنت بكلّيتها للرب خالقها، هو انفجار العشق في النفس للإله... هو الغيرة الناريّة التي تأكل الروح، فلا تعود ترى علّة لوجودها إلا بالعيش ليل نهار مع خالقها... انه سلالة الحب الإلهي المفروز في أرض الأحياء منذ أول البشريّة، إنه الأنا المصلوبة طوعاً على المخلّص الرب يسوع المسيح لتقول له:"يا أنا أنت"... "تعال تعال يا ربّي ولا تبطئ". http://www.holytrinityfamily.org/Mount%20Athos/Spiritual%20Importance.html فكيف تصف "الأم" الجبل ولم تزره؟ وإذا كان الجبل يحقق كل هذه الروحانيات فلماذا تمنع النساء من دخوله؟ أم إن التقرب من "الرب" من الجبل المقدس حكر على الرجال "لطهرانيتهم" ومحرم على النساء "لشهوانيتهن" و"نجاستهن" !!! ؟؟؟ ولنسأل دعاة "المساواة": لماذا لم تستجب حكومة اليونان -بلد مهد الحضارة والديمقراطية- لطلب الاتحاد الأوروبي بإلغاء قانون معاقبة النساء اللاتي يدخلن الجبل؟ ولماذا يقبل الاتحاد الأوروبي انضمام بلد يجيز التمييز –بالقانون- ضد النساء؟ بل لماذا تقبل الحكومة اليونانية في الأصل وجود قانون "ذكوري" تمييزي يطبق في حيز جغرافي معين؟ ولماذا لم تتسابق الحركات النسوية في أوروبا برفع دعاوى قضائية أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ضد الحكومة اليونانية؟ و في حالة وجود مثل هكذا حكم هل ستقدر اليونان على تطبيقه؟؟؟ والأغرب من كل هذا أن يتحول الجبل من مكان يحتقر النساء إلى فضاء سياحي عالمي –فقط للرجال- ومدرج على قائمة التراث العالمي !!! ولنطرح السؤال الأول مجددا: ماذا لو كان في بلادنا الإسلامية "جبل" خاص بالفقهاء والزهاد يحرم ويعاقب على دخول النساء إليه؟؟؟ والحمد لله أن أقدس الأماكن عند المسلمين –مكة والمدينة المنورة والقدس- لا تحرم دخول النساء وإلا لتم تدويل القضية أمام المحاكم الدولية. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.